العدد 2440 - الإثنين 11 مايو 2009م الموافق 16 جمادى الأولى 1430هـ

المتحدثون عن فلسطين... جعجعة من دون طحن!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

منذ أن فتحت عينيّ على الحياة وأنا أسمع الكل يتحدث عن القضية الفلسطينية؛ وفي تلك الفترة كانت كل الدول العربية ترفض الحديث إلى «إسرائيل»، وتصر على استعاد كل الأراضي الفلسطينية، وتصف بالخيانة العظمى كل من يتصل بـ «إسرائيل» وقد تحكم عليه بالإعدام. وكات المناهج الدراسية تصبّ في هذا الاتجاه، وتشحن الطلاب والطالبات بكراهية الصهاينة، أما الإعلام العربي فكان لا يعترف بدولة «إسرائيل»، ولا يسميها إلا «الأرض المحتلة» والويل كل الويل لمن يخرج عن هذا النهج ولو قيد أنملة.

في ذلك الوقت كان البعض يصدق كل الكلام الذي يسمعه من المسئولين العرب، وكان يتوقع تحرير البلاد في أيّ وقت، ورمي الصهاينة في البحر!

ودارت الأيام وانكشف الغطاء، فإذا كل ما كنا نسمعه هراء لا قيمة له؛ وإذا الصهاينة يعملون في كل اتجاه لتقوية أنفسهم، بينما القادة العرب يكتفون بالشجب والاستنكار ويغطون في نوم عميق!

وبدأت الهزائم العربية، الواحدة تلو الأخرى، حتى استطاع المصريون وبدعم قوي من السعوديين تحقيق نصر جزئي في العام 73م، وفرح العرب كثيرا لكن فرحتهم لم تكتمل لأن الرئيس السادات آثر أن يعقد صلحا منفردا مع الصهاينة، وآنذاك غضب عليه الجميع، واتهموه بأسوأ التهم لكنهم وبعد وقت طويل آثروا - أو معظمهم - أن يفعلوا مثل ما فعل، وعفا الله عما سلف.

وزاد القوم في نومهم العميق، لكن عددهم استمر في تقوية جيوشه واقتصاده وعلومه، وبهذا التفوق الكبير، وفي ظل إصرار القوم على النمو بدأ الصهاينة يفرضون شروطهم على العرب، واستمروا في بناء المستوطنات، وقتل المئات من الفلسطينيين، ورفض كل الاستجداءات العربية لعقد صلح معهم حتى وإن كان مليئا بالذل والهوان.

تحرك البعض يبتغي المقاومة بعد أن تأكد لهم أن الصهاينة لن يتوقفوا عن تحقيق مطامعهم مهما تكلم العرب؛ خاض حزب الله أكثر من معركة، فثار بعض العرب وماجوا، وأنكروا عليه ما فعل، لأنه خرج على الإجماع الذي آثر الاستسلام مهما حصل.

حماس فعلت الشيء نفسه، وتعرضت لغضبة أقسى وأشد، وأقسم معظم القوم على إسكاتها إلى الأبد؛ فالعرب ليسوا بحاجة إلى فضائح جديدة، فالذي عندهم يكفيهم وزيادة!

الحديث العربي لم ينته؛ فالعرب كلهم يريدون تحرير أجزاء من فلسطين؛ وخاصة تلك المناطق التي احتلت العام 1967م، تحدثوا طويلا، وطويلا جدا؛ وهددوا وتوعدوا، لكنهم اكتفوا بذلك التهديد والوعيد وليس أكثر من ذلك.

الصهاينة يعرفون حدود التهديد العربي لذلك لم يلتفتوا إليه، واستمروا في تحقيق جرائمهم، حتى وصلوا إلى حد التهديد بطرد كل العرب من ديارهم في فلسطين، وكذلك هدم المسجد الأقصى بحثا عن كنيسهم المزعوم، ولتبق فلسطين يهودية لليهود، وليذهب أصحابها إلى الجحيم!

تداعى وزراء الخارجية العرب للاجتماع في القاهرة يوم الخميس 8 مايو/ أيار 2009م لبحث بعض الموضوعات المتعلقة بفلسطين، حضر النصف تقريبا وغاب النصف الآخر! ويبدو أن الذين غابوا لم يكونوا يشعرون بأهمية هذا الاجتماع، وأعتقد بأنهم لو تلقوا دعوة من وزيرة خارجية أميركا لما استطاع أحدهم أن يتأخر!

وربما - أقول ربما - أن الذين لم يحضروا كانوا «يعرفون البير وغطاها» فآثروا الراحة على اجتماع «لا يودي ولا يجيب»!

توصيات المؤتمر كانت في غاية الأهمية ولافتة للنظر!

هناك اقتراح بإصدار بيان إدانة لـ «إسرائيل» وتحميلها المسئولية عن كل الاتهامات في مدينة المقدس! ما شاء الله تبارك الله! قطعا هذه الإدانة ستطيح بالصهاينة وتجعلهم يبادرون بتنفيذ كل الرغبات العربية!

وبطبيعة الحال الإدانة تكفي والعرب ليسوا بحاجة إلى فعل أي شيء غيرها!

واقتراح آخر بدعوة مجلس الأمن لعقد جلسة خاصة تبحث عن عدم التزام «إسرائيل» بقراراتها بشأن الأراضي المحتلة!

هذا الاقتراح يظهر أن هؤلاء الوزراء لا يعرفون مواقف مجلس الأمن من «إسرائيل»، كما يظهر ذلك أنهم لا يعرفون مواقف الصهاينة من قرارات مجلس الأمن على ندرتها!

اللافت للنظر أن الوزراء لم يقولوا ماذا يجب على الدول العربية فعله وكأن هذه الدول لا علاقة لها بكل ما يحدث في المنطقة!

أحسن ما في تلك التوصيات «تشجيع الدول العربية لشرح مواقفهم تجاه القدس، وكذلك دفع التزاماتهم لصندوق القدس وانتفاضة الأقصى»!

تخيل كيف أن الدول العربية بحاجة إلى تشجيع للقيام بالحد الأدنى من واجباتها! مجرد تشجيع فقط وليس التزام وعمل! والتشجيع مثل سابقه جعجعة من دون طحن!

معظم الدول العربية تتحدث عن مبادرة السلام العربية، ومع كثرة الثغرات في هذه المبادرة، وأنها لا تمثل إلا الحد الأدنى من الطموحات الفلسطينية إلا أن الصهاينة رفضوها ومنذ صدورها وحتى الآن، واللافت للنظر أن العرب يتمسكون بمبادرة يرفضها الصهاينة ويطالبونهم بتنازلات جديدة لا نعرف متى تتوقف.

المسئولون العرب تحدثوا كثيرا حتى ملّ الناس حديثهم... وقطعا ملّ بعضهم حديث البعض الآخر، ولعلّ هذا سبب تخلفهم عن حضور الاجتماعات المتعلقة بفلسطين.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2440 - الإثنين 11 مايو 2009م الموافق 16 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً