العدد 245 - الخميس 08 مايو 2003م الموافق 06 ربيع الاول 1424هـ

جذور الخطر ليست في العمليات الإرهابية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

إعلان المملكة العربية السعودية انها أحبطت «محاولة ارهابية كبيرة» في الرياض يوم أمس الأول يعيد إلى الساحة الحوار عن جذور الحركات التي توصف بالمتطرفة احيانا، وبالارهابية احيانا أخرى. إن أي عمل يتخذ من العنف وسيلة مباشرة فإن جميع قوانين البلدان والقوانين الدولية تدينه، وخصوصا اذا استهدف الأبرياء الذين ليست لهم علاقة بالخلاف السياسي المعني.

غير ان تعريف ا«لارهابي» يختلط بتعريفات أخرى بحسب وجهة نظر هذا الطرف أو ذاك. فالطالبان كانوا «مجاهدين» عندما كانوا يحاربون الروس، وبعد ذلك أصبحوا «ارهابيين» عندما اتجهوا ضد أميركا.

العنف قد يكون نتيجة حوادث كبرى تمر بها الأمة، أو قد يكون بسبب انهيار النظام الحافظ للأمن. والعنف الاخطر هو العنف المنظم. على ان التعبيرات السياسية المستخدمة من قبل الجهات الرسمية أو الجهات المهتمة بالعنف توضح ان موضوع الارهاب والعنف له جذور أخرى، ومعالجة الأمر تتطلب أكثر بكثير من قدرة أجهزة الأمن على التعرف على المجموعة المتهمة، ومن ثم القبض عليها.

في الثمانينات من القرن الماضي كانت الحركات الإسلامية الشيعية في حالات من الكر والفر مع سلطات الامن، والاتهامات كانت توجه إليها من كل حدب وصوب. أما التسعينات وحتى يومنا هذا فإن تهمة العنف والارهاب توجه الى الحركة الاسلامية السنية السلفية.

على ان النهج السلفي له جذور عميقة ومتنوعة وهناك كثير من المفكرين والشخصيات ممن ترجع اليهم أفكار الحركة الأصولية. السلفيون في العصر الحديث بدأوا مع عهد الامام محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر، ومن ثم ظهرت أطروحات سلفية أخرى على يد الامام محمد عبده ورشيد رضا. ورضا كان أستاذ الامام حسن البنا، وبالتالي فإن حركة الاخوان المسلمين، وهي أكبر حركة في العالم الإسلامي، لها جذور سلفية واضحة ايضا.

غير ان هناك فروقات كثيرة داخل الحركة السلفية. فمحمد عبده ورشيد رضا يعتبران نفسيهما سلفيين، ولكنهما يختلفان عن سلفية محمد بن عبدالوهاب. ورشيد رضا يعتبر أكثر المفكرين القريبين من عصرنا الذين نظّروا إلى الفهم السلفي. وهذا الفهم ازداد قوة بعد انهيار الدولة العثمانية في العام 1924 عندما ساندت بريطانيا الشريف حسين، الأمر الذي جعل رضا وتلامذته يقتنعون بأن الحل الوحيد لأزمات العالم الإسلامي هو الابتعاد عن الحلول التي يطرحها المستعمر والقوات التي تغزو البلاد الإسلامية. فرشيد رضا الذي كان يدافع عن الدولة العثمانية أصابه الذهول لما آلت اليه الأوضاع في البلاد الإسلامية، ما دفعه إلى الاعتقاد بضرورة فتح باب الاجتهاد الذي اغلق منذ فترة طويلة.

وهذا الأمر يخفى على كثير ممن يعتقد ان السلف، انما يقلدون الماضي في كل شيء. فرشيد رضا الذي يفتخر بأنه سلفي كان من أشد الدعاة إلى فتح باب الاجتهاد لدى فقهاء المسلمين السنة. ورشيد رضا كان عالمي الفهم، اذ كان ينظر إلى المسلمين ككتلة واحدة وكان يرفض فهم ابن خلدون لحماية الدولة، القائم على العصبية القبلية. ولكنه ايضا كان طرفا في الحركة القومية السورية التي اختارت فيصل بن الشريف حسين ملكا لسورية في العام 1920. وهذا التنقل في الممارسات بين تأييد الخلافة العثمانية (لأنها تمثل بيضة الاسلام) ورفض العصبية العربية القائمة على القبلية، ثم الدخول في الحركة القومية السورية والقبول بالملكية التي رفضتها أفكاره من قبل يوضح دعوته إلى الاجتهاد العملي . ولكن التعقيدات كلها توضح بعضا من التكوين الفكري لحركة السلف.

اضافة الى ذلك، فإن سلفية محمد عبده ورشيد رضا كان أحد تأثيراتها تأسيس حركة الإخوان المسلمين على يد أحد تلامذة رضا. أما سلفية محمد بن عبدالوهاب فكانت تأثيراتها واضحة في تأسيس المملكة العربية السعودية.

الطرح السلفي يتحدث عن «الوجوب» المستمد من «الشرع» مباشرة، وهذا يتناقض نوعا ما مع الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد التي تهدف الى استنباط احكام فقهية بالاعتماد على «العقل». والاجتهاد السلفي يشبه في بعض جوانبه الطرح الإخبارى لدى الشيعة، فالاثنان يعتمدان القرآن والسنة مصدرين وحيدين لما يقومان به. أما العقل فينحصر دوره في تحديد ما اذا كان هذا الحديث واردا في السنة أما لا، وكيفية تطبيق ذلك الحديث على زماننا الحاضر.

رشيد رضا يفرق بين الخلافة الإسلامية المثالية كما كان يراها حاضرة في الخلافة الراشدة، و«امامة الضرورة» و «التغلب بالقوة». وفي الحالين الأخيرتين فإن الفهم السلفي لرضا يقبل بهما على شروط، اذ يرى أن المسلم عليه ان يسعى باتجاه الخلافة الراشدة في الوقت الذي يقبل العيش (ضمن شروط) تحت أنواع الخلافات الأخرى، إذ لا تستقيم الامور من دون نظام ما، ولذلك فإن «الضرورات تبيح المحظورات».

على ان هذا الفهم السلفي الذي أنتج «الاخوان المسلمين»، كانت له فروع كثيرة. فحزب التحرير تأسس على مفاهيم سلفية أيضا ولكنها كانت مفاهيم مطلقة وشمولية ولا تقبل أي اجتهاد. فالحكم الشرعي الذي يجب ان يتبع هو الصادر عن الخليفة، سواء كان أميرا لدولة (كما كان الملا عمر) أو أميرا لجماعة (كما هو الحال مع حركة «المهاجرون» التابعة لحزب التحرير و التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها بزعامة الشيخ عمر بكري). فما يقوله بكري يعتبر «الشرع» الواجب طاعته من قبل اتباع حركة «المهاجرون». وكذلك الحال أيضا مع التفرعات السلفية الأخرى، كتنظيم القاعدة وشيخها أسامة بن لادن.

الفهم السلفي - الذي ظهر بقوة في مختلف بلاد المسلمين وبلاد الغرب التي يوجد فيها مسلمون - له جذور فكرية عميقة جدا على رغم أن ممارسات اتباع الحركات السلفية تبدو غير ذلك. ولذلك فإن معالجة حركات العنف التي ظهرت في بلداننا ينبغي ان نفهم جذورها وان نتحدث الى تلك الجذور لمعالجتها بصورة أكثر واقعية. والفهم السلفي حصل على شحنات تدفعه الى الخروج في بعض الأحيان بأساليب تعتمد العنف بسبب ما تتعرض له أمتنا الإسلامية من أخطار، وبسبب ما يبدو واضحا لدى السلفيين من «تآمر» الولايات المتحدة وحلفائها لاسيما الكيان الصهيوني، لإذلال المسلمين. هذه بعض الأفكار التي ينبغي علينا تداولها ومعالجتها ونحن نسعى إلى بناء مستقبل أكثر ازدهارا وأمنا وحرية لأمتنا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 245 - الخميس 08 مايو 2003م الموافق 06 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً