العدد 2484 - الخميس 25 يونيو 2009م الموافق 02 رجب 1430هـ

نريد يوما آخر للجلادين!

حسن المدحوب hasan.madhoob [at] alwasatnews.com

.

غدا يصادف اليوم العالمي لضحايا التعذيب، وفي البحرين هنا يكتسب هذا اليوم أهمية قصوى، إذ سيكون مناسبة لا تتكرر كثيرا لتسليط الأضواء على آهات المعذبين الذين كانوا وقودا لطاحونة الأحداث التي عصفت بالبلاد في تسعينيات القرن الماضي. فمن منا لا يذكر الأرجل التي بترت، والعيون التي فقئت، والظهور والصدور التي خطت فيها السياط ترانيمها، ومن منا لا يذكر كم من المواطنين أدميت أرجلهم من «الفلقة»، وكم منهم مازالت «حباّت» الشوزن تأبى أن تفارق أجسامهم إلى الآن.

16 عاما مضت على الأحداث التي لا ينساها البحرينيون، الاعتقالات طالت الآمنين في بيوتهم، الأعراض انتهكت، المساجد ديس على حرمتها. كان الخوف في تلك الفترة هو الرباط الأكبر الذي جمع المواطنين، فاختفت الأفراح، وحتى الأعياد كان البحرينيون يخجلون من الاحتفال بها، فأي فرحة كانوا ينشدون وأحبتهم يسقطون في مشهد متكرر مضرجين بدمائهم الواحد تلو الآخر، لييتّم الأطفال- وبعضهم كان مازال جنينا- وتثكل النساء.

الآلاف زجوا في السجون التي فاضت بهم فنصبت لهم الخيام التي لم تكن لتقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء، بعضهم خرج من المعتقلات إلى المقابر مباشرة، وبعضهم خرج بأمراض في جسمه ومازال يتداوى منها إلى الآن، والبعض الآخر أصيب بأمراض نفسية عصية على العلاج نتيجة المدد الطويلة التي قضاها في الحبس الانفرادي.

اليوم، هدأ ذلك المشهد وانتهت تلك الحقبة، لكن بقيت الذاكرة محملة بتلك المشاهد المؤلمة، وبقي أولئك المعذبون يحملون مآسيهم شواهد على حقبة مرعبة من تاريخنا الوطني، وهم وإن استراحت أجسامهم بعد تلك العذابات، فإن ما ظل محفورا في نفوسهم لايزال يقض مضاجعهم، ويسهّد أجفانهم فما زالت الجراح في الأنفس لم تندمل بعد.

غدا سيسترجع هؤلاء شريط تلك الذكريات، سيتذكرون كيف علّقوا وعذبوا وتألموا وعانوا، غدا سيتذكر هؤلاء ومعهم شعب البحرين تلك الجراحات التي لم تبرأ بعد، وسيتذكر الجميع إن الدعاوى المتكررة لإنصاف هؤلاء، لم تأتِ رغبة في الحصول على حفنة من الدنانير، فعذاباتهم أعز من أن تشترى أو تعوّض بالمال وإن كثر، فما ينشده هؤلاء هو أن تسكن آلام أنفسهم وأرواحهم أكثر من أجسامهم. هؤلاء ينتظرون أن تتحقق دعواتهم وصلواتهم وابتهالاتهم بالانصاف لهم، ممن تفننوا بإلحاق أبشع صنوف الأذى بهم.

غدا، سيكون يوما لنتذكر نحن قبل أولئك المعذَبين كيف يكون حال الوطن وأبنائه عندما يتم استغلال السلطة للتنكيل بالمواطنين، وكيف يتم مخالفة القانون في وضح النهار دون حسيب أو رقيب.

غدا، أيضا سيكون أيضا يوما لمحاكمة الضمائر التي ثملت من دماء هؤلاء الضحايا، لكننا نحتاج يوما آخر، ليكون يوما للجلادين أنفسهم، لعلهم يتذكرون فداحة ما جنوا، وعظم ما صنعت أيديهم.

نحتاج يوما لهم، لعلنا نسمع منهم كيف كانت مشاعرهم وأحاسيسهم وهم يذيقون أجساد ضحاياهم الويل والثبور، لعلنا نسمع منهم كيف باتوا لياليهم بعد قطعهم الأرجل والأصابع، وكيف ودّعوا (زبائنهم) بعد إرسالهم إلى المقابر مباشرة بعد حفلات التعذيب التي كانوا يقيمونها لهم.

نريد يوما للجلادين، لعلنا نحظى بشجاع واحد منهم فيخبرنا كيف كان وقع صدى الأنين والنياح على أذنه، وكيف كان يستقبل توسلات ضحاياه، وتراتيل آلامهم في قلبه.

نريد يوما لهم لنعرف منهم كيف كان باستطاعتهم التلذّذ بالحياة، وهم من كان يسلبها من أجساد المستضعفين الذين وقعوا تحت أيديهم، فكانوا يمزقون الأرواح قبل الأجساد بلا هوادة ولا رحمة ولا شفقة.

نريد يوما لهؤلاء لنسألهم بأي ذنب قتلوا زهورا في ريعان شبابهم، أو شيبا لا حول ولا قوة لهم، أو رضعانا لم يعرفوا في الدنيا إلا حليب أمهاتهم، وبأي جناية تبررون انتهاككم للأعراض والحرمات.

نريد يوما لهم لنهديهم صورا لتلك المناظر التي برعوا في رسمها على الضحايا والمعذّبين، لنهديهم أديم الأرض التي تحوي عظام ضحاياهم، لنريهم الأيتام الصغار الذين ما أصبحوا كذلك لولا ما صنعته أيديهم.

نريد يوما لهم لنذكّرهم بعظم ما فعلوه، وقبح ما اقترفوه، نريده يوما لنقول لهم إن الله يمهل ولا يهمل.

إقرأ أيضا لـ "حسن المدحوب"

العدد 2484 - الخميس 25 يونيو 2009م الموافق 02 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً