العدد 2507 - الجمعة 17 يوليو 2009م الموافق 24 رجب 1430هـ

مخالفة عدم تحقيق العدالة الانتخابية في رسم «الدوائـــــر» بلغ قدرا لا يمكن أن تُخطئه عينٌ تنظر بقلبٍ

دعوى الطعن في «الدوائر الانتخابية» تصل آخر محطة قضائيــــــــة... الشملاوي يصف المعايير بـ «بالشطط والجور»... ويقول:

المنطقة الدبلوماسية - عادل الشيخ 

17 يوليو 2009

تقدم المحامي عبدالله الشملاوي بالطعن على أحكام رفض قضية ترسيم توزيع الدوائر الانتخابية لدى محكمة التمييز، وتعتبر هذه الخطوة القضائية هي آخر المطاف والأمل الأخير لدى المطالبين بصدور حكمٍ قضائي بإعادة توزيع الدوائر الانتخابية.

وقدّم الشملاوي شرحا مفصّلا للمفارقات بين النسب والأعداد بين الدوائر الانتخابية، وما بها من مخالفات، والتي قال إنها «قدر لا يمكن أن تخطئه عين تنظر بقلبٍ مبصر عندما وصل الفارق بين عدد ناخبي دائرة موكلي والعدد المحقق للمساواة المطلقة إلى (109 في المئة) بالزيادة، وهي نسبة لا تعكس بالقطع العدالة التقريبية ولا الحسابية ولا أي مصطلح من مصطلحات العدالة بل هي الشطط والجور».

وقال الشملاوي في تبريره للطعن على الأحكام القضائية الرافضة لطلبه المتمثل في إلغاء المرسوم رقم (29) لسنة 2002 بشأن تحديد المناطق والدوائر الانتخابية: «إن ما ذهب إليه حكم أول درجة ومن بعده الحكم الاستئنافي الطعين، يُعد توجها مخالفا لما هو مستقر في القضاء الإداري من أن سلطة الإدارة التقديرية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون سلطة تحكمية تمارسها جهة الإدارة من دون أي قيد يتصل بمحلها وسببها، لما في ذلك من خروج على مبدأ دولة القانون، وتوجه غير مقبول في القضاء الإداري لما يتضمنه من منح الضوء الأخضر للسلطة التنفيذية لأن تمارس سلطتها هذه بعيدا عن رقابة القضاء ومن دون أي قيد قانوني، ونكولا عن الواجب الأساسي للقاضي الإداري المتمثل في ضبط سلوك جهة الإدارة ورده للشرعية دائما، كون أنه حيث لا ضابط لممارسة السلطة ولا رقابة للقضاء على قيام الإدارة بهذا الدور إنما يوجب الخشية من السلطة التنفيذية، وزرع الرهبة في نفوس المواطنين، ومدعى للخشية والحذر من مسلك الإدارة وما تصدره من قرارات باستعمال هذه السلطات، وموضع خشية للنيل من جوهر الحقوق والحريات العامة، وبحصانة منقطعة النظير». موضحاَ «ففي حين تكون جهة الإدارة خاضعة لرقابة القضاء حيث السلطة المقيدة، فإن هذا القول من محكمة البداية ينتهي إلى تحصين قرارات جهة الإدارة من الطعن عليها أمام القضاء، ولا رادّ لعدوانها على حريات الأفراد وحقوق المواطنين؛ ولا شك في أن النتيجة النهائية لما انتهت إليه محكمة البداية ومن بعدها محكمة الاستئناف لا يستقيم مع قيام دولة القانون؛ ذلك أن مناط قيام دولة القانون هو وجود نظام قانوني يحكم أي نشاط، ووجود قضاء يتحقق من خضوع هذا النشاط للقانون، والذي هو في ممارسة القضاء الإداري لرقابته على محل القرار يقصد به القواعد القانونية العامة المجردة التي تشمل الدستور والمبادئ العامة للقانون والتشريعات واللوائح والعرف».

وفي الطعن، جدّد الشملاوي طلبه بنقض الحكم الطعين فيما قضى به من رفض الاستئناف المقام والقضاء له بطلباته الواردة في القضية المرفوعة والتي تمثلت في: إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدعوى، والقضاء بإلغاء المرسوم رقم (29) لسنة 2002 بشأن تحديد المناطق والدوائر الانتخابية وحدودها واللجان الفرعية للانتخابات العامة لمجلس النواب كاملا، لارتباط أحكامه ارتباطا غير قابل للتجزئة.

وإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى من رفض الدعوى، والقضاء بإلغاء المادة الثانية من المرسوم رقم (29) لسنة 2002 بشأن تحديد المناطق والدوائر الانتخابية وحدودها واللجان الفرعية للانتخابات العامة لمجلس النواب.

وطالب الشملاوي احتياطيا - وقبل الفصل في الموضوع - بتكليف دائرة الشئون القانونية بتقديم كل المعايير والاعتبارات التي رسمت على أساسها جميع الدوائر، مع بيان شواهد توافر هذه المعايير في خصوص الدوائر التي تمت مراعاتها فيها، وعدم توافرها في خصوص الدوائر التي لم تطبق فيها.

كما طالب بندب خبير رياضي (محاسبي) لبيان الدوائر الانتخابية التي يكون فيها الفرق بين أعداد الناخبين في حدود 20 في المئة، والدوائر الانتخابية التي يزيد أو يقل الفرق فيها بين عدد الناخبين عن 20 في المئة، ومقارنة نسبة زيادة عدد الناخبين في دائرة المستأنف مع غيرها من الدوائر الانتخابية في مختلف المناطق الانتخابية، وفقا لترسيم الدوائر الانتخابية الحالي.

وعلى سبيل الاحتياط الكلي التمس المحامي عبدالله الشملاوي من محكمة التمييز إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدفع بعدم دستورية المادة (17) من المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية، والتصريح للمستأنف بالطعن أمام المحكمة الدستورية على دستورية المادة (17) من المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية، ووقف الدعوى لحين الفصل في الدعوى الدستورية.

وأشار الشملاوي إلى أن «الثابت أن حيثيات حكمي أول درجة والحكم الاستئنافي الطعين لم يتضمنا ما يشير صراحة أو ضمنا لسند المحكمتين في إعراضهما عن تقويم ممارسة جهة الإدارة لسلطتها التقديرية وفقا لمبادئ القانون العام».

وأوضح الشملاوي أسباب طعنه «تمسكنا أمام محكمة الاستئناف بالقول إن جهة الإدارة لم تلتزم حتى بالعدالة التقريبية التي قالت بها محكمة البداية، وتمسكنا بأنه على الرغم من أن دائرة الشئون القانونية كشفت عن مفهوم جهة الإدارة للعدالة التقريبية من وجهة نظرها معتبرة أن نسبة (20 في المئة) كفارق في عدد ناخبي الدوائر الانتخابية تمثل النسبة المقبولة لتحقيق هذه العدالة، إلا أن واقع أعداد الناخبين في جميع الدوائر الانتخابية المقيدة رسميا والتي تعلنها جهة الإدارة وإجاباتها على أسئلة أعضاء مجلس النواب يكشف أن هذه العدالة التقريبية مفقودة، وذلك كون أن الدوائر الانتخابية لم تراعِ هذه النسبة إطلاقا، وأن ذلك شكل إهدارا جليا لثقل صوت الطاعن الانتخابي وصوت الكثير من الناخبين، وأن جهة الإدارة لم تستخدم معايير منضبطة في ممارسة سلطتها في التقسيم».

وقال: «استعرضنا المبدأ الذي أقرته محكمة البداية، بالأرقام التي طرحت أمامها ثم أمام محكمة الاستئناف من واقع المستندات الرسمية التي لا تنازع فيها دائرة الشئون القانونية، وكان من الثابت أن هذه الأرقام تكشف بوضوح منقطع النظير ويفقأ العين وضوحا، عدم التزام جهة الإدارة حتى بمفهومها للعدالة التقريبية التي تقر بأنها قيد على سلطتها، وتشاطرها محكمة البداية في ذلك، بما لا يحتمل أي تأويل ولا يلتمس معه أي عذر، حتى لو كان عذرا مستخلصا من المعايير التي ادعتها جهة الإدارة لتسوغ خروجها على مبدأ العدالة والمساواة التقريبية، فقد استعرضنا في لائحة الاستئناف أعداد الناخبين الخاصة بالمناطق والدوائر الانتخابية ونسب الفوارق فيما بينها، وفيما بينها وبين المتوسط المفترض والتي تكشف، بوضوح تام وبغير تستر، الخروج غير المبرر بل والجائر على مبدأي المساواة والعدالة التقريبية وفقا للنسبة التي حددتها جهة الإدارة والبالغة (20 في المئة) كفارق بين عدد كتل الناخبين، وإهدار هذا المرسوم الطعين للثقل الانتخابي لحق الطاعن في الانتخاب، وعدم قيام ذلك المرسوم على معايير منضبطة».

وبيّن الشملاوي «إن الأرقام التي تم عرضها بعد استقائها من خلال إجابات السلطة التنفيذية على أسئلة النواب كشفت عن أن المتوسط الحسابي لعدد الناخبين في كل الدائرة، والذي يحقق المساواة الحسابية المطلقة هو 7392 ناخبا، على أساس أن قسمة كتلة الناخبين في انتخابات الفصل التشريعي الثاني 2006 التي بلغت 295686 ناخبا على أربعين دائرة بعدد أعضاء مجلس النواب توصل إلى العدد المذكور أعلاه، والذي يمثل العدد الذي يحقق العدالة والمساواة المطلقة، وكشفت عن أن الكتلة الانتخابية الوحيدة على مستوى المناطق الانتخابية التي تمت مراعاة العدالة التقريبية فيها وفقا لمفهوم جهة الإدارة على مستوى المناطق الانتخابية، وهو الأصل، هي محافظة المحرق فقط، إذ تقرر تقسيمها إلى ثماني دوائر، في حين أنها وفقا لأعداد السكان، يجب أن تقسم إلى سبع دوائر، وزيادة دائرة واحدة لا يجاوز نسبة (20 في المئة) وهو الحد المقبول لدى جهة الإدارة نفسها وفقا لما عبرت عنه ممثلة المطعون ضده، كما كشفت الأرقام أن جميع المناطق الدوائر الانتخابية لم يكن عدد دوائرها داخلا ضمن الحدين الأدنى والأقصى لعدد دوائر كل منطقة انتخابية بحساب عدم تجاوز الفارق بين كتلة ناخبيها نسبة (20 في المئة) الذي تمسكت به جهة الإدارة، كما ذكرت ذلك دائرة الشئون القانونية، فأعداد الناخبين تشير إلى وجوب تقسيم المنطقة الجنوبية إلى دائرتين فقط، بينما المرسوم قسمها إلى ست دوائر، ومنحها بموجب ذلك الحق في إيصال ستة نواب للمجلس النيابي بزيادة عن الأصل تساوي (168 في المئة) أي ما يقارب ثلاثة أضعاف النسبة التي اعتبرتها دائرة الشئون القانونية بأنها النسبة المعتبرة لتحقيق العدالة التقريبية، والتي يفترض أن جهة الإدارة اعتمدتها وراعتها وهي تجري التقسيم، بشكل ترتب عليه استقطاع عدة دوائر من حق ناخبي المحافظة الشمالية التي تستحق أن يمثلها 12- 13 نائبا بموجب نسبة (20 في المئة) ليتقرر لها تسعة نواب فقط، وكذلك مع المنطقة الوسطى، إذ استقطعت عدة دوائر من حق ناخبيها كونها تستحق أن يمثلها 12 نائبا بموجب نسبة (20 في المئة) بينما كان ما منحت هو 9 نواب فقط».

وأردف الشملاوي في بيان تفاصيل فارق عدد الأصوات بين كل دائرة انتخابية «كما كشفت الأرقام أن نسبة الـ (20 في المئة) تمثل مفهوم المساواة والعدالة التقريبية، إذ تمسّكت دائرة الشئون القانونية بأن جهة الإدارة طبقت تلك المعايير عند تقسيم الدوائر، وهو ما يوجب أن يكون الحد الأدنى لعدد الناخبين في كل دائرة هو 5914 ناخبا، وألا يزيد عدد الناخبين في كل دائرة عن 8871 ناخبا، وذلك إذا احتسب العدد المحقق للعدالة المطلقة هو 7392 ناخبا، وكشفت عن أن الفارق بين عدد الناخبين المحقق للمساواة الحسابية المطلقة التي لم يطالب بها الطاعن والعدد الفعلي لناخبي كل دائرة لا يتوافق مع مفهوم دائرة الشئون القانونية لمعياري المساواة والعدالة التقريبية، والقائم على وجود فرق بنسبة (20 في المئة) والذي تمسكت بأن جهة الإدارة طبقته عند تقسيم الدوائر، فالأرقام التي استعرضناها، تفصيلا وبطريقة حسابية لا لبس فيها، تكشف أن 10 دوائر فقط من الدوائر الأربعين التي أجريت بموجبها انتخابات الفصل التشريعي الثاني 2006 كان فيها النقص أو الزيادة عن متوسط العدالة المطلقة لا يتجاوز (20 في المئة) ويفترض بموجب ذلك أنها محققة للعدالة التقريبية وفقا لمفهوم جهة الإدارة، وأن 30 دائرة لا تحقق العدالة التقريبية وفقا لهذا المفهوم كون أن الزيادة أو النقص فيها عن متوسط العدالة المطلقة قد تجاوز (20 في المئة)، بل تكشف أن الفارق كان في 15 دائرة يتراوح ما بين (21 في المئة) و (50 في المئة)، وأن عدم تحقق مبدأ العدالة التقريبية، وفقا لمفهوم جهة الإدارة الذي عبرت عنه دائرة الشئون القانونية، ظهر بصورة واضحة في 14 دائرة لتجاوز الفارق بين عدد ناخبيها والعدد المحدد للمساواة المطلقة سلبا أو إيجابا نسبة (51 في المئة) و (-51 في المئة)، وبلغت هذه المخالفة قدرا لا يمكن أن تخطئه عين تنظر بقلبٍ مبصر عندما وصل الفارق بين عدد ناخبي دائرة الطاعن والعدد المحقق للمساواة المطلقة إلى (109 في المئة) بالزيادة، وهي نسبة لا تعكس بالقطع العدالة التقريبية ولا الحسابية ولا أي مصطلح من مصطلحات العدالة بل هي الشطط والجور».

وتابع «كذلك كشفت الأرقام في مجال المقارنة بين عدد ناخبي دائرة موكلي وباقي الدوائر، وجود فرق كبير بين عدد ناخبي دائرة موكلي وعدد ناخبي 38 دائرة يتجاوز نسبة (20 في المئة) التي يفترض بأن جهة الإدارة اعتمدتها كنسبة مئوية مقبولة للفارق، تتحقق بموجبها المساواة التقريبية وفقا لمفهومها كما تمسكت بذلك دائرة الشئون القانونية، ووجود دائرة واحدة كان الفارق بين عدد ناخبيها وعدد ناخبي دائرة الطاعن لا يتجاوز (20 في المئة)، ووجود 7 دوائر كان الفرق فيها بين أعداد ناخبيها وناخبي دائرة الطاعن يتراوح ما بين (21 في المئة) - (50 في المئة) و (-21 في المئة) - (-50 في المئة)، ووجود 31 دائرة من أصل 40 دائرة كان هذا الفارق يتجاوز (-50 في المئة)، ووجود 6 دوائر كانت نسبة هذا الفرق تزيد عن (-300 في المئة) ووجود دائرتين وصل فيهما هذا الفرق إلى ما يفوق (-1000 في المئة)، ما يستحيل معه التعمية بأي معيار لتمريرها، أو التماس أي عذر لتبريرها، فهي شوهاء من كل جوانبها، تكشف عن توغل الإدارة».

ولم تخلُ مذكرة الشملاوي الطاعنة على مرسوم توزيع الدوائر الانتخابية عن لغة الأرقام والحسابات، فخاطب المحكمة قائلا: «كشفت الأرقام أيضا في مجال المقارنة بين عدد ناخبي دوائر المنطقة الانتخابية الواحدة عن أن النسبة التي تحقق العدالة التقريبية وفقا لمفهوم جهة الإدارة الذي عبرت عنه دائرة الشئون القانونية لم يُلتزم بها حتى في نطاق المنطقة الواحدة ذاتها، وذلك عند المقارنة بين عدد الناخبين في أكبر دائرة في المنطقة الانتخابية الواحدة وبين عدد ناخبي باقي دوائر المنطقة الانتخابية، فالأرقام بينت أن عدد الدوائر التي تشكل أكبر دائرة في كل منطقة انتخابية من حيث عدد الناخبين، وكان الفرق بين عدد ناخبيها وعدد ناخبي دوائر ذات المنطقة لا يتجاوز نسبة (20 في المئة) سلبا أو إيجابا، هي 3 دوائر فقط من أصل 40 دائرة، وأن الدوائر التي كان الفرق فيما بينها وبين أكبر دائرة في المنطقة الانتخابية محصور ما بين (-20 في المئة) و (-50 في المئة) هي 12 دائرة، وأن الدوائر التي كان الفرق فيما بينها وبين أكبر دائرة في المنطقة الانتخابية يجاوز (-51 في المئة) هي 20 دائرة أي نصف عدد الدوائر الأربعين، وأن الفارق بين ناخبي جميع دوائر المنطقة الانتخابية الجنوبية التي ادعت دائرة الشئون القانونية بتوافر بعض الاعتبارات، تجاوز حاجز الـ (20 في المئة) كفرق بينها وبين الدائرة الأولى من المنطقة الانتخابية ذاتها، والأمر ذاته عند المقارنة بين المتوسط الحسابي لعدد الناخبين الذي يحقق العدالة المطلقة في دوائر المنطقة انتخابية بالنظر لعدد كتلة الناخبين في المنطقة الانتخابية، وليس كتلة الناخبين الرئيسية، والذي يُفترض أن يكون هو الرقم الأساس لاحتساب النسبة المذكورة، فالأرقام التي استعرضناها في لائحة الاستئناف بيّنت أن عدد الدوائر التي كان الفرق بين الناخبين فيها والمتوسط الحسابي لناخبي المنطقة الانتخابية التي تقع ضمنها يتجاوز نسبة (20 في المئة) سلبا أو إيجابا هي 20 دائرة فقط من 40 دائرة أي نصف عدد الدوائر، وأن الفارق في 12 دائرة كان بحدود (21 في المئة) - (50 في المئة) و (-21 في المئة) - (-50 في المئة)، وتجاوز (51 في المئة) أو (-51 في المئة) في 7 دوائر، بحيث كان الفارق في دوائر بعض المناطق الانتخابية يصل إلى (311 في المئة) و (467 في المئة) و (486 في المئة)».

وبناء على ذلك الشرح المحاسبي الوافي، دافع الشملاوي عن أسباب طعنه ولجوئه لمحكمة التمييز، واصفا ما يجري من تقسيم للدوائر الانتخابية بأن حيفا شديدا، إذ أفاد «كان من البين أن نتائج المقارنات التي عرضناها كشفت عن أن حيفا شديدا وقع في هذا التقسيم ومثل ابتعادا جليا عن مبدأ المساواة التقريبية حتى بالمفهوم الكسيح الذي قدمته جهة الإدارة وأشارت إليه محكمة البداية، فلا يُعقل القول إن هذا المفهوم قد طُبّق رغم أن كل المقارنات كشفت أن عدد الدوائر التي روعيت فيها هذه النسبة، وفقا لأية زاوية من زوايا حساب الفارق، لم يكن يصل حتى لنصف عدد الدوائر الأربعين، بل إنها في الأغلب لم تكن تتجاوز عدد أصابع اليد، فهذا الحيف لا يجد له محلا من التفسير مطلقا، وكان قد ثبت بما لا جدل فيه أن قاضي دعوى الإلغاء المتصدي لمراقبة مشروعية المرسوم الطعين يجب عليه التحقق من عدم إهدار هذا المرسوم للثقل الانتخابي لصوت الطاعن وباقي الناخبين، باعتباره جانبا من جوانب مشروعية محله».

ولفت الشملاوي إلى «ما أكدته دائرة الشئون القانونية من أنها تبنت المساواة النسبية التقريبية كأصل للتقسيم، وذلك نظرا إلى أن المساواة المطلقة مستحيلة عملا، في حين تمسكنا بأن المنطق يُحتم أن تكون أفضل مساواة نسبية تقريبية تتبع لإجراء التقسيم بين الدوائر هي تلك التي تضمن تقليل الفارق بين عدد الناخبين في كل الدوائر لأدنى حد ممكن تنفيذه من دون أن يواجه عقبات فنية، بحيث تكون نسبة التجاوز المسموح بها سالبا أو إيجابا عن المتوسط الحسابي لعدد ناخبي كل دائرة القائم على المساواة المطلقة نسبة بسيطة؛ باعتبار أن المساواة الحسابية المطلقة هي التي يتوجب تطبيقها من حيث الأصل، كونها المصداق الحقيقي للمساواة والعدالة بين أصحاب المركز القانوني الواحد، ولكن لتعذر تنفيذها من الناحية الفنية فإنه صار من الواجب اللجوء للمساواة النسبية الأقرب لها وفقا لما تمليه العقبات الفنية من خروج على المساواة الحسابية المطلقة بحيث يمكن أن يصدق على مضمونها صفة المساواة، وهو الأمر الذي قررته جهة الإدارة عندما قررت بأن المساواة التي أخذ بها المرسوم الطعين في توزيع الدوائر الانتخابية هي مساواة نسبية تقريبية يسهل تطبيقها بحيث لا يكون هنالك تفاوت شديد».

وتمسّك المحامي عبدالله الشملاوي بدفوعه، موضحا أن «أوراق الدعوى تكشف عن أن المساواة النسبية التي طبقتها جهة الإدارة وبنت عليها التقسيم المطعون عليه قامت على تفاوت شديد بين عدد ناخبي الدائرة الأولى للمحافظة الشمالية التي ينتمي إليها موكلي الطاعن، وبين عدد ناخبي معظم الدوائر، وأن الفارق بين عدد ناخبي كل دائرة وأخرى كان بحدود تصل إلى أضعاف مضاعفة، وأن الفارق بين المتوسط الحسابي المفترض بموجب المساواة الحسابية وناخبي الدوائر بلغ نسبا كبيرة، وأن هذه الفوارق بين الدائرة الأولى من المنطقة الشمالية وبقية الدوائر، وبين الدوائر وبعضها بعضا، وبين عدد ناخبي الدوائر والمتوسط المفترض لا يمكن أن يكون مرده تعذر الوصول إلى تفاوت أقل بين عدد ناخبي كل دائرة بسبب عقبات فنية أو موضوعية، كون أن الدائرة الأولى للمحافظة الشمالية، التي ينتمي لها موكلي الطاعن تنتفي فيها كل المبررات التي يمكن أن تحول من دون تقسيمها لدائرتين أو إعادة توزيع مناطقها مع المناطق التي تشكل الدوائر المجاورة لها في المحافظة ذاتها بطريقة تتفق مع المساواة النسبية الحقيقية، وتكشف عن أن جهة الإدارة قامت بتقسيم الدوائر بشكل اعتباطي عشوائي تحكمي، وليس بروح موضوعية وعلى أسس ومعايير منضبطة، وأنها لم تضع نفسها في أفضل الأوضاع والظروف التي كان يمكن أن تضع نفسها فيها أثناء إجرائها التقسيم، والذي من المفترض أن يقوم على أساس الوصول إلى أقل نسبة فرق بين عددي ناخبي كل دائرة يمكن أن تشكل مساواة نسبية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع».

وأكد أن «أوراق الدعوى كشفت عن أن جهة الإدارة أقرت بأنها خرجت عن المساواة النسبية في أكثر من دائرة، بناء على ما قدرته هي من وجود اعتبارات أخرى ترى أولويتها على المساواة النسبية أو أنها مكملة لها بحسب زعمها، كوجوب مراعاة الفوارق الاجتماعية، ما حال من دون إلحاق مناطق الدائرتين الرابعة والخامسة بالدائرة الثالثة من المنطقة الانتخابية الجنوبية على الرغم من تفاوت عدد ناخبيها بشكل واسع عن الدائرة الأولى من المحافظة الشمالية التي ينتمي لها الطاعن وعن الكثير من الدوائر، وعدم تطابق عدد ناخبيها مع الحد الأقصى المحدد كأساس للمساواة النسبية والذي حددته جهة الإدارة بما لا يتجاوز نسبة (20 في المئة)، وتمسك الطاعن بأن هذه الاعتبارات لا وجود لها في التقسيم، وذلك لعلم الكافة بموجب العلم العام، بأنه لا توجد فوراق اجتماعية بين مناطق جو وعسكر والزلاق والرفاعين، وأن جهة الإدارة لم تكشف عن هذا الفوارق الاجتماعية المميزة لكل منطقة، التي سمحت لجهة الإدارة بالخروج عن الفارق الأقصى بين عدد الناخبين في الدوائر الذي حددته هي والبالغ (20 في المئة)، وفي وجود هذا التفاوت الواسع بين عدد ناخبيها وناخبي الدائرة الأولى من المحافظة الشمالية والدوائر الأخرى؛ ذلك أن هذه الفوارق ليست من المسلمات المتفق عليها، وليست هي الأصل في طبيعة مناطق البحرين الذي يعفى من إثباته من تمسك به، وإن عجز جهة الإدارة عن إثبات تحقق وجود الاعتبارات الاجتماعية التي ركنت إليها، يُثبت بأنها قامت بتقسيم الدوائر بشكل اعتباطي لا يستند لعناصر لها أصل مادي على أرض الواقع، كما حاولت دائرة الشئون القانونية أن تصور الأمر لعدالة المحكمة، وأن التقسيم المطعون عليه لا يستند لتقدير مبني على بحث جدي من قبل جهة الإدارة».

وزاد الشملاوي: «إن جهة الإدارة لم تلتزم بمراعاة التجانس الاجتماعي في بعض الدوائر على الرغم من جلاء تحققه، خلافاَ للدوائر التي زعمت بأن مخالفة مبدأ النسبية التقريبية كان نتيجة تطبيقها، فجهة الإدارة لم تتحرج من تشطير المنطقة الواحدة بين أكثر من دائرة، بإلحاق أحد مجمعات قرية المعامير وهو المجمع رقم 634، وأحد مجمعات قرية النويدرات وهو رقم 643 بمنقطة الحجيات التابعة لمدينة الرفاع والتي تتكون من المجمعات رقم 925، 927، 929، 931، 935، 939 وشكلت الدائرة الثامنة بموجب ذلك، بينما ألحقت بقية مجمعات قرية المعامير وقرية النويدرات بالدائرة الخامسة، على الرغم من أن المجمع 634 لا يفصله عن المجمع 633 إلا شارع، والعديد من عوائل قرية المعامير منقسمة بين المجمعين، ما أدى لوجود مرشح في الدائرة الثامنة ينتمي للعائلة ذاتها التي ينتمي لها مرشح في الدائرة الخامسة، وكذلك بتقسيم قرية سند بالمنطقة الوسطى التي قسمت بين الدائرة الأولى من المحافظة الوسطى التي ألحق بها مجمعا 733، 734 والدائرة الخامسة التي ألحق بها مجمع 745، وألحق بالدائرة الثامنة مجمعا 643، 646، فغدت مشتتة على ثلاث دوائر رغم أنها قرية واحدة، وكذلك بإلحاقها من دون أي تحرج بجزء من مدينة عيسى وهو المجمع السكني رقم 816 بخمس قرى في الدائرة الأولى من المحافظة الوسطى هي توبلي والكورة وجدعلي وجرداب والناصفة»، معتبرا أن «هذه الممارسة من جهة الإدارة حتما هي خلاف زعم المحافظة على التجانس الاجتماعي للمناطق، وتثبت أن التقسيم الذي أجرته جهة الإدارة هو تقسيم اعتباطي بعيد عن الروح الموضوعية في التطبيق».

وشرح الشملاوي أهداف قانون حق الانتخاب، قائلا: «إن القانون الذي ينظم حق الانتخاب هو قانون يبتغي أن يوفر كل الضمانات التي تكفل تمكين الناخبين من ممارسة حقهم في الانتخاب، وتوفير المشاركة الحقيقية لهم في تشكيل السلطة التشريعية المنتخبة، التي تكفل بجعل السلطة المنتخبة عاكسة لحقيقة اختياراتهم، وأن المشرع حين تبنى نظام تعدد الدوائر الانتخابية واستبعد نظام الدائرة الواحد كان يستهدف أو يفترض أن يستهدف من ذلك الاستيثاق من أن النواب المنتخبين بما يحملونه من توجهات وأفكار ورؤى سياسية واقتصادية واجتماعية، يمثلون إرادة الناخبين الحقيقية، وأن من انتخبوهم إنما انتخبوهم عن معرفة قريبة؛ نتيجة لانتمائهم السياسي أو تواصلهم من النطاق الجغرافي ذاته للناخب، وكذلك الاستيثاق من أن الانتخابات قد عكست حقيقة الثقل للتوجهات والأفكار والرؤى السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدى مجموع الناخبين، ولم تأتِ نتيجة معرفة سطحية أو ضبابية ناتجة عن عدم خبرة في الممارسة السياسية».

وأضاف «إن البيّن من تقسيم الدوائر الانتخابية على نطاقات جغرافية متعددة، يجب أن يستهدف ضمان جعل نتائج الانتخابات ممثلا حقيقيا لإرادة الناخبين من خلال التيسير على الناخب في ممارسة حقوقه السياسية، وأن ذلك لا يتأتى إلا من خلال إيجاد تقسيم منسجم من حيث النطاق الجغرافي، ومتوازن من حيث الثقل العددي لكتل الناخبين في كل دائرة، بحيث يسهل الانسجام الجغرافي على الناخب التعبير عن رأيه الانتخابي من خلال جعل اختياره منحصرا في مرشحين يمثلون توجهاته ويتواصلون مع النطاق الجغرافي نفسه، بحيث يمكن له الوقوف على مدى توافقهم مع رؤاه وأفكاره، وقدرتهم على تمثيله في المجلس النيابي بشكل قريب ومباشر، وبحيث يحفظ التوازن العددي بين الدوائر الناتجة عن التقسيم على قدرة الانتخابات على عكس الثقل الحقيقي لكل توجه لدى مجموع الناخبين».

واسترسل واصفا ما في تقسيم الدوائر الانتخابية «إن أوراق الدعوى تثبت انحراف جهة الإدارة عن هذا الهدف؛ وذلك كون أن الرجوع لمذكرات دائرة الشئون القانونية أمام المحكمة، يكشف أنها قررت بشكل واضح لا لبس فيه أن التقسيم، بوضعه الحالي، لم يأتِ فقط بهدف تقسيم الدوائر بطريقة تحقق مساواة مجردة لعدد الناخبين، وإنما كان يستهدف أيضا تأكيد سيادة المملكة في بعض المناطق، ولذلك منح جزر حوار دائرة مستقلة، وكذلك للمساحة الكبيرة التي تمثلها جزر حوار، والمساحات الشاسعة التي تتضمنها كل من الدائرتين الرابعة والخامسة من المنطقة الجنوبية، مفضلا تقديم هذه الغايات على المساواة النسبية أو التقريبية».

وعلّق الشملاوي على مبررات ومعايير دائرة الشئون القانونية في تقسيم الدوائر الانتخابية، بالقول: «كانت هذه الأهداف التي ظهرت من كشف جهة الإدارة لمعاييرها التي تبنتها لإجراء التقسيم المطعون عليه، في بعضها حيدة جلية عن تحقيق الهدف الخاص الواجب تحقيقه من إجراء التقسيم، كون أن حفظ سيادة المملكة وتأكيده هي غاية سامية، وإذا كان هنالك ما يهدد هذه السيادة وتمكنت جهة الإدارة من تقسيم الدوائر بطريقة تحفظ هذه السيادة مع تحقيق الغاية الواجب أصلا تحقيقها من التقسيم؛ فإن ذلك مما تستحق عنه الثناء، لكن أن يترتب على استهداف جهة الإدارة لتحقيق هذه الغاية السامية المتصلة بمعيار ليس له أية علاقة مباشرة أو غير مباشرة في تكوين مجلس نيابي يمثل حقيقة الكتلة الانتخابية خروج عن الهدف الأصلي الذي يجرى التقسيم بغرض تحقيقه، كما حصل من خلال خلق دائرة خاصة بجزر حوار أخلت بالمساواة النسبية بين عدد الناخبين في الدوائر بشكل فاضح حتى وفقا لما تبنتها جهة الإدارة، فإن ذلك حتما يُعدُّ انحرافا منها عن الغاية الواجب أن يستهدفها قرارها المتصل بتقسيم الدوائر، وخصوصا في ضوء أن الأدوات التي تملكها الدولة لحفظ وحماية سيادتها المهددة هي بعيدة تماما عن تقسيم الدوائر الانتخابية وممارسة الناخبين لحقهم في الانتخاب، والأمر ذاته يصدق على اعتماد المساحات الشاسعة من البراري القفراء الخالية من السكان معيارا لإفراد دائرتين هما الرابعة والخامسة من المنطقة الجنوبية، لظهور استحالة أن يكون موصولا لحقيقة هيئة الناخبين، وتضمنه مخالفة لما نص عليه الدستور من أن النائب يمثل الأمة وليس الأرض، ويؤكد انحراف جهة الإدارة عن استهداف تحقيق الغاية الخاصة الواجب تحقيقها من تقسيم البحرين لدوائر انتخابية».

وفي ذلك، انتهى الشملاوي إلى الدفع بأن «النعي على قرار ترسيم الدوائر الانتخابية ارتكن إلى ثبوت انحراف جهة الإدارة عن الهدف الخاص، لما يفترض في القرار أن يحقق الهدف ذاته الذي عناه المشرع من خلال تبني نظام تعدد الدوائر الانتخابية بدلا من الدائرة الانتخابية الواحدة، وبالنظر لطبيعة السلطة الممنوحة للسلطة التنفيذية في ذلك، ولما هو مستقر بأن استهداف جهة الإدارة لغير هذا القرار إنما يفضي لانحراف في استعمالها للسلطة الممنوحة لها لا يبرؤها منه لواذها بمقولة استهدافها لمصلحة عامة أخرى واعتصامها بما تحقق من هذه العصمة؛ لما في ذلك من إهدار للتوازن الذي تقوم عليه المنظومة القانونية في الدولة وإهدار للمصلحة العامة العليا التي تمكن كل سلطة من سلطات الدولة من النهوض بمنح من مناحي حاجات وغايات وأهداف الشعب مصدر السيادة، فإنه يكون من البين أن الحكم الطعين قد صدر مشوبا بعيب القصور في التسبيب، وأنه دخل في حياض البطلان».

واختتم الشملاوي مرافعته الدفاعية التي قدمها لمحكمة التمييز، طالبا فيها بإلغاء قانون ترسيم الدوائر الانتخابية، بالقول: «نتمسك بدفعنا المتمثل في أن رسم الدوائر الانتخابية هو حجر الزاوية في مباشرة الحقوق السياسية، وممارسة حق الانتخاب والترشيح، وهو بموجب ذلك مشمول بأحكام النصوص الدستورية، ويجب أن يجرى بموجب قانون وإلا كان التنظيم الصادر بغير ذلك مخالفا للدستور، ولاسيما مع عدم توافر شروط وأحكام التفويض التشريعي وفقا لعجز الفقرة (أ) من المادة (32) من الدستور، ولا محل للقول إن للمشرع سلطة في إيكال مهمة وضع اللوائح التنفيذية للسلطة التنفيذية، وإن المادة (17) تدخل في هذا الإطار، إذ إن للائحة التنفيذية مفهوما واضحا وغاية واضحة لا تتسق مع عدم وجود أحكام عامة تفصلها وذلك وفقا لما سبق بيانه، وتشكل اللائحة في هذه الحالة اعتداء من السلطة التنفيذية على مهمة التشريع الموكلة للسلطة التشريعية ويتأكد من جديد مخالفة المرسوم لنص المادة (32/أ) من الدستور بشأن مبدأ الفصل بين السلطات».

العدد 2507 - الجمعة 17 يوليو 2009م الموافق 24 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً