العدد 251 - الأربعاء 14 مايو 2003م الموافق 12 ربيع الاول 1424هـ

الدور الصهيوني في الحرب على العراق

خليل تقي comments [at] alwasatnews.com

عشية بدء الغزو الاميركي - البريطاني للأراضي العربية العراقية، في النصف الثاني من مارس/آذار الماضي، كان واضحا ان هناك رابطا بين هذا العدوان والكيان الصهيوني، فليس خافيا على أحد ان من بين الأهداف الأساسية لهذا السطو المسلح، التي تريد الولايات المتحدة تحقيقها من وراء غزو العراق العربي واحتلاله، انقاذ الكيان الصهيوني الغارق في أزماته جراء عجزه عن القضاء على المقاومة والانتفاضة المتواصلة والمتصاعدة التي تستنزفه على جميع المستويات المادية والاقتصادية، بصورة باتت تطرح مستقبل وجود هذا الكيان.

ولم يخف المسئولون الاميركيون الصلة بين السطو المسلح على العراق، والسعي الى حماية «اسرائيل» عبر تمكين رئيس الوزراء ارييل شارون من الاستفراد بالانتفاضة على أمل ان يؤدي الاحتلال الاميركي السريع للعراق، الى ايجاد حال من الاحباط واليأس في المنطقة توفر المناخ لفرض الحل (الشاروني) الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتسييد «اسرائيل» على المنطقة بعد ان تفرغ واشنطن لحصار العراق ودول المنطقة.

لهذا فإن وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر عمد الى اطلاق مقولته الشهيرة (ان الطريق الى القدس يمر ببغداد).

وكلام كيسنجر أوضحه وزير الخارجية الاميركي الجنرال المتقاعد كولن باول الذي أعلن ان الهدف من احتلال العراق ليس نزع أسلحة الدمار الشامل المزعومة، بل «إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط»، وقال «ان الحرب لها ثلاثة أهداف هي اسقاط النظام العراقي وإعادة رسم خريطة - الشرق الاوسط - واغلاق ملف القضية الفلسطينية».

ومثل هذه التصريحات الواضحة الدلالة للجنرال باول لم تأت من فراغ، بل هي تعبر عن حقيقة الخطة الاميركية للسطو على العراق، التي جرى رسمها في دوائر «البنتاغون» الأكثر قربا وصلة بـ «اسرائيل»، ويعبر عنها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفويتز ومسئول مجلس سياسات الدفاع المستقيل ريتشارد بيرل ونائب الرئيس ديك تشيني... الخ.

وفي هذا الاطار يقول الكاتب البريطاني المعروف باتريك سيل: «ان الرئيس الاميركي جورج بوش ابتلع حزمة الاكاذيب التي عرضت عليه في اطار ملف الحرب، وهي الاكاذيب التي صاغتها عصبة الصهاينة المتطرفين القابعين في قلب مركز القرار الاميركي، والذين في سعيهم الى تدمير أعداء «اسرائيل» غلفوا خططهم الحربية بثرثرة وطنية عن مهمة اميركا العالمية، وزعيم هذه العصبة ومفكرها هو بيرل ووولفويتز اللذان يسعيان من دون كلل منذ أكثر من خمس سنوات الى اعلان الحرب على العراق، حتى نجحا ومجموعتهما من الغلاة المحيطين بالرئيس بوش في تمرير تلك الرؤية المسمومة التي تمثل أملا عزيزا على قلب شارون».

وفي الأيام الأولى لقيام القوات الاميركية - البريطانية بالسطو على العراق، ازداد الحديث الاسرائيلي عن أهمية ضرب العراق بالنسبة إلى «اسرائيل» على صعيدين، صعيد استغلال ذلك من أجل ارتكاب المزيد من المجازر بحق الشعب العربي الفلسطيني والسعي في لحظة من اللحظات الى قضم المزيد من الاراضي الفلسطينية المحتلة عبر تنفيذ عملية «ترانسفير» واسعة في الضفة الغربية ليسهل على شارون مشروع «اسرائيل الكبرى» والقضاء على امكان إقامة دولة فلسطينية.

والصعيد الثاني الاستفادة من الحرب للحصول على مساعدات اقتصادية ومالية من الولايات المتحدة لمواجهة الازمة الاقتصادية الخانقة التي يشهدها الكيان الصهيوني، إذ كشف بنيامين نتنياهو إثر تسلمه منصبه الجديد في الحكومة الشارونية الوليدة بعد الانتخابات المبكرة «ان الخزينة الاسرائيلية خاوية».

أسئلة ما بعد السطو المسلح

والأسئلة التي تطرح بعد هذه الحرب العدوانية، كيف تبدى الوجه الصهيوني لهذه الحرب العدوانية، وما الأدلة على وجود تنسيق اسرائيلي - اميركي على جميع المستويات في هذه الحرب؟

ان المتتبع لمجرى العدوان الغاشم على العراق العربي والتطورات العسكرية والسياسية التي تواكب هذا العدوان المتواصل، يلحظ بوضوح ان هذه الحرب بقدر ما هي اميركية هي ايضا حرب صهيونية بامتياز.

أولا: على الصعيد العسكري: برزت جملة من المؤشرات ذات دلالة واضحة على مدى التنسيق الاميركي - الاسرائيلي في الحرب على مستوى الخطط وتبادل الخبرات العسكرية، وحتى الأسلحة والذخائر.

1- على مستوى تبادل الخبرات: في الايام الاولى لبدء العدوان قام وفد عسكري يضم كبار الضباط في الجيش الاميركي بزيارة مدينة جنين برفقة ضباط اسرائيليين، إذ جرى الاطلاع عن كثب على (التكتيكات) الاسرائيلية التي اعتمدها الجيش الاسرائيلي خلال قيامه بعملية اقتحام مخيم جنين في العام الماضي للاستفادة منها وتطبيقها في عملية اقتحام المدن العراقية، إذ ذكرت مصادر أمنية فلسطينية، ان هذه التكتيكات العسكرية تعتمد في الاساس على فتح ممرات واسعة داخل المناطق المكتظة بالسكان باستخدام الجرافات العملاقة والمعروفة باسم (D - 9) تحت غطاء من المروحيات المقاتلة تمهيدا لدخول وحدات المشاة الاميركية - البريطانية الى المدن العراقية.

2- على رغم الحذر الاميركي الدائم من ظهور أي دور اسرائيلي في الحرب على العراق، لما له من حساسية على الصعيد العربي يحرج بعض الأنظمة العربية في المنطقة ويجبرها على اتخاذ موقف من العدوان، فإن الوقائع الميدانية أظهرت المشاركة الاسرائيلية في الحملة العسكرية.

في هذا الاطار ذكرت «لوس انجليس تايمز» ان «اسرائيل» اصبحت اقرب كثيرا إلى ان تصبح طرفا في الحرب مما يتحدث عنه الاعلام الغربي، انطلاقا من العملية السلمية التي يفترض ان تنطلق بعد انتهاء هذه الحرب، الى الحماية الاميركية لـ «اسرائيل» من صواريخ «سكاد» العراقية المفترضة، مرورا بتزويدها بتكنولوجيا متطورة متعلقة بساحات المعارك.

وأشارت الى ان «اسرائيل» تمكنت من بيع مجموعة من الأجهزة للولايات المتحدة وقد استخدمت في العراق، او يمكن استخدامها هناك لاحقا، كذلك زودت الجيش الاميركي بأفخاخ تكنولوجية شديدة التطور، مثل تلك التي عثر عليها في الايام الاولى لبدء السطو المسلح على العراق، إضافة الى صواريخ ارض - جو دقيقة الصواب تحملها قاذفات (P 25)، وأنظمة تهديف ذات تكنولوجيا عالية، وأجهزة كمبيوتر ودروع لعربات القتال من طراز «برادلي» المستعملة حاليا في العراق.

كشف عن وجود الأسلحة الاسرائيلية تلك سقوط طائرة تجسس من دون طيار في بغداد، كان الهدف من ارسالها التشويش على الرادارات العراقية، إذ اكتشفت ضمن حطامها قطعة تشير الى انها مصنعة في «اسرائيل» وأعلن وزير الخارجية العراقي ناجي صبري في حينه «وجدنا صاروخا اسرائيليا كان قد سقط في جنوب بغداد، ولكنه لم ينفجر».

وعلى رغم ان مثل هذه الأسلحة لا تشكل بالنسبة إلى الولايات المتحدة أهمية كبيرة، كما يقول خبراء الأسلحة الاسرائيلية، فإنها تؤكد مدى الصلة الاسرائيلية في هذه الحرب.

ثانيا: على الصعيد السياسي: شكل انعقاد اجتماع لجنة الشئون العامة الاميركية - الاسرائيلية (ايباك) في نهاية شهر مارس الماضي، محطة كشفت الاهداف الصهيونية من هذه الحرب، إذ وضعت اللجنة عنوانا بارزا في موقعها على الانترنت جاء فيه «استخدام قوات الحلفاء لأسلحة اسرائيلية ضد العراق»، وأرفقت بالعنوان صورة فوتوغرافية لطائرة صغيرة جاء في التعليق المنشور تحتها: (طائرة الاستطلاع من دون طيار اسرائيلية الصنع من نوع «هنتر» يستخدمها الجنود الاميركيون في العراق).

وخلال اجتماع اللجنة قال وزير الخارجية الاسرائيلي سليفان شالوم موجها كلامه الى باول «لقد تابعنا بقدر كبير من الاعجاب مسعاك لحشد الدعم الدولي لنزع اسلحة العراق ولجلب الديمقراطية والسلم إلى المنطقة، وإلى بقية انحاء العالم، ويمكنك ان تتخيل يا سيادة الوزير مدى سهولة الأمر لو كانت «اسرائيل» عضوا في مجلس الأمن!!».

ثالثا: الاستغلال الصهيوني للحرب: في مقابل ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية لم تضع وقتها في العمل من أجل استغلال توجه كل أنظار العالم نحو الغزو الاميركي - البريطاني للعراق من اجل محاولة تنفيذ مخططها للنيل من مقاومة الشعب الفلسطيني عبر زيادة منسوب أعمال القتل والتدمير التي تقوم بها في فلسطين المحتلة بهدف فرض وقائع جديدة تحقيقا لأهداف شارون في بناء خرافة «اسرائيل الكبرى» عبر قضم المزيد من اراضي الضفة الغربية المحتلة.

وفي هذا السياق عمدت سلطات الاحتلال الى العمل على بناء جدار فاصل ثان شرق الضفة الغربية يفصل بين الضفة الغربية وغور الاردن، وكان شارون اعلن في منتصف مارس الماضي انه سيتم بناء جدار شرقي يحيط بالضفة الغربية من جهة الشرق بطول (300 كيلومتر) يفصل الضفة عن منطقة الاغوار التي يسكن فيها نحو (6000 مستوطن) بحيث يتم مستقبلا ضم هذه المنطقة الى الكيان الصهيوني، فيما ذكرت وسائل الاعلام الاسرائيلية ان المؤسسة العسكرية تعتزم حرف مسار جدار الفصل شرقا من أجل ضم مستوطنات «كدوميم» و«عما نوئيل» و«آرائيل» ومحيطها.

وترافقت هذه الخطة الصهيونية مع تصعيد ملحوظ في حرب الإبادة ضد الشعب العربي الفلسطيني، التي كان من ابرزها اقدام قوات الاحتلال على اجتياح مدينة طولكرم وتنفيذ اكبر حملة اعتقالات شملت اكثر من ألف مواطن فلسطيني، وتحويل المدينة الى معسكر كبير، وتدمير الكثير من المنازل في الكثير من المناطق وارتكاب مجزرة بشعة في رفح، إذ ووجهت قوات الاحتلال بمقاومة شديدة أدت الى تفجير دبابة وإصابة طاقمها، فيما عمدت سلطات الاحتلال الى الاستيلاء على عدد من المنازل الفلسطينية في القدس في اطار خطتها لاستكمال تهويد المدينة المقدسة.

ويبدو ان هذه الاعمال الوحشية والتعسفية ستتواصل في ظلال العدوان والسطو المسلح على العراق، إذ الاساليب الاميركية تحاكي الاساليب الصهيونية من خلال المجازر التي ارتكبتها قوات الغزو الاميركي - البريطاني في المدن العراقية والتي ذهب ضحيتها النساء والشيوخ والاطفال.

أما على الصعيد الاقتصادي فقد قطفت حكومة الجنرال شارون، التي تواجه تحدي ازمة اقتصادية، ثمار الحرب، اذ لم تكد تبدأ الحرب حتى اعلنت الإدارة الاميركية منح الكيان الصهيوني (هبة) مقدارها مليار دولار اميركي، وضمانات قروض بقيمة تسعة مليارات دولار، إذ تسهم هذه المبالغ في حل مشكلتين: العجز في الموازنة الامنية، وعدم القدرة على تعبئة رأس مال في اسواق العالم.

رابعا: القلق من احتمال إطالة أمد الحرب: على ان احتمال اطالة امد الحرب وتحويلها الى حرب استنزاف أثار مخاوف وقلق المسئولين الصهاينة لما لذلك من انعكاسات ايجابية على تعزيز روح المقاومة والانتفاضة واستنهاض الشارع العربي.

وفي هذا الاطار يمكن تفسير القلق الاسرائيلي الذي عبرت عنه صحيفة «معاريف» الصهيونية من احتمالات عدم تمكن الولايات المتحدة الاميركية من حسم الحرب، فقالت «السبيل الوحيد لفرض الاستسلام على العراق بسرعة يتطلب استخدام السلاح النووي».

ومن خلال قراءة انعكاسات وتطورات الحرب في العراق على الداخل الاسرائيلي برزت المؤشرات الآتية:

أ- شعور اسرائيلي بالخيبة من تعقد مهمة القوات الاميركية - البريطانية، إذ ابدى 62 في المئة من الاسرائيليين مخاوف من تورط في حرب طويلة الأمد وما يمكن ان يتركه ذلك من حال طوارئ قصوى ومستمرة في الكيان الصهيوني.

ب- التحسب من احتمال عدم قدرة التحالف الاميركي - البريطاني على تحقيق الانتصار الناجز وتكريسه على ارض الواقع، ومدى انعكاسات ذلك على الانتفاضة وتعزيز المناخ الشعبي في العالم العربي.

وهكذا يبدو واضحا ان فصول السطو المسلح الاميركي - البريطاني للعراق تظهر بصورة لا لبس فيها الوجه الصهيوني الفاضح لهذا الغزو، ومدى العلاقة بين ما يجري في العراق وما يحدث للفلسطينيين، واستطرادا فإن لنتائج الغزو في الحالتين، فشل الغزو او نجاحه، انعكاسات مباشرة على الوضع في فلسطين العربية المحتلة، سلبا او ايجابا ايضا

العدد 251 - الأربعاء 14 مايو 2003م الموافق 12 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً