العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ

مرحبا بالمفكّر ومرحبا بالرئيس خاتمي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

يصل الرئيس الإيراني السيد محمد خاتمي اليوم الى البحرين في زيارة مماثلة للزيارة التاريخية التي قام بها جلالة الملك في صيف العام الماضي. لقد فتحت زيارة الملك العام الماضي الطريق أمام تعزيز الحركة التجارية والسياحية بين البلدين وتطورت المحادثات حديثا بعقد اتفاق أمني لمكافحة مهربي المخدرات الذين ينشطون في افغانستان وإيران بشكل مركز نظرا إلى توافر المواد المخدرة في المنطقة الوعرة بين ذينك البلدين.

على ان الاتفاقات التجارية بين إيران والبحرين لم تنشط بالدرجة التي كان يتوقعها الكثير، وذلك لأن التاجر الإيراني يقارن بما يحصل عليه من معاملة وتسهيلات في دبي، وبالتالي يجد فرقا شاسعا مع ما يتوافر له في البحرين. وإذا أخذنا في الاعتبار ان السوق الكبرى المحيطة بنا هي سوق إيران وقريبا سوق العراق، فإن النمو الاقتصادي لبلدنا سيعتمد على مدى قدرتنا على تطوير العلاقات التجارية لخدمة الحركة الاقتصادية في المنطقة.

لقد عانت العلاقات الإيرانية - البحرينية كثيرا منذ انتصار الثورة الإسلامية في العام 1979، وتأثيرات تلك الفترة مازالت تلقي بظلالها الثقيلة علينا على رغم مرور فترة غير قصيرة عليها. وعلاقات إيران بالبحرين ممتدة على مر السنين. فإيران كانت أيام الدولة الساسانية وقبيل الثورة الإسلامية ممتدة الى أعماق البلاد العربية. وبعد الفتح الإسلامي أصبحت إيران جزءا من الأمة الإسلامية وكان عطاؤها كبيرا واستمرت كذلك كجزء لا يتجزأ من الناحية السياسية والإدارية طوال فترة الدولة الأموية والدولة العباسية وبعد سقوط الدولة العباسية.

وكان قيام الحكم الصفوي العام 1501 بداية عهد جديد لإيران من الناحية الإدارية والسياسية، وكانت هذه هي الفترة التي نشطت فيها الدولة العثمانية. الحكم الصفوي اعتمد المذهب الجعفري مذهبا رسميا للدولة ومنذ ذلك الحين استمر الإيرانيون في اعتمادهم المذهب الجعفري أساسا في الحكم. أما البحرين فقد كانت تاريخيا مرتبطة بالإحساء والقطيف فيما كان يسمي «إقليم البحرين» الممتد من عمان الى البصرة، ولكن ذلك العهد انتهى في العام 1521م عندما غزا البرتغاليون البحرين وفصلوها عن محيطها في شرق الجزيرة العربية. واستمرت السيطرة البرتغالية حتى العام 1602م عندما انتفض اهل البحرين ضد الاحتلال البرتغالي. وبعد ذلك مباشرة عادت الاتصالات بين الحكم في البحرين وإيران على أساس طلب الحماية. فبعد ان اختفت علاقة البحرين وإيران على مستوى السياسة والحكم منذ دخول البحرين وإيران الإسلام في مطلع القرن السابع، عادت مرة أخرى في مطلع القرن السابع عشر، أي بعد مرور ألف عام.

وهكذا استمر النفوذ الإيراني بصفته الحامي للنظام الذي نشأ بعد رحيل البرتغاليين حتى تسلم عائلة آل خليفة الحكم في العام 1783. وقد شهدت الفترة الممتدة ما بين 1602 و1783 فترات متقطعة من انفصال البحرين عن إيران عدة مرات، مرة على يد الشيخ الجبري في القرن السابع عشر، (والجبري من عائلة آل جبر الذين حكموا البحرين لاقل من مئة عام قبل احتلال البرتغاليين، وآل جبر أولاد عم آل عصفور الذين حكموا البلاد قبل آل جبر لمدة تزيد على المئتين عام)، ومرة على يد الشيخ جبارة الهولي في مطلع القرن الثامن عشر، ومرة على يد الحكام المحليين من آل ماجد وغيرهم. وانتهت هذه الفترة المتقطعة في الحكم العام 1783، لتعود مرة أخرى على هيئة مطالبات إيرانية في النصف الثاني من القرن العشرين. وتلك المطالبات تم حسمها في مايو/أيار 1970 في مجلس الأمن عندما أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة ونيسباري جيو تشاردي نتائج استطلاعه رأي أهل البحرين الذين يرغبون في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة تامة.

انتهت الأزمة بين ايران والبحرين بصورة فعلية منذ مطلع السبعينات، إلا أن الظروف السياسية بعد انتصار الثورة الإسلامية شجعت البعض لاستغلال بعض تلك الأمور لقمع الحركة المطلبية في البحرين، واستمر استغلال تلك الأمور حتى فترة قريبة، عندما أعلنت البحرين بدأ عصر جديد من الانفتاح السياسي.

وتبدأ مرحلة جديدة بزيارة جلالة الملك العام الماضي ووصول الرئيس الإيراني محمد خاتمي اليوم الى البحرين. ولكن خاتمي ليس رئيسا فقط، إنه مفكر إسلامي رفيع المستوى له إدارته الفكرية والسياسية التي نالت إعجاب القاصي والداني، بل ان أكثر الناس يتعاملون معه بصفته مفكرا أكثر من تعاملهم معه بصفته رئيسا. وهذا أعطى خاتمي زخما أكبر من الزخم السياسي الاعتيادي الذي يحصل عليه رؤساء الدول. فأينما حل وتحدث كانت له آذان صاغية تنظر الى أعماق التاريخ لتستخرج أفكارا تنويرية تساعد المسلمين على مواجهة تحديات المستقبل.

خاتمي له الفضل في طرح فكرة «المدينة المنورة» انموذجا لـ «المجتمع المدني الإسلامي»، تماما كما طرح مفكرو الغرب «اثينا» و«البندقية» نماذج للديمقراطية والحركة التنويرية. وكما طور مفكرو الغرب تلك النماذج الى انموذج الحكم السائد لديهم (الديمقراطية التمثيلية) فإن خاتمي أطلق على انموذجه عبارات جديدة أمام قادة الدول الإسلامية قبل عدة سنوات. ومازالت عباراته يتداولها الباحثون والمفكرون وقليلا، السياسيون أيضا. ففكرة خاتمي إسلامية وتقدمية في آن واحد. وعودته الى مفهوم «المدينة المنورة»، وإشاراته الى كيف كانت المدينة التي جمعت المسلمين وغير المسلمين ضمن إطار دستوري في «صحيفة المدينة» التي كتبها الرسول (ص) مع أهل المدينة كلها. أفكار نوعية يتداولها المفكرون المسلمون الذين يصرون على ان الإسلام دين متحرك صالح لكل زمان ومكان، ولكن مع إعادة فهم الظروف الزمانية والمكانية لكي يكون التطبيق صالحا وانموذجا يحتذى...

البحرين تستقبل المفكر خاتمي قبل استقبالها الرئيس خاتمي، وتزداد أهمية استقبال خاتمي في الفترة الحرجة التي نمر بها والتي لا يمكن التعامل معها إلا بفتح الآفاق مع الالتزام بالجذور الإسلامية. فمرحبا بالمفكر ومرحبا بالرئيس خاتمي

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً