العدد 2520 - الخميس 30 يوليو 2009م الموافق 07 شعبان 1430هـ

إخوان اليمن... برغماتية السياسة وراديكالية الأفكار(1)

المتأمل لمسيرة حزب التجمع اليمني للإصلاح ممثلا للحركة الإسلامية الإخوانية في اليمن سيلاحظ مدى التغيرات الكبيرة والهائلة في خريطة الأفكار السياسية والثقافية للحزب وخصوصا خلال العشر السنوات الأخيرة من عمر الحزب السياسي، مقابل التكلس والجمود الفقهي والفكري الذي طرأ على الخطاب الديني لهذه الحركة بفعل الخلفية السلفية لمجموعة من شيوخ ودعاة محسوبين على هذا الحزب الأكبر ليس على الساحة اليمنية بل في شبة الجزيرة العربية كلها.

19 عاما هي العمر الحقيقي لحزب التجمع اليمني للإصلاح وهي تقريبا عمر الوحدة اليمنية التي أعلنت في 22 مايو/ أيار 1990، إلا أن العمر الحقيقي للحركة الإسلامية اليمنية هو أكثر بكثير من أربعة عقود من العمل التنظيمي والدعوي والحركي الذي بدأت بواكيره الأولى في أربعينيات القرن الماضي.


ما الذي تحقق؟

عمر مديد وكبير لا شك ولكن يبقى السؤال الكبير والمهم هو ما الذي حققه هذا الحزب بل «ما الذي حققته هذه الحركة» طوال كل هذه الفترة الزمنية بل وبصيغة أخرى ماذا حقق الحزب من أجندته السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية والتربوية في الواقع اليمني الذي نذر نفسه من أجله رافعا شعار التغيير والإصلاح ما استطاع إلى ذلك سبيلا؟.

لا شك سيرد بعض المعجبين بهذه الحركة أو من يتابع مسيرتها وحزبها تجمع الإصلاح منذ البداية وحتى اليوم بالكثير من الحقائق التي قد تتحول هي الأخرى إلى أسئلة تبحث لها عن إجابات، فقد يقول قائل إن الحركة الإسلامية اليمنية الإخوانية قد ساهمت بشكل كبير وفاعل في تذويب وإخماد أوجه الصراع المذهبي والمناطقي في اليمن بين زيدية وشافعية، وقد يقول آخر إن الحركة الإسلامية قد صححت الكثير من المفاهيم العقدية التي سعى التدين الشعبي الطقوسي إلى بلورتها في حياة الناس البسطاء كدين من الدين.

ولكن قبل هذا كله هل كان بإمكان هذه الحركة أن تحقق كل ما حققته لولا وجود محاضنها الفكرية والتربوية والتنظيمية الممثلة بالمعاهد العلمية المدعومة من قبل الدولة حينها؟ وأي شكل كان سيكون لخريطة الانتشار الجغرافي للمؤيدين والإنصار لولا ها؟ ولماذا كل هذه الروح الاتكالية المتمثلة في حال العالة الفكرية على مدارس وتيارات إسلامية كانت في يوم من الأيام عالة على المدرسة التجديدية اليمنية إلى وقت قريب. إذن لولا المعاهد العلمية لما كان للفكر الإصلاحي كل هذا القبول والانتشار، على العكس لما هو عليه الحال بالنسبة للحركة الإسلامية الإخوانية في مصر التي تحارب من قبل النظام وتطارد ويصادر كل ما يتعلق بها لكنها مازالت قوية وصلبة متحدية كل أصناف المصادرة والاستبداد.


رأسماليون بثوب إسلامي

بالنسبة للمنظومة الاقتصادية للحركة الإصلاحية اليمنية، فليس هناك وجه للمقارنة بين ما حققته حركة إسلامية كإخوان الأردن مثلا هذا البلاد الضعيف اقتصاديا وإخوان اليمن، على رغم إمكاناتهم الكبيرة، ففي الحالة الإردنية مثلا، نجد أن نقابة صغيرة لمهندسي الإنشاءات المدنية تمتلك محفظة استثمارية لأعضائها تابعة لهذه النقابة تقدر بأكثر من 400 مليون دولار بينما لو جمعنا كل إمكانات الحركة المالية في اليمن ربما قد لا تساوي ربع هذا المبلغ.

فاقتصاديا باستثناء تشجيع بعض رؤس الأموال الوطنية ودفع بعض كوادر الحزب البرجوازيين إلى تبني فكرة البنوك الإسلامية التي على رغم أهميتها لاتزال تفتقر إلى الكثير من الأفكار الاقتصادية الحيوية والعملية للمساهمة في تحجيم رقعة الفقر والبطالة المستشرية في البلد وتشغيل الأيادي العاطلة، فإن الحركة لم تقدم شيئا ذا قيمة وأثر باستنثاء بعض الاستثمارات النوعية في مجالي التعليم والطبابة والتي كان أرباء بإصلاح الحزب الإبتعاد عنهما، لكونهما في مجتمعنا اليمني بالذات غدت هذه الظاهرة سنة سيئة يتحمل الإصلاحيون مسئولية تشجيعها. ففضلا عن ما بات يقدمه هذا النوع من الاستثمار من خدمة كبيرة للدولة من ناحية إعفائها من مسئوليتها الدستورية والأخلاقية ففي هذا الجانب في الوقت الذي يمثل الاحتكار الكبير لأسعار هاتين الخدمتين الضروريتين تحديا كبيرا أمام شريحة كبيرة من مواطني هذا البلد الفقير هو في حاجة ماسة إلى طبابة وتعليم مجاني.

إذ لا يعد الاستثمار بهذه الصيغة الرأسمالية الجشعة إلا نوعا من الإتجار الانتهازي بأهم شيئين وأخطرهما معا بالنسبة إلى مجتمع فقير لا يكاد يكدح من أجل توفير لقمة عيشة كريمه، لتأتي أنت من يفترض بك أن تسعى نحو جعل مجانية التعليم والطبابة هدفا رئيسيا تعمل من أجله في سبيل تحقيق المواطنية المتساوية والعدالة الاجتماعية التي ما فتأ منظرو الحركة الكبار ينادون بتحقيقها في حياة الناس ومعاشهم.

صحيح أن هناك الكثير من الإنجازات التي حققتها الحركة الإسلامية الإصلاحية فكريا وثقافيا واجتماعيا وتربويا إلا أنها لا تتناسب تماما مع حجمها وعمرها وإمكاناتها وبيئتها المحافظة أصلا مقارنة بإنجازات حركات أقل منها إمكانات وأقل منها عمرا، وأقل منها عددا وعدة وأكثر منها ابتلاء ومحن ولكنها حققت الكثير من الإنجازات الدعوية والحركية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية أيضا.


السياسة بين المراهقة والرشد!

على الرغم من أن الحركة الإسلامية اليمنية دخلت مبكرا ساحة العمل السياسي على عكس غيرها من الحركات الإسلامية الأخرى، ما يحسب لها هذا الوعي السياسي المبكر على رغم الأخطاء التي وقعت بها الحركة في أول عمل سياسي لها متمثلا بالثورة الدستورية العام 1948 التي فشلت سريعا نتيجة تلك الأخطاء. إلا أن الحركة الإسلامية اليمنية تميزت خلال عقود ما بعد الثورة بنوع من السياسة القريبة إلى مربع البرجماتية منها إلى مربع الراديكالية الإسلامية المعهودة مع هكذا حركات في مرحلة التأسيس إذ يغلب عليها الطابع العقائدي في تعاملها مع محيطها السياسي.

لكن ما حصل هو العكس تماما فقد تماشت الحركة مع اتجاه الحركة العامة للمجتمع نفسها، متحاشية التصادم مع الواقع الاجتماعي القبلي الذي يعد بلا شك عدم العمل على تغييره أحد أهم الأسباب الرئيسية للتخلف السياسي والمدني الجاثم على صدر المجتمع اليمني حتى اليوم وهو السبب ذاته الذي جعل من الحركة الإسلامية تبدو لناظر إليها وكأنها في انسجام تمام مع هذا المحيط الاجتماعي المتخلف.

العدد 2520 - الخميس 30 يوليو 2009م الموافق 07 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً