العدد 2525 - الثلثاء 04 أغسطس 2009م الموافق 12 شعبان 1430هـ

قراءة سياسية في «فنجان» جنبلاط

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

رقصة «التويست» التي افتعلها وليد جنبلاط في الأسبوع الماضي معلنا في ضوء انفعالاتها الصاخبة انسحابه المدوي من تحالف قوى 14 آذار تفترض ضمنا أن صحابها أقدم عليها بناء على قراءات سياسية ومراجعات نقدية وحسابات مصلحية ورؤية تعكس حالات من القلق والتوتر والخوف. الرقصة التي اختار جنبلاط توقيتها الحزبي (مؤتمر التقدمي الاشتراكي) والسياسي (مفاوضات لتشكيل حكومة) كانت متوقعة منذ حين بسبب تلك «العنعنات» التي صدرت عن «البيك» وأشارت إلى حنين العودة إلى «العروبة وفلسطين والاشتراكية واليسارية».

في أي سياق يمكن إدراج كلام جنبلاط وتصرفاته. فهل هناك إعادة قراءة للمواقف السياسية بناء على مراجعة نقدية تعيد تشكيل رؤية عامة لكل الملفات أم هي خطوة انفعالية ناتجة عن حسابات فردية (زعامة) أو مخاوف طائفة (أقلية) أو قلق من تشكيلات وزارية يكون فيها الطرف الأضعف في المعادلة؟

من الصعب تحديد موقف واضح وخصوصا أن جنبلاط تعود ممارسة سياسة القفز أحيانا أو الذهاب بعيدا في تصوراته من دون كوابح أحيانا أخرى. والقفز في السياسة ليست سياسة كذلك التطرف في رؤية التحولات لا يساعد على ترسيم خريطة للمسارات. وبسبب الغموض في مواقف جنبلاط يمكن الارتكاز على قاعدة ثابتة وهي عدم التعويل كثيرا على مستجدات كلامه وتصرفاته.

الكلام المبهم لا يمكن التأسيس عليه. هل فعلا هناك عودة إلى الماضي الحزبي (العروبة وفلسطين والاشتراكية واليسار) أم عودة إلى الحاضر (الطائفة والزعامة والحقائب الوزارية) أم اندفاعة نحو المستقبل (تحالفات إقليمية، محاور دولية، متغيرات في خريطة الشرق الأوسط) أم أن مواقف جنبلاط هي نتاج اختلاط كل تلك الأمزجة في وعاء واحد؟

تفكيك خطاب جنبلاط يحتاج إلى«قراءة في فنجان» حتى تستخلص عناصره ويعاد هندستها في بناء هرمي يتسلسل من القمة إلى القاعدة. وبما أن القراءة هي أقرب إلى التكهنات التي قد تصيب وقد لا تصيب يمكن الافتراض أن ايديولوجيا «العروبة وفلسطين واليسار والاشتراكية والحنين إلى التراث الحزبي» مجرد غطاء للمواربة والتستر على الدوافع الحقيقية.

إسقاط الايديولوجيا مسألة ضرورية لأنها تساعد على كشف الغطاء عن الوقائع التي أسست عناصر رقصة التويست. هل الأسباب دولية أدّت إلى صدور قناعات تتخوف من تقارب أميركي مع المحور السوري - الإيراني؟ هل الأسباب إقليمية انتهت إلى قراءة تؤكد فوز المحور السوري - الإيراني في معادلة التوازن الشرق أوسطي؟ هل الأسباب أقلوية انتهت إلى صوغ رؤية إطارية ترى أن مصلحة الطائفة تقتضي الحياد وعدم الانحياز؟ هل الأسباب شخصية أوصلت البيك إلى ترتيب حسابات مغايرة نظرا لتغير الظروف واختلاف مجريات الوقائع؟ هل الأسباب تعرض الزعامة (العصبية الجنبلاطية) إلى نوع من التخثر الناتج عن التطور التاريخي وما يحدثه من انقسامات سياسية تزعزع الموقع والدور والوظيفة؟

كل هذه الأسئلة السببية يمكن إدراجها في رزمة واحدة للإشارة إلى ذاك القلق (سيكولوجية الطوائف) الذي تفرزه عادة ذهنيات الأقليات الناجمة عن الخوف والتوتر والإحساس بالضعف وخصوصا في لحظات الاستقرار والهدوء والمساومة.

هناك مزيج من الأجوبة كشف عنها كلام جنبلاط وهي في مجموعها تتحدث عن أخطاء وانحرافات ومبالغات ما استدعى منه أن يقوم بحركة تصحيح وإعادة التموضع في منطقة وسطى لا هي 14 ولا 8 آذار. والوسط برأي «البيك» هو اليسار بين خطين يمين من جهة وآخر مجهول الهوية من جهة أخرى. والآخر المجهول الهوية رحب بخطوة جنبلاط وكلامه ولكنه لم يسارع إلى استقباله من دون شروط. فالتنازل لا يكفي في إطار معادلة لم تتشكل هيئتها بعد.


المصلحة والخوف

إذا كان الوسط يشكل نقطة ارتكاز «اليسار» و14 آذار اليمين فماذا عن 8 آذار فهل هذا الفريق يمثل يمين اليمين (المحافظون الجدد) أم يمين اليسار أم يسار اليمين؟

عدم الوضوح يؤشر إلى أن كلام جنبلاط يجب البحث عن مسبباته في المصالح والمخاوف وليس في الايديولوجيا. فهل خوف الأقلية (الطائفة الصغيرة) من احتمال المساومة (المشاطرة والمحاصصة) بين الطوائف الكبيرة دفعت باتجاه البحث عن مخرج ايديولوجي يشكل مهربا لمأزق المصلحة والتسوية؟

هذا الاحتمال هو المرجح باعتبار أن إدارة باراك أوباما لم تستكمل دراستها وتنتهي رسميا إلى الإعلان عن استراتيجية أميركية بديلة. سياسة الولايات المتحدة ايديولوجيا اختلفت عن العهد السابق ولكن السياسة بمنظور المصلحة تحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تتبلور خطوط طولها من عرضها. وهذا الأمر يفتح الباب على احتمالات ليست بالضرورة أن تكون متطابقة مع فرضيات جنبلاط الكلامية. كذلك الأمر بالنسبة للمسارات الإقليمية. فالمعادلة حتى الآن لم تستقر شروطها وهي خاضعة لمتعرجات تحتاج إلى فترة زمنية للإعلان عن تفصيلاتها. فالمحور السوري - الإيراني قد يتفكك وقد يزداد تماسكا. والتقارب السعودي - السوري قد يحصل وقد يتأخر. والأمر نفسه بالنسبة للتقاطع المصري - السوري. الموضوع الفلسطيني أيضا لم تتوضح مساراته الدولية والإقليمية وصولا إلى انغلاق ملف التفاوض مع حكومة تل أبيب.

غموض الخطوات الدولية (الأميركية) والإقليمية وتفرعاتها باتجاه إيران أو العراق أو سورية أو فلسطين أو لبنان يدفع القراءة «في فنجان جنبلاط» إلى تغليب العوامل المحلية (مخاوف أقلية من احتمال المساومة) لكونها هي السبب الذي أدى إلى افتعال رقصة «التويست». حتى هذه الفرضية تحتمل الجدل باعتبار أن موقف «الوسط» بين تحالفين كبيرين لا يؤدي بالضرورة إلى انتزاع مكاسب أفضل من الانحياز إلى إحدى الكتلتين. فالقوى الصغيرة لا تقدم ولا تؤخر في المعادلة إلا إذا استقوت بتوازنات دولية وإقليمية ترفع من نسبة قوتها في خريطة التجاذب الداخلي (الأهلي). وهذا الأمر يقتضي طرح أسئلة من نوع آخر حتى تكون القراءة في «فنجان جنبلاط» واضحة.

هل مغادرة «البيك» 14 آذار إلى موقع الوسط (اليسار برأيه) تعني فك الارتباط بالثنائي حزب الكتائب - القوات اللبنانية (الطرف المسيحي) والإبقاء على العلاقة مع تيار المستقبل السني (سعد الحريري) أم أنها خطوة انفصالية (استقلالية) بالكامل ومن دون رجعة؟ أيضا هل مغادرة 14 آذار تعني استبدال الغطاء الإقليمي والتخلي عن المظلة المصرية - السعودية في لبنان والذهاب إلى مظلة 8 آذار الإقليمية أم أن الخطوة الداخلية منفصلة عن المحاور الشرق الأوسطية؟ وهل يريد جنبلاط مثلا مصالحة سورية فقط أم أنه يطمح نحو العبور إلى طهران من البوابة الدمشقية؟ وفي حال توجه إلى إيران فماذا عن تجربة صديقه محمد خاتمي وخصمه الايديولوجي محمود أحمدي نجاد؟ فهل جنبلاط أصبح ضد «تيار المحافظين الجدد» بعد سقوطه المدوي في أميركا مقابل تقاربه المتأخر مع «تيار المحافظين الجدد» في إيران الذي فاز بالانتخابات عنوة؟

كل هذه الأسئلة مفتوحة على احتمالات والأجوبة تحتاج إلى وقت حتى تتشكل معالمها. وكلام جنبلاط عن الحنين الايديولوجي وذكريات العروبة وذاكرة فلسطين لا يقدم تلك القراءة المطلوبة لترسيم قنوات خريطة الطريق. الأفكار مبهمة وغامضة وكل المحاولات لتفكيك رموزها وإشاراتها تشبه «القراءة في فنجان» فهي قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة. ونقد «البيك» لمواقفه السابقة قد تكون صحيحة ولكن رؤيته للتحولات قد تكون خاطئة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2525 - الثلثاء 04 أغسطس 2009م الموافق 12 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 10:58 ص

      طبعاً الردود التي لا تعجبكم لا تنشر يا وسط

      طبعاً الردود التي لا تعجبكم لا تنشر يا وسط . جمبلاط ما هو إلا بوق لمن يدفع أكثر و الأكيد أن المال الآتي من طهران وصل له أسرع من شيكات الرياض.

    • زائر 4 | 4:55 ص

      الرد على السيد وليد

      أما الزبد فيذهب جفاء وإما ماينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال للناس ياوليد بيك

    • زائر 3 | 4:40 ص

      مقال

      هل الصدمة لا زالت تفعل لك ما فعلت بصحبك في 14 آذار

    • زائر 2 | 4:28 ص

      حركة تصحيحية

      ما قام به وليد جنبلاط هو حركة تصحيحية و إعادة تموضع لحزبه الاشتراكي ولطائفته الدروز ، فموقفه الأخير وضع قطار الدروز على السكة ، فالجبل الأشم لا يمكن أن يكون بعيد عن خط المقاومة ورافضاً للقضية الفلسطينية ومعادياً لسوريا ، ليس هذا منهج الطائفة الدرزية و الحزب الارشتراكي لكمال جنبلاط .
      ثورة وليد جنبلاط تقيأت ثورة الأرز السيادية الانبطاحية للصديق الامريكي المصري السعودي ، اليوم جنبلاط بصحوته جعل زعامات 14آذار و الزعامات المليشيوية في صداع فضل بعضهم الفرار لفرنسا لإستيعاب الصدمة الجنبلاطية .

    • زائر 1 | 3:44 ص

      رغبة في الزعامة

      جنبلاط يطمح أن يبقى زعيما مهما كلف الأمر و يتصرف من منطق أنه يمثل طائفة أقلية فالقفز السياسي و الميل مع الحائط الواقف هو أسلوبه و أتعجب منة دروز لبنان كيف تسير وراءه سواء على صح أو على خطأ. الغرب لم يقدم الدعم الكافي و هناك حوارات دولية مع سورية فلا بد لجنبلاط أم يركب الموجة فقد تعود دائما أن يكون الزعيم فقد أضرم نار الاستقلال و السيادة للبنان و هو من سيطفئها. أسس 14 آذار و سوف يلغيه وفقا لمصالحة. هكذا هو جنبلاط

اقرأ ايضاً