العدد 2528 - الجمعة 07 أغسطس 2009م الموافق 15 شعبان 1430هـ

كل شيءٍ على ما يرام سيدي!

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

«أخيرا قرر الوزير النزول إلى الشارع, متقصيا أوضاع المواطنين الشاكين من الازدحام والفوضى العارمة، أُغلقت الطرق، وانتشرت الشرطة في كل مكان، مر موكبه كالبرق على سجادة حمراء... أما أفراد حمايته فقد أبلغوه بالنيابة: كل شيء على ما يرام سيدي!».

إسقاط هذا المشهد للراوية السعودية بلقيس الملحم على واقعنا البحريني لا يحتاج إلى تكلف. فمع الإعلان عن كل زيارة (مفاجئة) لأحد الوزراء إلى مكاتب وزارته أو إلى الشارع أبدا لا تجد في المقابل إعلانا عن كشف ثغرة ضعف أو فساد أو تلاعب مدير أو تهاون موظفين. كل ما تنتهي إليه الزيارة (المفاجئة) هو الإشادة بسير العمل بصورة طبيعية وبجهود المسئولين.

هذا النمط من الزيارات بات يتكرر في صحافتنا اليومية، ولكن لا حديث عن مردوداته الفعلية سوى الالتفاف على أوامر القيادة الرسمية للوزراء بالنزول إلى الشارع، وذر الرماد في أعين من يطالبون بزيارات ميدانية لرفع الإحباط وحل مشكلات المواطنين. وإلا فلماذا لا أحد من المراجعين للدوائر الحكومية يتلمس تغير الأوضاع بعد زيارة الوزير (المفاجئة)؟، ولماذا لا يجد المواطنون أية حلول لمشكلاتهم العالقة بعد كل زيارة (مفاجئة) لأحد الوزراء؟

إليكم هذا النموذج التقريبي من أخبار متكررة أصبحت تأخذ عناوين بارزة في إعلامنا كل يوم: «قام وزير... بزيارة تفقدية (مفاجئة) صباح أمس إلى مكاتب... بالوزارة، تعزيزا لجهود الوزارة في متابعة سير العمل وتنظيم الإجراءات والتيسير على المراجعين... حيث اطمأن على عملية الإنجاز التي تتم بصورة جيدة ومتماشية مع متطلبات المراجعين... وعقب الزيارة (أعرب الوزير) عن ارتياحه لسير العمل في هذه المكاتب التي تقوم بتنفيذ اللوائح والقوانين في كل الخطوات».

هكذا تنتهي غالبية (إن لم نقل جميع) الزيارات الوزارية المفاجئة لدينا، وربما لا يكمن الخلل في الوزير نفسه، ولكن عادة ما تختبئ المشكلة وراء البروتوكولات المعدة سلفا من قبل كبار مسئولي الوزارة للتغطية على عاهات أدائهم، وبالتالي فإما الزيارة لا تكون مفاجئة فعلا ويتسرب خبرها بسرعة للكبار فيتداركون ما يمكن تداركه، وإما أن الزيارة تكون مفاجئة ولكن كل شيء محصن بسرية من قبل الماسكين بزمام خيوط التلاعب الإداري في الوزارة، وهكذا قسها على مستوى الزيارات الميدانية. المهم أن الوزير الذي يريد أن يكتشف الأخطاء والتلاعب فعلا بإمكانه ذلك حتى من دون زيارات مفاجئة.

قبل شهر تقريباَ ذهبت في زيارة لإحدى القرى ففوجئت بأعمال تبليط طارئة على الشارع الرئيسي للقرية حتى وقت المغرب، سألت أصحابي عن سبب هذا الاستنفار، فأجابوا ساخرين: ألم تعلم أن الوزيرة ستزور قريتنا غدا؟! أدركت السبب حينها وقلت في نفسي: يبدو أنها زيارة مفاجئة! غدا سيكون «كل شي تمام سعادة الوزيرة!».

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 2528 - الجمعة 07 أغسطس 2009م الموافق 15 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً