العدد 253 - الجمعة 16 مايو 2003م الموافق 14 ربيع الاول 1424هـ

خاتمي والمجتمع «المدني الإسلامي»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

كتاب «معالم في الطريق» للشهيد سيد قطب دشن مرحلة ما أطلق عليه البعض لاحقا تعبير «الإسلام السياسي»، او «الاصولية الاسلامية». وإذا كان مولانا أبوالأعلى المودودي من الذين نظّروا أيضا للمفاهيم نفسها وقبل سيد قطب، فإن ما كتبه سيد قطب ونشره في كتب موسوعية أصبح هو الأساس المعتمد في حوارات ودراسات المسلمين. بل إن أحدى الإحصاءات الأكاديمية وجدت أن كتب سيد قطب هي الأكثر قراءة وبحثا في الجامعات المتخصصة عن الإسلام. وكثير من أفكار قطب نجدها في كتابات مختلف الناشطين الإسلاميين، بما في ذلك عدد من قادة الثورة الإسلامية في إيران.

كُتب سيد قطب هي التي أسست عددا من المفاهيم الصارمة عن انتماء الفرد «الإسلامي» أو «الجاهلي»، وبينالعتراف بـ «حاكمية الله» او «الحكم الجاهلي» ولا خيار بينهما. وآثار قطب موجودة بقوة في كل أرجاء العالم الإسلامي بما في ذلك ايران. فمرشد الثورة الإسلامية آية الله السيدعلي الخامئني كان من مترجمي كتب سيد قطب إلى الفارسية، وتعبير «إسلام أميركاني» كان أول من استخدمه سيد قطب اثناء دعوته إلى العودة إلى الجذور «الإسلامية النقية»، والبعيدة عن «الشوائب الجاهلية»، قبل أن يطرحه الإمام الخميني في الثمانينات من القرن الماضي.

قوة الطرح لدى قطب تكمن في التأصيل والتنظير الغزير الذي شمل إعادة تفسير القرآن وإعادة فهم الأحاديث والسيرة والأخذ بآخر ما أنتجته الإنسانية من تنظيم حزبي ثم دمج تلك الانشطة بالمسجد عبر علماء الدين الذين انضووا في الحركات الإسلامية الكبرى، مثل حركة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وحركة علماء الدين في إيران.

الحركة الإسلامية التي يود البعض تسميتها بالحركة «الأصولية» هي التي تسلمت زمام المعارضة في المجتمعات الإسلامية، وأوصلت عددا من الحركات إلى الحكم في عدد من البلدان بعد أن أثبتت جدارتها في مقاومة الدكتاتورية وتحمّل الأذى والدفاع عن المظلومين والمستضعفين.

غير أن التنظير والتأصيل الإسلامي لم يتقدم كثيرا على أطروحات سيد قطب. وأطروحات سيد قطب لها توابعها، لأنها أنتجت في ظروف عسيرة تختلف عن ظروفنا اليوم، واستطاعت تلك الأطروحات المحافظة على الصف الإسلامي الذي كان يواجه تحديات القمع السياسي من جانب، وتحديات التغريب من جانب آخر. وكان لابد لمخلص مثل سيد قطب من تعزيز الحركة الإسلامية وتحصينها نفسيا من الأجواء المعادية المحيطة بها. وهكذا كانت تنظيرات قطب مباشرة وصارمة، إذ ان هناك «مجتمعا إسلاميا» و«مجتمعا جاهليا» ولا ثالث بينهما، وهناك «حزب الله» و«حزب الشيطان»، وهناك إيمان «بحكم الله» أو «حكم الطاغوت»، وهناك «معالم في الطريق» لكل من اختار درب الإسلام النقي، وهذه المعالم ليست لها أية صلة بمعالم الحياة التي فرضها علينا الفكر الجاهلي.

الحديث أعلاه ليس محاولة للرد على الشهيد سيد قطب، لأن الباحثين والجامعات مازالت تدرّس كتبه وفكره وتتطارح وتتداول تبعاته واستنتاجاته. ولكن المثير للإنتباه هو أن محاولات المفكرين لتأسيس طرح آخر وفهم آخر لحركة السياسة والمجتمع وكيفية التعامل معها مازالت قاصرة عن القوة التي كان عليها سيد قطب. ولذلك فإن دعوات المفكرين الإسلاميين الجدد، ومن بينهم المفكر والرئيس الإيراني سيد محمد خاتمي، مازالت لم تأخذ البعد التحريكي الذي استطاعت الحصول عليه الأفكار «الأصولية» التي بشّر بها المودودي وسيد قطب ووجدت لها تطبيقات عملية كثيرة.

الأسباب التي أدت إلى انتشار النهج «الأصولي» (بحسب تعبير البعض) هي قدرة ذلك النهج على التصدي والدفاع عن كرامة الأمة في أوقات حرجة، والقدرة الفكرية لرموز رئيسية في ذلك الاتجاه ووجود حركات سياسية واجتماعية تحركت تنظيميا بالتحالف مع عدد لا بأس به من علماء الدين الذين يؤثرون على الرأي العام من خلال المساجد والمؤسسات الدينية الخيرية الأخرى. فوجود عالم الدين في أية حركة إسلامية يعتبر الداعم الديني الذي يبعث الإطمئنان في قلوب الناس؛ بأن ما يقومون به إنما يعتبر عملا في سبيل الله ومن أجل رضا الله.

على الجانب الآخر فإن حركات فكرية أخرى مازالت محصورة في بعض الدوائر النخبوية ويتزعمها ـ في العادة ـ مثقفون إسلاميون لا يلبسون لباس علماء الدين، ولذلك فإن تأثيرهم أقل من غيرهم. وعلى رغم أن الحركة الإسلامية المصرية حققت نجاحات كبرى في العمل النقابي ونشاطات المنظمات الأهلية، إلا أن أثرها أقل من أثر الحركات التي تتبع النهج الذي أسسه وسار عليه المودودي وسيد قطب وآخرون. ومثال على ذلك: مفهوم «المجتمع المدني» المطروح عالميا والذي حققت الحركات الإسلامية في عدد من البلدان نجاحات من خلال بعض تطبيقاته، وسيدمحمد خاتمي من أكثر الداعين لأسلمته، فإن مجرد ذكر المصطلح في عدد لا بأس به من الأجواء الإسلامية، وإذا بالرودود التي أسس جذورها سيد قطب تنهال من كل حدب وصوب: لدينا «مجتمع إسلامي» وحسب، وليس هناك غير المجتمع الإسلامي إلا «غير الإسلامي»، أو «الجاهلي».

كثير من المفكرين والناشطين في حقل المنظمات الأهلية أو ما يطلق عليها «مؤسسات المجتمع المدني»، سعدوا كثيرا وهم يشاهدون أن رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيدمحمد خاتمي يدعو إلى الإيمان بضرورة هذا النوع من النشاط السياسي والاجتماعي، ويدعو إلى أسلمته ويعتبره من جوهر تأسيس الحكم والمجتمع في «المدينة المنورة» على يد رسول الله (ص)، ولكن مثل هذه الطروحات مازالت بحاجة إلى تنظير وتأصيل. وهي مهمة صعبة جدا، وربما أصعب من رئاسة الدولة

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 253 - الجمعة 16 مايو 2003م الموافق 14 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً