العدد 2532 - الثلثاء 11 أغسطس 2009م الموافق 19 شعبان 1430هـ

اليمن... الانفصال أسوأ من الوحدة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

شكلت الأزمة اليمنية المتفجرة شمالا (صعدة) وجنوبا (الضالع) مناسبة لعودة دعوات الانفصال إلى الظهور. فالقوى الانفصالية استفادت من تمركز السلطة وضيق أفقها، وضعف الدولة واستقواء القبيلة، ونمو التطرف لتستعيد خطابها السياسي الذي أصيب بصدمة عسكرية في حرب 1994. فالخطاب الانفصالي (الاشتراكي) حاول البناء على الفوضى وعدم الاستقرار وتقلص التنمية وانتشار الأمية قواعد انطلاق لإعادة تأسيس «دولة مستقلة» في الجنوب تتعايش مع «دولة» شقيقة في الشمال.

هناك الكثير من العناصر الموضوعية والذاتية التي استخدمها الخطاب الانفصالي لتغذية الدعوة السياسية المطالبة بعودة اليمن إلى ما كان عليه قبل الوحدة. فالمواد كثيرة وخصبة وتلبي حاجات الأطراف المتضررة من الوحدة والقوى المستفيدة من ضعف الدولة، وهي تعطي في جوانب منها صدقية تستحق النقاش.

دعاة الانفصال يعتمدون مجموعة ذرائع للترويج إلى بضاعتهم تقوم أساسا على نظرية فشل الوحدة وتفرعاتها وتداعياتها. فالفشل يشكل قاعدة عريضة يرتكز عليها خطاب الانفصال لتبرير دعوته. وعناصر الفشل كثيرة القنوات. فهناك فشل مشروع النمو والتنمية المتوازنة. وهناك فشل المركز في جذب الأطراف إلى وسط الوحدة. وهناك فشل السلطة في توسيع دائرة استيعاب القوى السياسية وتشجيعها للانخراط في هيكلية الدولة. وهناك فشل في توزيع الثروة ومشروعات البناء والتطوير. وهناك فشل في مد شبكة الاتصال وخطوط المواصلات. وهناك فشل في تجديد البنى التحتية وإعادة ربط ما انقطع من خلال توسيع الطرقات والمدارس والمستشفيات والمعاهد. وهناك فشل في تطوير العملية السياسية ونقلها من حلقاتها الضيقة إلى طور متقدم يضمن سلميا انتقال أدوات السلطة من دون اضطراب أو خوف وتخويف.

عشرات العناصر يمكن إضافتها على «هناك» للإشارة إلى أن الوحدة اليمنية فشلت في تحقيق أغراضها ولم تنجح في التحول من قناعة ايديولوجية إلى حاجة تلبي رغبات حياتية وزمنية. وبسبب هذا الفشل المتكاثر في عناصره اليومية أخذت القوى الانفصالية ترفع خطابها التقسيمي بذريعة أنه يشكل الرد التاريخي على واقع منقسم والمفتاح السياسي الذي يتضمن كل الحلول الممكنة للمشكلات المطروحة.

الكلام التشطيري الذي أسس عليه خطاب الانفصال نصوصه التقسيمية يحتاج إلى تدقيق لأنه يستند إلى تجربة فاشلة في تأطير الوحدة لكسب صك براءة ترخص فكرة عودة الشمال إلى الشمال وعودة الجنوب إلى الجنوب وبالتالي ذهاب كل فريق إلى أهله باعتبار أن اليمن يتألف من شعبين ويحق لكل شعب أن يؤسس دولته.

خطاب الانفصال تبسيطي ليس في قراءة عناصر فشل الوحدة وإنما في فهم المواد القابلة للتقسيم. وبهذا المعنى يمكن اعتبار خطاب الانفصال أسوأ من خطاب الوحدة. فالأخير انطلق من ايديولوجية وهمية تعتبر أن «الوحدة» هي الحل ومنها يمكن السيطرة على كل عناصر الحياة والسلطة والقوة. والأول ينطلق من رؤية قاصرة تبسط مشكلات اليمن بالوحدة وبالتالي يصبح الانفصال هو «الحل» ومنه يمكن تلبية رغبات وحاجات أهالي الجنوب بمعزل وبالضد من سكان الشمال.

خطاب الانفصال أسوأ من خطاب التوحيد لأنه يرتكز على فشل الثاني لتبرير صوابية الأول. وهذه المقاربة تشكل خطوة ناقصة تقوم على رؤية تبسيطية قاصرة وغير قادرة على فهم ما يحصل في اليمن. فالمشكلات في البلد السعيد تجاوزت حدود «الانفصال» بعد أن فشلت الوحدة في احتواء عناصر الفوضى السياسية والاضطراب الاقتصادي وعدم الاستقرار الأمني. والانفصال الذي يدعو إليه أصحاب الخطاب التقسيمي يرجح في حال الدفع نحو حصوله أن يؤدي إلى شرذمة اليمن وتشطيره إلى دويلات لا دولتين.


الخطاب القاصر ونموذج العراق

المشكلة السياسية في خطاب أنصار الانفصال أن التيار التقسيمي لايزال يكرر مقولات ايديولوجية صدرت في نهاية ثمانينات ومطلع تسعينات القرن الماضي بينما وقائع الحياة ومجرى الأمور وقنوات النمو والتخلف، تجاوزت تلك القراءات بغض النظر إذا كانت خاطئة أو سليمة في زمانها. ما يحصل في اليمن ليس سعيدا على الإطلاق وتداعيات الأزمة تخطت منذ زمن مقولات «الوحدة» في مواجهة «الانفصال» وبالتالي فإن المطروح من مشكلات يتعدى مساحة المعروض من حلول تختصر الأزمة بخطابات تبسط تعقيدات الواقع.

اليمن الآن ليس مهددا بالانفصال وإنما بالانهيار. والانهيار في بلد قبلي تتحكم في جغرافيته قوانين ما قبل الدولة يعني انشطاره إلى دويلات مناطق وطوائف وأمراء حرب وبؤر عنف و«قواعد إرهاب». الوحدة لاشك فشلت في تحقيق أغراضها وأهدافها. والفشل يتأتى من مجموعة عوامل بعضها يتصل بالاجتماع البشري وبعضها يتصل بقصور السلطة السياسية وامتناعها عن تطوير شبكة علاقاتها وتمديدها من المركز إلى الأطراف.

المشكلة الأساس تبدأ من ضعف الدولة وقوة القبيلة وتردد السلطة في تنمية قنوات الربط الاقتصادي لتلبية حاجات القوى الاجتماعية واحتواء متطلباتها تمهيدا لإدخالها في عملية التوحيد على أساس المصلحة لا الايديولوجيا. وهذا الفشل البنيوي في إطار الوحدة لا يمكن استبداله بفشل بنيوي أسوأ في إطار حل الانفصال. فالتقسيم في بلد لايزال في طور ما قبل الدولة يؤدي إلى شرذمة قبلية ومناطقية (جهوية) وطوائفية يوزع السلطة على أمراء حرب لا يترددون في اعتماد الخراب وسيلة لتدمير العمران.

العراق مثلا الذي كان يعتبر في وضعه السابق في موقع متقدم على اليمن أصيب بانهيار شامل وفوضى سياسية بعد احتلاله وتقويض دولته. فالدولة العراقية في زمن صدام حسين كانت مركزية إلى درجة الاستبداد السياسي المطلق ولكنها في إطارها الاجتماعي - الاقتصادي كانت في حال أفضل من المصير الذي آلت إليه الآن بعد أكثر من 6 سنوات على الغزو والاستلاب والتقطيع والتنافس على نهش الغنيمة.

يمكن اعتماد العراق ذاك النموذج المتقدم للقياس على وضع اليمن المتخلف الآن. في حال تعرض «البلد السعيد» إلى سيناريو مشابه لما تعرضت له «بلاد الرافدين» فإن اليمن سيتطاير إلى دويلات قبلية يتحكم بها أمراء حرب يمارسون قانون الفوضى على درجات أسوأ بكثير من حكومات الأقاليم في العراق اليوم.

خطاب الانفصال ليس حلا وبالتأكيد لا يشكل البديل الآلي لفشل تجربة الوحدة في اليمن. فالحل ليس بالتقسيم؛ لأن المقاربة مع نموذج العراق تشير إلى احتمال حصول انهيار شامل وتشرذم السلطة إلى دويلات قبائل ومناطق تتصارع على اقتسام الغنيمة.

المحافظة على إطار الوحدة تشكل خطوة تستحق الدفاع عنها ولكنها بالتأكيد ليست هدفا بذاتها بقدر ما هي تعتبر قانونيا ذاك الإطار الضامن لوقف الانهيار والتشرذم. فالوحدة السياسية تشبه ذاك الوعاء الذي يمكن المراهنة عليه لإعادة تأسيس سياسة قادرة على تطوير السلطة بعيدا عن الاستبداد وثم نقلها من إمارة القبيلة إلى قانون الدولة وما يعنيه من مؤسسات وقنوات وأجهزة تمتلك الاستعداد لاحتواء حاجات العمران البشري وتلبية متطلباته الدائمة للنمو والتنمية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2532 - الثلثاء 11 أغسطس 2009م الموافق 19 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:41 ص

      مصر وسوريا مثالاً

      وليد نويهض للعلم انتهت الوحده وفشلت وانتهت في صيف 94واتمنى عليك ان تكون واقعي وتكتب سوريا ومصر مثالاً .. التي لم تذرف على وحدتها وانفصالها قطرة دم وتكون منصف للكل على ان لا تسكب الدما اليمنين من اجل اشخاص وليس من اجل الوحده التي سببت شرخ بين اليمنين انفسهم . والله المستعان وليس تخوفهم في العراق العظيم التي تخكمه شرزمه خميموساديه

    • زائر 2 | 9:02 ص

      الهوتو وتتسي

      اسباب المذابح التي حدثت في راوندا كانت اشبه مايكون هي نفس السبب الي مزع العراق هو تسلط اقليه من البشر على الاكثريه بالنار والحديد والارهاب الجسدي والانساني والااخلاقي تنتح منه مثل هذه الامور .
      اما عن اسباب المطالبه فك الوحده هو كما سمعت تسلط طبقه البيروقراطيين ورؤساء القبائل على مقدرات الجنوب .اما عن صعدى فالقضيه هي عدم التفات الحكومه للتنميه في هذا الاقليم واستخدام العنف والتدمير الكامل لبعض القرى هذا ما سمعت من اخبار ايران من لسان حوثيي كما اعتقد.

    • زائر 1 | 8:54 ص

      وا أسفاه

      وا اسفهاه عليك ياعراق الرافدين يا عراق الحسين . ولاكن يا نويهض (فعسى ان تكرهو شيئ ويجعل الله فيه خير كثيرا) لا تكرهو الفتن فان فيها زوال الظالم.
      عبد علي عباس البصري

اقرأ ايضاً