العدد 2533 - الأربعاء 12 أغسطس 2009م الموافق 20 شعبان 1430هـ

«فتح» وجدلية الحوار مع «حماس»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ما حصل في مؤتمر «فتح» السادس الذي أنهى أعماله في بيت لحم ليس انقلابا. فالانقلاب يتشكل عادة من مراكز قوى تتحكم بالمؤسسات من الخارج ثم تتجه نحو السيطرة عليها من الداخل بالإكراه. ما حصل في انتخاب اللجنة المركزية جاء في سياق تطور طبيعي تفرضه قوانين الحياة على علاقات الأجيال من دون قطع أو انقطاع عن الجيل المؤسس.

الجيل الأول لم يغب عن ساحة «فتح» فهو تمثل في اللجنة المركزية بشخصيات تجاوزت سن السبعين. كذلك تمثلت فئة عمرية تجاوزت سن الستين في اللجنة. وتوزع الأعضاء الآخرون على فئات عمرية تراوحت بين الأربعين أو الخمسين أو الستين سنة. وهذا التنوع في الفئات العمرية يؤشر إلى وجود تطور طبيعي في نمو أجيال كان لها دورها في مختلف الحقول الأمنية والعسكرية والدبلوماسية والسياسية والاقتصادية من خارج المواقع الرسمية وحين جاءت الفرصة انتقلت إلى مراكزها من دون انقضاض. والانتقال السلس يعكس ذاك الاستعداد لتقبل التغيير من دون فوضى تزعزع الوحدة التاريخية لحركة تحرير وطنية تتميز بخصوصية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.

هناك ملاحظات نقدية كثيرة أثيرت من جهات مختلفة بشأن مؤتمر «فتح» ولكنها في مجموعها لم تتجاوز حدود «التقنيات» و «الفنيات». وهذا الأمر لا يؤشر إلى الفشل وليس بالضرورة يعتبر من النجاحات الباهرة. فالمؤتمر السادس حقق غرضه الرئيسي وهو وقف التدهور والبدء في ترسيخ خطوة أولى سيكون لها تأثيرها على إعادة هيكلة الحركة في المرحلة المقبلة لتستعيد عافيتها بعد غياب قسري فرضته الظروف والتطورات على الساحات الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية.

«فتح» الآن أمام تحديات جديدة وكثيرة، وهي بطبيعة الحال لن تكون كالسابق ولكنها أيضا لا تستطيع القطع مع تاريخها. وعملية الجمع بين المرحلتين ظهر عضويا في تركيبة اللجنة المركزية المنتخبة التي دمجت عفويا بين الجيل المؤسس والأول والثاني. ثلاثة أجيال في إطار تنظيمي واحد يسهل الكثير من الأمور ويعطي القيادة صدقيه في ترتيب العلاقات مع الأطراف الفلسطينية الأخرى، وتحديد برنامج الأولويات في الفترة الراهنة.

قائمة الأولويات لا يمكن أن تنتظم سياسيا قبل أن تتوضح طبيعة علاقات «فتح» مع السلطة من جانب والفصائل الفلسطينية الأخرى من جانب. فالحركة مطالبة الآن بإعادة تصحيح قنوات التواصل مع منظمات تتقاسم معها المسئولية في إدارة منظمة التحرير الفلسطينية. وهذا الأمر يتطلب قراءة نقدية للفترة السابقة، وهي مرحلة كانت فيها «فتح» تمارس نشاطها العلني خارج الأراضي الفلسطينية ما فرض عليها أحيانا تقديم تنازلات والقبول بشروط أنظمة عربية كانت تضغط لتمثيلها في المؤسسات القيادية مقابل عدم اعتراضها لدورها المركزي في رسم السياسة العامة.

الآن اختلفت طبيعة ظروف المكان والزمان. والاختلاف يعطي فرصة لقيادة «فتح» بإعادة تكييف شروط الوحدة الفلسطينية في إطار تنظيمي يصحح المعادلة حتى تتجانس مع المهمات الوطنية المقبلة. هناك فصائل كانت قوية قبل عقدين وأصبحت ضعيفة شعبيا وسياسيا. وهناك فصائل كانت ضعيفة وأصبحت تحتل مواقع ميدانية أكثر قوة من السابق. وهناك فصائل عادية أو شكلية وتفتقد لقاعدة شعبية تتمثل في المراكز القيادية لحسابات محكومة بعادات أو اعتبارات شخصية أحيانا.

إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية تعتبر من المهمات الصعبة ولكنها أصبحت ضرورية حتى تستطيع القيادة التكيف مع طبيعة المرحلة المقبلة وما تتضمنه من مهمات تتطلب السيطرة عليها قبل أن تتدحرج إلى خارج دائرة الإجماع الوطني.

إعادة الهيكلة تفترض عمليا البدء في التفاوض مع «حماس» على قاعدة حوار تختلف عن السابق. فهذه الحركة التي قادت انقساما في قطاع غزة جاءت إلى الساحة الفلسطينية من منابت أيديولوجية ومجموعة ظروف ليس لها علاقة بنشأة منظمة التحرير. ودخول «حماس» على ساحة التنافس من خارج الإطار الهيكلي للمنظمات الفلسطينية المنضوية تحت سقف واحد أربك القيادة واستنزف قواها وأضاع عليها الكثير من الفرص سواء على مستوى التفاوض أو على مستوى المقاومة.

فصيل «حماس» لا يمكن إهماله أوالتعاطي معه بصفته قوة خارجية أو مغتصبة للسلطة فقط. فالمسألة سياسية وتحتاج إلى مراجعة حتى تستقيم التوازنات داخل دائرة منظمة التحرير. والمراجعة لا بد أن تعطي مساحة للحوار بشأن ادماج «حماس» في الشارع الفلسطيني انطلاقا من فتح باب انضمامها إلى منظمة التحرير بتمثيل نسبي يتقارب مع حجمها.


تصحيح خطأ

تصحيح الخطأ الذي ارتكبته «حماس» في قطاع غزة لابد أن يعاد تفكيكه من خلال جدلية ضبط العلاقات الفلسطينية في دائرة وطنية موحدة تعطي لمختلف الفصائل حق التمثيل في المؤسسات وبالتالي قطع الطريق عليها حتى لا تواصل سياسة التقسيم أو تأسيس هيئات خارج المظلة المشتركة. إدخال «حماس» في منظمة التحرير مهمة صعبة ولكنها تحتل الموقع الأول في عملية تصحيح العلاقات مع قوى سياسية تشكلت خارج الأطر التقليدية للكفاح الفلسطيني. وعملية الدمج المطلوبة قد تساعد على إعادة ترتيب التوازنات بشكل تتكيف مع المتغيرات التي طرأت على الساحة الفلسطينية في العقدين الأخيرين.

«حماس» لم تكن موجودة حين عقدت «فتح» مؤتمرها الخامس. الآن أصبحت هذه الحركة تتحدى وتنافس وتنازع وتفرض سلطتها الحزبية على قطاع غزة وتشوش لمنع انعقاد المؤتمر السادس في بيت لحم. وهذا التحول في موازين القوى يتطلب الانتباه أكثر من المكابرة ويحتاج إلى عقلية تسووية تغلب نزعة المصالحة على المواجهة والاقتلاع.

إعادة التفاوض مع «حماس» في القاهرة وغيرها يحتاج إلى ترتيب عام يتجاوز حدود قطاع عزة وما ارتكبته من سياسات خاطئة أدت إلى انكشافها الأيديولوجي وضعفها البنيوي في التعامل مع الفصائل الفلسطينية الأخرى. والتفاوض يحتاج إلى إطار حواري يدخل «حماس» في النسيج الفلسطيني وهيئات منظمة التحرير حتى تصبح الحركة جزءا من المشهد لا قوة مناكفة تلعب خارج المسرح ومن وراء الكواليس.

«فتح» الآن في موقع قوي وتستطيع التفاوض بحرية ومرونة وثقة بالنفس أفضل من السابق. و«حماس» بعد تجربتها غير المشجعة في غزة لا تستطيع بنيويا أن تكون البديل عن «فتح» ولا تلك القوة الموازية لمنظمة التحرير. هناك الكثير من العوائق الأيديولوجية التي تحد من إمكانات تطور «حماس». وهذا يعطي فرصة للبحث معها في الإقلاع عن سياسة الاستفزاز والاتجاه نحو الدمج بهدف إدخالها في إطار المشروع الوطني الفلسطيني وما يصدر عنه من قرارات موحدة.

بقاء «حماس» خارج مؤسسات منظمة التحرير يعطيها قدرة على التعطيل والتشويش والمناكفة ويقدم ذريعة مجانية لحكومات تل أبيب للتهرب من مسئولياتها الدولية وتلك الاستحقاقات الميدانية. والثمن الذي يمكن أن تدفعه «فتح» مع مختلف الفصائل الأخرى بإدخال «حماس» في قيادة منظمة التحرير يبقى أقل كلفة من استمرارها في الخارج.

ترتيب العلاقات مع الأطراف الفلسطينية وتصحيح منطلقات الحوار مع «حماس» يدفعان منظمة التحرير نحو موقع القيادة المتوحدة مع الشارع إلى جوار سلطة رسمية تحتاج إلى وحدة الشارع حتى تواصل تفاوضها مع حكومات تل أبيب من موقع القوة لا الضعف. وما حصل في «فتح» من تعديل طبيعي ومنطقي في توازنات الداخل والأجيال يمكن سحب شروطه وقوانينه على إعادة تنظيم العلاقة مع «حماس» التي دخلت الساحة من خارج زمن وأجيال منظمة التحرير. إعادة الوحدة للشارع تشكل مهمة مركزية في برنامج الأولويات لحركة «فتح» بعد الانتهاء من احتواء تداعيات المؤتمر السادس. والوحدة الفلسطينية لا يمكن أن تستمر في إطار رؤية تجاوزها الزمن. وحصول المراجعة يتطلب قراءة نقدية لفترة صعبة ولكنها كانت غنية في خلاصاتها السياسية والميدانية.

ما حصل في «فتح» ليس انقلابا وإنما خطوة طبيعية جاءت في سياق تطور فرضته قوانين الحياة. والنجاح المقبول الذي حققه المؤتمر السادس يشكل مادة حيوية يمكن التأسيس عليها لفتح حوار من نوع آخر مع «حماس» وبعيدا عن ما ارتكبته الأخيرة من مخالفات وتجاوزات وأخطاء في القطاع.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2533 - الأربعاء 12 أغسطس 2009م الموافق 20 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:28 ص

      اختلاف الرؤى

      المشكله يا نويهض في ان كلتى الحركتين مختلفتين في الانتمائات والاديولوجيات والافكار بس اشلون تريد التقارب او عدم ترك حماس تشوش كما قلت اشلون الامور مو بالتمني . ثانيا هناك انشقاق واضح واتهامات في داخل فتح.انته ماذكرته في مقالك وللاسف وحماس مصره على العداء للكيان الصهيوني وعدم الميول للمثل العربي
      وارتياء الخط الساخن مع الكيان الصهيوني مما تتلاقى الرؤى مع العمود الاوحد ايران. عبد علي البصري

    • زائر 1 | 4:17 ص

      اليظره المتزنه

      من الواضح في مقال الاخ المحترم وليد النويهض انه في اتجه النحياز لفتح بس الي ابي سالك اياه ليس ما يكون هناك تفكيك لكلتى الحركتين واستبداهما بسلطه متفقه عليها انتخابيا تضم اعضاء جدد من جميع المناطق الفلسطينيه في فلسطين وخارج فلسطين لتشكيل منظمه مناهضه للاحتلال الصهيوني . عبد علي البصري

اقرأ ايضاً