العدد 254 - السبت 17 مايو 2003م الموافق 15 ربيع الاول 1424هـ

التصريحات الأميركية تستهدف المصلحين من أمثال خاتمي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

غادرنا أمس الرئيس الإيراني محمد خاتمي في ختام جولة ناجحة بدأت في لبنان مرورا بسورية واليمن واختتاما بالبحرين. ونجاح الزيارة أزعج مستشارة الأمن القومي الأميركي كونداليزا رايس التي عاودت اتهام الجمهورية الإسلامية بامتلاك أسلحة دمار شامل ومساندة الإرهاب. ولعل تصريحات رايس ووزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد هي الشهادة بنجاح الزيارة، وهما ربما أرادا القول بأن النجاح خارج الدائرة الأميركية ممنوع.

الإصلاح السياسي في البلدان الإسلامية والعربية بامكانه تحقيق النجاح على المستويات المحلية والإقليمية، ولكن ذلك يتطلب احترام إرادة شعوب المنطقة، وخصوصا عندما تتوافر قيادات منفتحة تتسلم زمام السلطة في هذا البلد أو ذاك. لقد كانت زيارة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة لطهران في أغسطس/ آب الماضي فاتحة خير بالنسبة الى البلدين بعد معاناة استمرت سنين طويلة من دون فائدة ومن دون مبرر عقلاني. وكانت الخطوة الجريئة للملك قد حصلت على تقدير وتأييد واسعين من مختلف الجهات التي سعت وتسعى إلى إصلاح الأمور في منطقتنا التي ابتلاها الله بنعم كثيرة لا يعرف قيمتها أهلها ويتكالب عليها الآخرون.

الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي يحتاجان إلى إصلاح ثقافي يتناول المفاهيم الأساسية عن المجتمع وعن دور المواطن في الحياة العامة. ومثل هذا الإصلاح الثقافي يحتاج الى شخصيات فكرية ومبادرات قيادية. وإيران والبحرين لديهما المقومات الأساسية للإصلاح، لأن قيادتي البلدين توجهتا إلى الاصلاح الداخلي وبإمكانهما تحقيق المزيد فيما لو توقفت كونداليزا رايس وتوقف دونالد رامسفيلد وديك تشيني وغيرهم من أرباب المال والنفط والسلاح في أميركا عن تهديد هذا البلد أو ذاك وعن الاستمرار في سياسة الرعب والترهيب والترغيب. فلقد كانت ومازالت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط أحد معوقات الإصلاح السياسي. ذلك لأن الإدارة الأميركية تبحث عن مصالحها ومصالح اللوبي الصهيوني المسيطر على دوائر السياسة والاقتصاد والإعلام والفكر في الولايات المتحدة.

والمصائب التي حلت ومازالت تحل بأهل الشرق الأوسط، من حكام جائرين وسياسات معاكسة للتنمية وفساد إداري، لا تهم كثيرا الولايات المتحدة إلا إذا كانت تتعارض مع مصالحها. فصدام حسين كان شريرا وشره شمل القاصي والداني ولكنه لم يكن مغضوبا عليه إلا عندما غزا الكويت. والآن رحل من أرض الرافدين وأملنا هو ألا يتم استبدال الاستعمار بالدكتاتورية، فشعب العراق شعب عظيم ومؤهلاته كبيرة جدا ويستطيع ان يلعب دورا استراتيجيا في نشر الانفتاح السياسي والاقتصادي. ولكن ذلك قد لا يتحقق مادامت الأجندة الأميركية غير مخلصة إلا لمصالحها الذاتية والتي من أجلها تتم التضحية بكل شيء.

ان زيارة خاتمي للمنطقة بدأت وصلة جديدة من التعاون الأمني والتجاري والثقافي، وعلينا الدفع تجاه المزيد من هذا التعاون بين دول المنطقة بغض النظر عما ستصرح به مستشارة الأمن القومي أو غيرها من المسئولين الأميركيين الذين لا يفقهون شيئا عن منطقتنا سوى كمية البراميل التي تنتجها آبار النفط وكمية الأسلحة التي تشتريها حكوماتنا لتكدسها في مخازن الصدأ.

التصريحات الأميركية دائما تغلف بالدعوة إلى الديمقراطية والحرية، وكأننا وحوش من دون ثقافة ومن دون مبادئ سامية. وهذا هو جوهر الخطاب الثقافي لخاتمي وغيره من المصلحين. فالمسلمون لديهم المرجعية الثقافية في تاريخهم الإسلامي، ولاسيما في تجربة «المدينة المنورة» التي حكمها الرسول (ص) من خلال اتفاق «صحيفة المدينة» مع الأنصار ومع أهل يثرب من يهود ومشركين واستمر يحكم بالعدل بينهم ولم ينقض أي عهد مع غير المسلمين إلا بعد ان نقضه الآخرون الذين تحالفوا مع مشركي مكة آنذاك لإسقاط الحكومة التي أقامها رسول الله (ص) في المدينة. والرسول (ص) في صحيفة المدينة كان أول من دوّن في التاريخ اعترافا من القمة بوجود تعددية دينية وقبلية وبحق هذه التعددية في العيش بسلام فيما بينها. فأوروبا لم تكن تعرف التعددية إلا قبل ثلاثمئة سنة، والأمم الأخرى لم تعرف مفهوما ساميا لإدارة الدولة كمفهوم «الشورى» التي عمل بها رسول الله (ص) في المدينة المنورة.

و«الشورى» التي عمل بها رسول الله (ص) ليست مجالس شورى لا قيمة لها، وإنما كانت لاتخاذ قرارات خطيرة تخص سيادة الأمة الإسلامية وشأنها الداخلي. ولولا الشورى لما انتصر المسلمون في صد أعدائهم، لأن محمدا (ص) دمج خبرات المسلمين من كل الأعراق في بوتقة واحدة تحت راية الأخوة الإسلامية. ومحمد (ص) اشترك مع الآخرين من غير المسلمين في الدفاع المشترك كما نصت على ذلك «صحيفة المدينة».

هذه التجارب الإسلامية أرقى من الناحية الديمقراطية العملية من أي تجارب تاريخية متوافرة لدى الغرب، ونحن أحق الناس بالعيش تحت أنظمة تعترف بالتعددية وتعترف بنظام الشورى الحقيقي، وليست الشورى التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

هذه المفاهيم ليست خاصة بخاتمي، وإنما هي أفكار ملايين المسلمين الذين عادوا إلى جذورهم القادرة على إصلاح وضعهم البعيد عن الحرية السياسية وغير السياسية. ومحاولات مفكرين إسلاميين أمثال محمد خاتمي طرح وتطبيق الأفكار والبرامج الإصلاحية في غنى عن تصريحات مملوءة بالسموم ترسل من واشنطن الى منطقتنا لتقتل أية مبادرة إصلاحية قد لا تتفق مع مزاج من يقبع في البيت الأبيض.

إننا مع الإصلاح السياسي والاقتصادي ومع الانفتاح على الآخر ومع التعددية، ولكننا نؤكد أن كل هذه الإصلاحات يجب أن تكون ذاتية نابعة من ثقافتنا وتراثنا، وما ينفع للناس يبقى

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 254 - السبت 17 مايو 2003م الموافق 15 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً