العدد 2541 - الخميس 20 أغسطس 2009م الموافق 28 شعبان 1430هـ

التعامل مع العنصرية العلنية والخفية

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

تمتلئ العلاقات اليهودية العربية في «إسرائيل» بالتوتر، والعنصرية جزء لا يتجزأ من ذلك كله، شئنا أن نعترف بذلك أم أبينا. ليس التوتر العنصري نتيجة للنزاع وإنما يعمل النزاع على إدامته وتقويته. ولا حاجة هناك للقول بأنه حتى في الأماكن التي يسود فيها السلام، تتواجد العنصرية وتترعرع.

حذرت الكثير من المنظمات الإسرائيلية من تزايد مظاهر العنصرية من قبل اليهود تجاه العرب خلال السنوات القليلة الماضية. ويظهر فشل المجتمع الإسرائيلي عموما والدولة خصوصا في التعامل مع هذه الظاهرة بشكل مناسب سبب عدم الاستغراب من هذه الحقيقة.

هدف العنصرية هو السيطرة، أي الحفاظ على مصالح الطرف المسيطِر، وهي تظهر وتمثّل الظلم ورفض «الآخر». ويحافظ الطرف المسيطِر على سيطرته على مراكز القوة، كالسياسة العامة وصنع القرار، ويقرر توزيع الموارد الفعلية بل وحتى الروحانية. ويشكّل هذا خطرا كبيرا حيث إن هناك في كل مجتمع تقريبا ثقافات وأمم مختلفة يمكنها أن تمثل «الآخر». تتواجد العنصرية العلنية والخفية كذلك داخل المجتمع العربي حيث أصبحت الهوية العرقية والدينية مفتاح إدارة المجتمع اليومية، ولدرجة عملية قبول أو رفض هؤلاء الذين يعتبرون «الآخر».

هناك أسباب كثيرة للعنصرية اليهودية ضد العرب. فهي مرتبطة، ضمن أمور أخرى، بعمليات تعرّض لها المجتمع العربي منذ تأسيس الدولة، عندما وجدت الأقلية العربية نفسها مفصولة عن بقية الشعب الفلسطيني والأمة العربية. وتشكلت العلاقة بين دولة «إسرائيل» ومواطنيها الفلسطينيين في ظل التوترات التي صبغت علاقة «إسرائيل» مع العالم العربي عموما والفلسطينيين خصوصا.

وجد المواطنون الفلسطينيون في «إسرائيل» أنفسهم في وضع معقّد أرادوا فيه من ناحية الحفاظ على روابطهم مع شعبهم وأرضهم، ولكنهم رغبوا كذلك أن يتم استيعابهم كمواطنين. ولم ترحّب المؤسسة الإسرائيلية أو المجتمع الإسرائيلي بذلك دائما، حيث كانت أجزاء واسعة منه متشككة من العرب، بل وأظهرت إشارات تسهل ملاحظتها من العنصرية في كل من الحياة الخاصة والعامة.

وقد وصلت هذه الدينامية مستويات جديدة خلال السنوات الأخيرة، حيث يُظهِر تقرير أعدّته جمعية الحقوق المدنية في «إسرائيل» العام 2007 زيادة في التعبير عن العنصرية ضد المواطنين العرب في «إسرائيل» 55 في المئة يريدون منهم الهجرة، 78 في المئة يعارضون وجودهم في الحكومة، 75 في المئة من طلاب مدارسنا الثانوية يعتقدون أن العرب قذرون وأغبياء. وقد أظهر التقرير كذلك أنه كانت هناك في العام 2006 زيادة قدرها 26 في المئة في التصرفات العنصرية ضد العرب، تتراوح بين التعبير اللفظي والسياسات التمييزية والعنف الشُرَطي. وفي ضوء التطورات السياسية خلال السنة الماضية، يمكن الافتراض أن هذه الظاهرة تفاقمت منذ إجراء البحوث المذكورة أعلاه.

ينظر الكثير من اليهود إلى تزايد العنصرية ضد المواطنين العرب في «إسرائيل» على أنه رد مبرر لأعمال التضامن من قبل أجزاء من الجمهور العربي وقياداته مع الفلسطينيين في المناطق المحتلة. وتعتبر أعمال كهذه بمثابة تعاون نشط مع العدو. يظهر سوء التفاهم هذا للآخر أن ما يراه طرف على أنه سلوك طبيعي يراه الطرف الآخر على أنه غير طبيعي بل ويشكل خيانة.

من الأهمية بمكان ذكر أن هناك عددا من المنظمات والأفراد، يهودا وعربا على حد سواء، ممن يروّجون لحقوق الإنسان ويؤمنون أن العلاقات بين العرب واليهود يجب أن تتجذّر في المساواة والاحترام المتبادل. وهم يعملون دون كلل في الكفاح للتغلب على العنصرية. وعلى رغم أن أثرهم على المجتمع على اتساعه ليس كبيرا، من الأهمية بمكان أن تكون هذه النشاطات متواجدة وحاضرة.

وتتجسد العنصرية داخل المجتمع العربي في «إسرائيل» بشكل مختلف عن ما يميز العلاقات العربية اليهودية، ولكنها هي أيضا حيّة ترزق، علنا وفي الخفاء. أصبحت العنصرية السرية خلال السنوات القليلة الماضية خطرة بشكل زائد، وخصوصا في عيون الذين يؤمنون بالقيم الليبرالية والحرية، والذين يتوجب عليهم مواجهة أولئك الذين يتجسد رفضهم لهذه المثل في نظرتهم وأسلوب حياتهم. لا يمكن قياس العنصرية الخفية بشكل ملموس، وإنما يُعبَّر عنها في طروحات المجتمع، المكونة من العديد من الأديان والأعراق، وفي الأسلوب الذي يرتبط فيه أعضاء هذا المجتمع مع بعضهم بعضا.

ويشير ألبرت ميمي في كتابه الشهير «العنصرية» إلى أن أحد أساليب التعامل مع العنصرية هو تطوير سلوك أخلاقي. ويضيف أن الأهم من ذلك هو وجوب أن يأتي ذلك «من خيار ومن مكان رغبة له». يسهل قول ذلك بدلا من فعله، خاصة في الواقع المعقد للنزاع، مثل الوضع العربي اليهودي في «إسرائيل».

ليس السلوك الأخلاقي موروثا وإنما يحصل عليه المرء من خلال عملية يتم إحياؤها في كل من التعليم غير الرسمي، أي في المنزل وفي المجتمع المحلي، وفي التعليم الرسمي، أي في المدارس وغيرها من المؤسسات التعليمية. لذا يجب نقل القيم الإنسانية والسلوك الأخلاقي إلى كل الناس وفي سن مبكرة، داخل النظام التعليمي الرسمي وفي المنزل، قبل أن تبدأ العنصرية في التجذَّر.

وبالإضافة إلى التعليم، من الأساسي عقد نشاطات مشتركة للعرب واليهود على المستوى العام مع إدانة جميع مظاهر العنصرية من قبل مسئولين حكوميين مؤثّرين، وعلى المستوى البرلماني والتشريعي من قوانين ضد العنصرية يجري تطبيقها بشكل كامل، وفي الإعلام عبر منبر يتم توفيره وتخصيصه لبرامج حول العنصرية، وعلى المستوى المجتمعي من خلال إيجاد نشاطات مشتركة للعرب واليهود من كافة الأعمال وفي جميع المواضيع وبمعونة منظمات المجتمع المدني.

ليس التفاؤل هو المحرّك الوحيد لأعمالنا وتصرفاتنا، ولسنا واقعين تحت وهم أن تختفي العنصرية عن وجه الأرض، ولكننا نستطيع، من خلال التعاون مع يهود وعرب متنوّرين، أن نخفف من مستواه في المجتمع لنحافظ على أضراره محدودة. وكلما أسرعنا في عمل ذلك كلما كان الأمر أفضل.

* تنشط في منظمات سلام مختلفة وتشارك في برامج تعليمية تشجّع القيم الديمقراطية. ولدت الكاتبة في قرية المغار في الجليل وتقيم في القدس، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2541 - الخميس 20 أغسطس 2009م الموافق 28 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً