العدد 2556 - الجمعة 04 سبتمبر 2009م الموافق 14 رمضان 1430هـ

الشعوب إذا حوصرت انتفضت وتحركت

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الفلسطيني، ينشط المبعوثون الأميركيون والأوروبيون في المنطقة لتمهيد الطريق أمام الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية، للقبول بالشروط الإسرائيلية لبدء التفاوض مع العدوّ... وقد تحدثت تقارير رسمية صهيونية مؤخرا أن الاستيطان يتقدّم بسرعة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، كما أن عمليات تهويد القدس تتحرّك بوتيرة متصاعدة.

وقد أصبح من الواضح أن الإدارة الأميركية قد رضخت للشروط الإسرائيلية قبل الإعلان عن بدء جولات المفاوضات بعد الخطاب المقرر للرئيس الأميركي في الأمم المتحدة أواخر الشهر الحالي، حيث أطلقت الضوء الأخضر للعدوّ للاستمرار في عمليات البناء الاستيطاني في القدس الشرقية، وبالسعي العملي لسوق العرب الرسميّين إلى ميدان التسوية، حتى مع إسقاط حق العودة بشكل رسمي، وانتزاعه من عناوين التفاوض وجداولها.

وبالتالي، فإن الحديث عن تجميد الاستيطان أو الإبطاء في عمليات البناء داخل المستوطنات، لا يدخل إلا في نطاق إخراج بعض الأنظمة العربية من حالة الحرج التي تعيشها مع شعوبها للمباشرة بعملية التطبيع مع العدوّ عندما يطلب منها الأميركيون أن تنضّم إلى ما يسمّونه جهود السلام في المنطقة.

إن الخطة التي رسم خطوطها وأهدافها الأميركيون والصهاينة تقوم على إقناع العرب والفلسطينيين بالقبول بما سيبقى من الضفة الغربية، بعد انتهاء المفاوضات، لتقوم عليها الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح وغير القابلة للحياة، وإذا عرفنا بأن ما تبقى من الضفة لا يتجاوز 42 في المئة منها في ظل الانتشار الاستيطاني وتواصل البناء في الجدار الفاصل، اتضح لنا حجم المؤامرة التي يراد للأمة أن توقِّع عليها، والتي يسعى العدوّ لاختراق ساحاتها وتمزيق علاقاتها وأوضاعها بالحروب والفتن الداخليّة المتنقّلة.

إننا نحذّر الفلسطينيين من أن لعبة الأمم قد بدأت تبرز في الأفق من خلال أولئك الذين ارتهنوا للعدوّ وللإدارة الأميركية على الساحة العربية والفلسطينية على السواء، ونحذّر المنظمات العربية والإسلامية الرسمية وغير الرسمية من الانخراط في هذه المؤامرة الخطيرة؛ لأن الشعوب وإن حوصرت بالمخابرات وأنظمة الطوارئ أو بالحصار الاقتصادي والتجويعي، سوف تتحرك لإسقاط كلّ المشاريع الاستكباريّة التي تتحرّك للقضاء على حاضر الأمّة ومستقبلها.

وفي موازاة ذلك، استمعنا إلى حديث أمين عام الجامعة العربية عن أن إيران تتدخّل بشئون الدول العربية، ودعوته هذه الدول مجتمعة للدخول في حوار مع إيران...

إننا نوافق الأمين العام للجامعة العربية على أن تبدأ الدول العربية حوارا جادا مع إيران في كيفية الاستفادة من الخبرات العلمية الإيرانية، والاستعانة بقدرات إيران المختلفة ومواقفها السياسية الداعمة لمواجهة الخطر الاستراتيجي الذي يمثله الكيان الصهيوني على الأمة كلها، لا أن تكون الدعوة للحوار مع الجمهورية الإسلامية محاولة للإيحاء بوجود مشاكل خطيرة معها، لأننا نزعم أن مشكلة إيران الوحيدة تتمثل في موقفها الحاسم من كيان العدو، وفي دعمها غير المحدود للشعب الفلسطيني وفصائله المقاوِمة، ولولا ذلك لهرول العرب إليها، ولعملوا للدخول معها في محور استراتيجي على المستويات الأمنية والسياسية، لأن بعض العرب على مستوى الأنظمة وضعوا في برامجهم السياسية قواعد وثوابت عنوانها الاقتراب ممن يقترب من «إسرائيل»، والابتعاد عمن يبتعد عنها، وعلى هذا الأساس أرادوا لمعاهدات الأمن والدفاع المشترك أن تسير، لتسلك خطوط الآخرين لا خطوط الأمة ومصالحها.

لقد كنا ننتظر من الجامعة العربية أن تقوم بواجبها في الدفاع عن الفلسطينيين في قلب القدس الذين يطردهم الاحتلال من بيوتهم ليلقي بهم في الشارع، أو أن تتحرك جديا لرأب الصدع داخل اليمن لحماية اليمنيين وصون وحدتهم، وقطع الطريق على الفتنة التي أوشكت أن تتوسّع دائرتها وتضغط بأنيابها في كثير من المواقع لتهدد وحدة اليمن ومستقبله ومصيره.

إننا ندعو العرب على مستوى الأنظمة، وفي المنظمات الرسمية، وفي الجامعة العربية، للاستفاقة من كبوتهم، والتبصّر بما يجري حولهم، لأن دفن الرؤوس في الرمال والتغافل عن خطر العدوّ الحقيقي للأمة سوف يجلب العار لساحاتهم، وسيتسبب بخسائر باهظة تدفعها الشعوب العربية من مخزونها السياسي والاقتصادي، ومن مستقبل أجيالها وأمنها الاجتماعي والعسكري وما إلى ذلك.

أما لبنان، فقد أصبح عرضة للأمراض السياسية المزمنة بفعل هذه الاستجابة الداخلية للشروط التي تُفرض من الخارج، حتى على مستوى تشكيل الحكومات وتوزيع الحقائب...

إننا نخشى على هذا اللبنان من السقوط في متاهات الخضوع لتعليمات الخارج التي تلبس لبوس النصائح، كما نخشى عليه من الضغوط الدولية والإقليمية التي جعلت من هذه الوزارة أو تلك وديعة لهذا المحور الدولي وذاك المحور الإقليمي، ليواصل حركته التدميرية في ربط البلد بالمشروع الخارجي الذي يضع الأمن الإسرائيلي في أولوياته الكبرى، ويرهن الأمن اللبناني لحسابات العدوّ القصيرة والبعيدة المدى.

إننا ندعو المسئولين في لبنان للتحرر من ضغط المحاور الدولية، والخروج من دائرة التعليمات الخارجية، حتى يحصلوا على حكومة وحدة وطنية حقيقية، وحتى يضمنوا مستقبل بلدهم، ويؤمّنوا الحماية الحقيقية لشعبهم وبلادهم.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2556 - الجمعة 04 سبتمبر 2009م الموافق 14 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً