العدد 256 - الإثنين 19 مايو 2003م الموافق 17 ربيع الاول 1424هـ

قانون الأحوال الشخصية... اختلاط الأوراق

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

اختلطت الأوراق بشكل حاد، فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية؛ فعلماء الدين الشيعة - وفي مقدمتهم أحد كبار العلماء الشيخ عيسى أحمد قاسم - وقفوا بصورة عامة ضد إصدار قانون الأحوال الشخصية. وأدى تصدي العلماء إلى تثبيت رأي معارض صادر من جهة دينية لها ثقلها الاجتماعي - السياسي. وهذا أوصل الأمر إلى أن تتخذ جمعية الوفاق وجمعية التوعية وجمعية المستقبل (وغيرها من الجمعيات السائرة في الخط الذي يتصدره دينيا علماء الدين المعارضون للقانون) موقف الصمت أو الانتظار حتى تتحرك الأمور من دونهم - ان استطاعوا ذلك.

في المقابل تحركت الجمعيات المنادية بحقوق المرأة وعدد من الفعاليات الدينية (على المذهب السني) لمساندة مشروع قانون الأحوال الشخصية، ما ادى إلى بلورة اتجاهين متناقضين بشأن موضوع لم يتوقع كثير من الناس ان يُحدِث مثل هذا التناقض في الآراء.

علماء الدين المعارضون اجتمعوا مع جلالة الملك الأسبوع الماضي، فيما يبدو محاولة لتفهم وجهات النظر المختلفة، وصرح بعد ذلك الشيخ عيسى قاسم بأنهم توصلوا إلى تفاهم من دون الاشارة الى نوع ذلك التفاهم. ثم تواصلت الحوارات العامة، وتكللت يوم امس الأول بمؤتمر صحافي أعلن فيه ناشطون عن خطوات معاكسة للخطوات التي أعلنها علماء الدين المعارضون.

من وجهة نظر العلماء الذين عارضوا القانون، فإن اصدار القانون وتغييره لا يمكن ان يسلم إلى «سلطة دنيوية» متمثلة في وزارة أو برلمان؛ لأن النصوص الشرعية فيما يخص المال الخاص والتزاوج والطلاق والإرث وباقي الأحوال الشخصية أحكام نابعة من الفقه، ولا يسمح لأحد بالتصرف في هذه الأمور إلا الفقيه.

من الناحية العملية فإن المحكمة الجعفرية الحالية فيها فقيه واحد معترف به من قبل الحوزات العلمية بدرجة علمية تؤهله لاصدار أحكام شرعية في هذا المجال، وهو الشيخ حميد المبارك. والفقيه المبارك عينته السلطة السياسية (الدنيوية) كما عينت غيره من القضاة الشرعيين. والسلطة التي عينته هي السلطة نفسها التي تستطيع - لو أرادت - إبعاده عن منصبه، كما هو الحال مع أي منصب مماثل. وحتى مع تشكيل مجلس القضاء الأعلى، فإن الأمور في البحرين متداخلة وهي خاضعة لاعتبارات سياسية - دنيوية على أي حال.

وكغيره من الفقهاء فإن الشيخ حميد المبارك - ومن دون ان يكون لي حديث معه عن هذا الأمر - لابد انه يؤمن بضرورة تنظيم الأحكام الشخصية المعنية بها المحكمة التي يعمل فيها. وهذا هو الحال لو كان يعمل في إيران مثلا، فالمحاكم هناك لها ايضا اجراءات ولها أحكام ولها أسس. وأعتقد ان الاختلاف ليس في ضرورة وجود أحكام وضوابط لتنظيم المحاكم الشرعية المختصة بالأحوال الشخصية، ولكن الاختلاف يكمن في من يصدر هذا القانون ومن يعدل القانون ومن له السلطة «الشرعية» في ذلك. ففي نظر علماء الدين ان ما يخص الأعراض والتناسل والتوارث له نصوص شرعية لا يسمحون بتجاوزها. ولو سمحوا لمؤسسة «دنيوية» إصدار هذا القانون فإن هذه المؤسسة الدنيوية بإمكانها ان تغير حكما من الأحكام الشرعية لاحقا من دون ان يكون هناك إمكان لمعارضته على أساس شرعي.

من الناحية الاخرى فإن أوضاع القضاء الشرعي لا يمكن ان تبقى كما هي عليه الآن، في عدم الالتزام بإجراءات منظمة، وعدم وجود وسيلة عقلانية للتعامل مع القضايا وترك المجال بصورة عائمة للقاضي ليحكم كما يشاء ومتى يشاء وكيفما يشاء. هذا الاسلوب أدى إلى حدوث مشكلات كبيرة واتهامات لم تتوقف حتى بعد توقف المظاهرات النسائية أمام المحاكم.

واعتقد ايضا (من دون ان أتحدث للفقيه الذي يعمل داخل المحاكم أو الفقهاء خارج المحاكم) أنهم يعلمون بالمشكلات كلها، وانهم يتألمون كما يتألم المواطنون المتضررون من وضع المحاكم الحالي. ولكن تألمهم هذا ومعارضتهم من جانب آخر يوحي وكأنهم من دون بديل لهذه الوضعية الشائكة. وعدم طرح البديل للوضع الحالي يقوي الداعين إلى إصدار قانون أحوال شخصية يحمي المواطنين من الأساليب السائبة وغير الملتزمة بأحكام واضحة، وليس من المعلوم إذا كانت تتوافق مع الشريعة الاسلامية على أي مذهب إسلامي كان.

ربما، نحن بحاجة إلى إصدار قانون أحوال شخصية برعاية فقهاء، وأن يكون تعديله بإشرافهم. ولكن هذا سيفتح اشكالات أخرى، فمن هو الفقيه الذي سيسمح له بإصدار قانون؟ وعلى أي اساس؟ وما هي الصيغة المقبولة للسلطة السياسية/القضائية البحرينية، ومقبولة ايضا للفقهاء الذين سيعتمدون؟ وكيف سيعتمدون؟

المحاكم الشرعية كانت أساسا تدار من المنازل حتى العشرينات من القرن الماضي، عندما قررت الادارة التي كان يشرف عليها المستشار البريطاني تشارلز بليغريف تأسيس محاكم رسمية، ومنها المحاكم الشرعية. وآنذاك أيضا كان هناك خلاف كبير بين من رفض نقل القضاء الشرعي من المنازل إلى المحاكم الرسمية، وبين من أيّد ذلك. وانتهى الأمر الى تشكيل لجنة تمثل أعيان البلاد المقبولين دينيا لاختيار القضاة، ولكن اللجنة ظلت في خلاف سرطاني طوال عشر سنوات حتى 1937. بعدها قرر المستشار الغاءها وإقالة عدد من القضاة وقام بانتداب الشيخ عبدالحسين الحلي من العراق وطلب منه تنظيم القضاء. وهكذا قام الحلي بتنظيم المحاكم حتى وفاته في نهاية الخمسينات. ومنذ نهاية الخمسينات حتى يومنا هذا لم يخرج لنا شخص مثل الحلي يمسك بيديه العملية ويحل اشكالاتها بحسب اجتهاداته او اجتهادات غيره. وهكذا وصلنا إلى وضعنا الحالي غير المقبول من أطراف كثيرة بمن فيهم الفقهاء والعلماء المعارضون... ويبقى الخلاف على طريقة الحل، وليس المشكلة

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 256 - الإثنين 19 مايو 2003م الموافق 17 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً