العدد 2561 - الأربعاء 09 سبتمبر 2009م الموافق 19 رمضان 1430هـ

فقدُ الشبابِ... فجائع ورسائل!

حسن المدحوب hasan.madhoob [at] alwasatnews.com

.

كم هي عزيزة علينا الدنيا حتى نخاف فراقها بهذا القدر الكبير، كم هي ثمينة وغالية على أنفسنا لنجمع لها، ونكدّس ونوّفر، ونحابي ونظلم ونتملق، ونحرم ونمنع ونقطع الأرحام ونهلك الحرث والنسل من أجلها، في حين إننا قد نمضي منها في غمضة عين أو لمحٍ للبصر، بلا موعد ولا ترقب.

أعيانا طول الأمل، وأمات القلوب حب الدنيا، فصرنا نتهافت عليها تهافت المخلدين المعمرين إلى أزل الآزلين، فلم نَرْعَوِ، ولم نقف عن حدٍ على رغم أننا نعرف إن العمر وإن طال فهو قصير، وكل مَن على الدنيا راحل عنها يوما.

أفجعني كما أفجع الكل حقا فقْدُ الشباب وموتهم الذي أصبح هذه الأيام حدثا متكررا، فلا أشد مما يفجع القلب ويشجي النفس من فقدِ هؤلاء، فهم الأحباب وهم الورود التي لم تتفتح إلا يسيرا قبل أن تذبل، وما الآهات التي تبثها الصدور بكثير على من مضوا وهم في عمر الورود النضرة، فيا حسرة على شبابهم، ويا ألما ما بعده ألم على فراقهم.

لست أتحدث هنا عن تجربة شخصية أو خاصة، لكنني أعلم يقينا أنه ما من بحريني إلا ويفجع ويألم حينما تصل إلى مسامعه أنباء فقد أولئك الشباب الذين يتساقطون موتى الواحد تلو الآخر في مختلف مناطق البحرين، فهذا طفل، وتلك شابة وذاك شاب في العشرين من عمره مضوا إلى بارئهم في سكون غير إنهم تركوا أهليهم وبنيهم وأحباءهم في بكاء ونحيب، فلا أشجى وأمرّ من فقد الأم لابنها الذي كان أمامها من لحظات، ولا أمرّ من أن يتيتم طفل أو طفلة من أمهم أو أبيهم الذي فارقهم ولمّا يبلغوا الفطام بعد.

ما يجري في البحرين هذه الأيام، حدث يصيب الإنسان بالذهول، فما أن «تكسر» فاتحة لهذا الشاب المتوفي بالنوبة القلبية، حتى نفجع بثانٍ وثالث بذات العلة أو بغيرها فما أكثر النوبات القلبية والحوادث المميتة هذه الأيام، حتى بات الكثيرون يتوهمون أنهم لن يستيقظوا من نومهم بعد أن تغفو عيونهم، فيما يظن آخرون أنهم لن يعودوا لبيوتهم بعد خروجهم منها.

الموت حق، لكن الكثيرين في غفلة عنه، يحسبون أنهم في الدنيا مخلدون، وفي نعيمها باقون، ولا يعلمون أن حياة أي منا - أبعد الله الشر عنكم - قد تسلب في لحظة واحدة، وإذا كان ما أقوله إنشاء وسردا، فإن زهراء وحنان وسيد رضي وأحمد ومحمود وهم شباب وأطفال من سترة والسنابس والقدم والمنامة والبلاد القديم ممن فاضت أرواحهم إلى بارئهم في الفترة القريبة الماضية أصدق في الدليل وأمضى.

إذا كان الإنسان قد يغادر الدنيا في لحظات، أفلا يترك ظلم نفسه وغيره، فمن سرق البر والبحر، وسرق واختلس ونهب ورشى، وحرم البسطاء وأفقَرَ الناسَ ألا يتذكر أنه قد يغادر الدنيا في ساعته ويومه، فعلام الظلم وغبن الآخرين، وعلام التمييز وعلام الفساد، وعلام كنز الملايين من الدنانير فيما الغالبية يعيشون بضنك في حياتهم، وعلام اغتصاب الأراضي، إذا كان المآل والختام حفرة لا تتسع لأكثر من الجسد!

وعلام يعيش الأهالي في ضيق من الحال، وعلام هذه الطبقية الفاحشة، وعلام التخطيط في ظلام الليل لانتهاب حقوق العباد وتغيير تركيبة البلد وإذلال الأصلاء وجلب الدخلاء، في بلد نفطي وجزيرة تحيط بها الخيرات من كل حدب، علام كل ذلك وقد يمضي الإنسان في غمضة عين إلى بارئه إذ يُحصى عليه كل كبيرة وصغيرة، وإذ لا ينفعه إلا العمل الصالح، فلا منصبه وهلا هيلمانه، وثروته ولا جبروته يجدي!

أولئك الشباب الذين ذهبوا عنا رسائل يبعثها صاحب الأمر لنا جميعا لعلنا نستيقظ مما نحن فيه من غفلة، الموت لا يعرف غنيا ولا فقيرا، ولا ظالما ولا مظلوما، لا نريد أن تكون عبارتنا بين يدي الله «يا حسرة على ما فرّطت في جنب الله» نريد أن نتأسى بعليٍّ (ع) حينما ضربه أشقى الأشقياء حين قال «فزت ورب الكعبة»، فللأولى طريق وللثانية طريق فأيهما نختار؟

إقرأ أيضا لـ "حسن المدحوب"

العدد 2561 - الأربعاء 09 سبتمبر 2009م الموافق 19 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:26 ص

      يا الله بحسن الخاتمة

      "الموت يأتي فجأة والقبر صندوق العمل" فهنيئا لمن يمهد لرقدته بالعمل الصالح المخلص وتبا لمن يكتنز الذهب والفضى وووووووووو
      بقدر ما تمتلك بقدر ما يطول وقوفك أو يقصر فالحساب شديد والناقد بصير

    • زائر 4 | 1:32 ص

      انها الغفله

      هذا زمن الغفله. اعوذ منها.
      لا بد من انتضار الفرج.
      احيا الله قلوبكم جميعا ان شاء الله.

    • زائر 3 | 1:04 ص

      عظم الله أجور جميع الفاقدين والثواكل !!

      الموت خير واعظ .. ولكنك قلتها .. أعايانا طول الأمل .. وكل منا يعتقد أنه وأحباؤه بعيد كل البعد عن الموت .. حتى يفجعه في وسط بيته ... لقد ناديت لو أسمعت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي ... هم أموات الأحياء كما عبر أمير المؤمنين عليه السلام عنهم .. ولذا لا يعبأون بالموت ... حتى يسخر منهم !

    • زائر 1 | 11:03 م

      العبرة في المقبرة ثم تطير

      لو إعتبر فرعون لما جرى للنمرود فستكون الدنيا واسعة لللجميع والله سبحانه وتعالى جعلها تسع للجميع ولو يزيد عدد البشر أضعاف عدد سكان العالم اليوم ولكن الظلم الذي يفعله الإنسان بأخيه الإنسان هو نقطة الفصل فلو كل شخص أخذ حقه من هذه الدنيا لما وجد جائع ولا محتاج لسكن او زاد او عمل أو أو لقد عرضت الأمانة على السماوات والأرضين والجبال فأبين أن يحملنها فحملها الإنسان فكان ظلوما .

اقرأ ايضاً