العدد 2565 - الأحد 13 سبتمبر 2009م الموافق 23 رمضان 1430هـ

الأفكار المطلوبة أمنيا

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

جميلة هي فكرة الكاتب والإعلامي القدير سليمان الهتلان حين كتب:

«شرحت رأيي في خطأ ارتكب - وساهمنا جميعا فيه - بعد حادثة الحرم المكي المحزنة في أواخر 1979 وهو أننا قتلنا جهيمان لكننا - فيما بعد - رعينا فكره ونفذنا كثيرا مما كان يتمناه. لم أكن أحتاج إلى أدلة كبيرة تثبت هذه الفكرة فيكفي - على سبيل المثال - أن نقارن بين خطابنا الإعلامي ما قبل وما بعد جهيمان وقس على ذلك برامج التلفزيون والإذاعة ومناهج التعليم وأنشطة الجامعات وثقافة المجتمع إجمالا. كانت الإشارة لمثل هذه الفكرة من المحرمات الكبرى عند بعض حراس الرأي في بلادي وعند كثير ممن يظنون أن بوسعهم أن يمارسوا وصاية فكرية على أهل الرأي المختلف حتى وإن فروا بعيدا بعقولهم عن ثقافة القمع والإقصاء. مرت أشهر طويلة، بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، وكثير منا يرفض الاعتراف بأي خطأ في مناهجنا وفي خطابنا الديني وفي رؤيتنا للآخر ولأنفسنا».

منذ انفجار العليا في الرياض العام 1995 والانفجار الذي تلاه في الخبر العام 1996 إلى تاريخنا هذا (14) عاما، كان الإرهاب فيها حاضرا وهاجسا وضاغطا على النسقين الرسمي والأهلي في بلاد عرفت بالأمن والأمان.

وكانت الحرب التي خاضتها المملكة ممثلة في قيادتها وأجهزتها الرسمية والأمنية عنيفة وشرسة، لا هوادة ولا ارتخاء فيها، وقد حققت نجاحات لا يمكن إغفالها أو غض الطرف عنها في الكثير من قوائم الأسماء المطلوبة أمنيا، التي قبض عليها، وكذلك في الضربات الاستباقية التي وجهتها الدولة.

القوائم بأسماء المطلوبين أمنيا كانت تكر، وكانت كل قائمة تفاجئنا بأن عددا كبيرا من المطلوبين صغار في أول أعمارهم وفي بدايات شبابهم، مما يكشف أن الفكر الذي أنتجهم ما زال قويا ومدعوما ومتحركا.

لن ننتهي أبدا من القوائم الأمنية بأسماء الأشخاص مادامت الأفكار حية تتحرك، وأنا متأكد أن الأسماء ستتعبنا إذا استمر تعاطينا على هذا النسق، لا بد من إعداد قائمة بالأفكار المطلوبة أمنيا، دون الاكتفاء بالأسماء فقط، ولنبدأ بالمطلوب الأول/ وهو التكفير الخطير، يجب أن يكون مطلوبا بعموماته، فهو لا يتجزأ ونحن نسعى ونحاول تجزئته، فنتغاضى عن التكفير في جهة ونسخط عليه في جهة أخرى.

المطلوب الثاني/ هو إلغاء الآخر وشطبه، لأنها بداية الفتك به، وطريق التطاول عليه، والخطوة الأولى لسلب بقية حقوقه، التي تبدأ بحق المشاركة والحضور وتنتهي بحرمانه من حق العيش والوجود.

المطلوب الثالث/ خطاب التحريض الذي يطل علينا بين الفينة والأخرى، دون حسيب أو رقيب، فهو كما نعتقد مجرد كلام لا يغير من الواقع شيئا، ولذلك لا يحاسب من يقوله ولا يقاضى ولا يعاقب بل يزداد في غيه وتحريضه.

أيها السادة مازال فكر التطرف حيّا وموجودا، وقد كتب الأستاذ قينان الغامدي أن : وزارة الشئون الإسلامية ضمن جهودها المشكورة في مكافحة التطرف والمتطرفين الواقعين في حدود مسئوليتها وضمن برنامجها الكبير (برنامج العناية بالمساجد، ومنسوبيها) أبعدت 3200 إمام وخطيب مسجد، بسبب أفكارهم المتطرفة، وتوضيحا لذلك قال وزير الشئون الإسلامية الشيخ صالح آل الشيخ «إن البرنامج يضم لجنة مشكلة من علماء، تقوم برصد تجاوزاتهم في خطبهم أو تصرفاتهم ويتم مناقشتهم حتى يتم إقناعهم، وبذلك يبقون في أعمالهم، ومن لم يقتنع يتم إبعاده بتوصية وقرار من اللجنة.

الصورة واضحة الآن، فهؤلاء الـ 3200 إمام وخطيب، تم إبعادهم لأنهم لم يقتنعوا بتغيير أفكارهم، وهي أفكار مرفوضة في نظر اللجنة التي يُفترض أنها تناقش وتدعو إلى «منهج الاعتدال»، والسؤال الطبيعي هو: أين ذهب ويذهب هؤلاء بأفكارهم المتطرفة أو «المغلوطة»؟، أليسوا باقين بين ظهرانينا؟ وإذا كان إبعادهم عن الإمامة والخطابة يضمن تقليص قدرتهم على نشر أفكارهم بين عشرات أو مئات الناس علنا، فمن يضمن عدم نشر أفكارهم - التي لم يقتنعوا بتغييرها - سرا بين الأفراد، ثم من يضمن عدم تكاثر هؤلاء الأفراد، إلى الضعف ثم الضعفين، (الوطن 27/3/2009).

فهل تنهي ملاحقة الأسماء أمنيا كل شيء؟

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 2565 - الأحد 13 سبتمبر 2009م الموافق 23 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً