العدد 257 - الثلثاء 20 مايو 2003م الموافق 18 ربيع الاول 1424هـ

العراق: بدأت حرب العصابات ضدّ الأميركان من دون إعلان

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

اذا كانت وكالة المخابرات المركزية قد نبهت في تقرير وضعته أخيرا امام الرئيس بوش الى احتمال نشوب حرب عصابات في العراق، فالوكالة لم تتبنّ هذا التوقع من فراغ، بل نتيجة مؤشرات نابعة مما يحصل في العراق وفي بغداد على وجه التخصيص. فسيطرة القوات الاميركية على بغداد والاطاحة بنظام صدام حسين لا يعنيان ان الحرب انتهت، ولا تعني فرحة العراقيين بالخلاص من الطاغية انهم قبلوا بالاحتلال الاميركي. بل ان المؤشرات تشي بأن حرب العصابات ضد قوات التحالف قد بدأت فعلا.

ربما السرعة المفاجئة الى حد ما لسقوط صدام حسين الذي جثم على اليقظة والحلم ثلاثين عاما في العراق ومشاعر الذهول برزت وكأنها اكبر من الرغبة في مقاومة قوات الاحتلال، ولكن مع استمرار تدهور الوضع الامني والحياتي بدأت تتصاعد توجهات مقاومة الاحتلال. والمؤكد ان ثمة مقاومة آخذة في التزايد صارت تلاحق هذه القوات ولاسيما في بغداد، ولعل اشارة وزير الدفاع الاميركي رامسفيلد إلى ان الأمن غير مستتب في العراق لم يكن منبعها فقط تعرض موكبه شخصيا لإطلاق نار أثناء تنقله بين المطار الدولي ومقر إقامته في بغداد عندما زارها اوائل الشهر الجاري وانما ايضا مصدرها المقاومة التي تتواصل وتتزايد. هذه المقاومة التي تؤكدها بصيغ غير مباشرة النداءات التي يبثها راديو شبكة المعلومات الناطق بلسان قوات التحالف في العراق والذي يدعو فيها العراقيين الى تقديم معلومات عن المتطوعين العرب الذين جاءوا الى العراق زمن الحرب ويرصد مكافأة مالية لذلك، فضلا عن النداءات الى السكان العراقيين بضرورة عدم التقرب من الدبابات الاميركية ، وهذا يؤشر إلى ان ثمة حوادث وقعت لهذه القوات بعد ان تمكن المهاجمون من الوصول الى مسافات قريبة من القوات الاميركية.

بدوره المشهد اليومي للحركة الدؤوبة لعجلات هامر يفصح عن الكثير ولاسيما وهي تتنقل بشكل ثنائي في أزقة الاحياء السكنية ، ولتكون كل واحدة منها في حال جهوزية لاطلاق النار من الرشاش المتوسط وقواذف الصواريخ ضد الابنية وليكون وجه المسئول عن الرشاش في العجلة الاولى الى الامام في حين يكون وجه المسئول عن الرشاش في العجلة الثانية باتجاه الخلف . والملاحظ في هذا الصدد ان جميع الابواب لهذه العجلات قد تم رفعها بما يسمح للجنود الموجودين في داخلها باطلاق النار فورا ، وكثيرا ما يشاهد الجنود الاميركيون وايديهم على زناد بنادقهم .

هذا المشهد وإفصاحاته يبدو اكثر جلاء، في سياق تحركات ناقلات الاشخاص المدرعة نوع برادلي، وهي تتحرك بدورها بشكل ثنائي في الشوارع تاركة اثار سرفها على الاسفلت، وعادة ما يظهر جندي او جنديان من برج الناقلة وهما يجولان ببصرهما باتجاه العمارات السكنية واسطح الدور السكنية. وخصوصا ان هذه الناقلات بين الحين والآخر تقوم بإنزال عدد من أفرادها في بداية احد الشوارع لتمشيطها سيرا على الأقدام.

واذا كان كل ذلك يمنح سكان بغداد العلم بوجود مشكلة في هذا المكان او ذاك، فانهم على الارجح لا يعرفون تفاصيلها مثلهم مثل آخرين باستثناء القوات الاميركية، ومن هنا تبدأ التكهنات وتزداد معها الشائعات. ولكن الغريب وسط ذلك كله وعلى رغم ان بغداد تعج بمراسلي الفضائيات والاعلاميات من كل حدب وصوب فإنه لم يتم إلقاء الضوء على ذلك.

غير ان سكان بغداد في بعض الأحيان يشاهدون الحدث بكامله امام اعينهم وهو ما حصل فعلا في منطقة الشورجة المزدحمة (وهي سوق كبيرة يرتادها الكثير من اهالي بغداد والمحافظات الاخرى لتسوق المواد الغذائية والمنزلية)، ولغرض تسهيل حركة انتقال المارة عبرها إذ زحام السيارات تم قبل سنوات نصب جسر مخصص للمشاة يربط رصيفي الشارع . وفي احد الايام القليلة الماضية صعد احد الاشخاص فوق هذا الجسر واتكأ على مسنده، وفي تلك الاثناء كان الازدحام شديدا في الشارع الى درجة تقتصر فيها حركة السيارات على عدة امتار كل بضع دقائق، وما ان ظهرت عجلة هامر تابعة للجيش الأميركي الى المنطقة اسفل الجسر المخصص لعبور المشاة وتوقفها بسبب الزحام حتى افرغ الشخص من فوق الجسر مخزن بندقيته المكون من ثلاثين طلقة في العجلة، ليلقي بعد ذلك بندقيته وينزل من الجسر وكأن شيئا لم يكن. واذا كان الجيش الاميركي قد اعلن هذا الحادث وذكر ان 4 جنود اميركيين اصيبوا بجروح احدهم جروحه خطيرة. فانه لم يعلن الكثير من الحوادث المثيلة ومن بينها حادث وقع في حوالي الساعة التاسعة صباحا من يوم 7 الجاري في شارع فلسطين إذ استخدم المقاومون الرشاشات المتوسطة ومدافع الرشاشات ، ومرة اخرى لم تغطّ هذه الحوادث المعروفة لدى سكان العاصمة العراقية من قبل وسائل الاعلام المختلفة وفي واقع الحال، ان سكان العاصمة العراقية يتبادلون الاحاديث عن سماعهم بشكل يومي اطلاقات اسلحة خفيفة بعد حلول الظلام ، واضحوا يميزون صوت بندقية ام 16 الاميركية، في حين صدى صوت بندقية الكلاشنكوف المألوف لاسماعهم واضح من مسافات بعيدة... والجديد على اسماعهم هو صوت الرشاش المتوسط عيار 0,5 انج المنصوب على مدرعات برادلي ودبابات ام -1 الذي عادة ما يتبعه انفجار او انفجاران يهزان بيوت الحي السكني ، وكثيرا ما يلحق ذلك و بعد مضي نحو 10 - 15 دقيقة صوت طائرات الهجوم الارضي نوع اي 10 وهي تقوم بهجمات تشبيهية على منطقة الانفجار ، ليعقب ذلك سماع سكان الحي السكني الصوت المميز للطائرات المروحية الاميركية وهي تحوم... وبعد تحليق قد يقصر فيبلغ ربع ساعة او يطول فيستمر نصف ساعة او اكثر تذهب البلاكهوك او الشينوك.

ويعلق بهذا الصدد الخبير الاستراتيجي العراقي محمد احمد لـ ( المستقبل ) ويشير إلى «انه من الواضح ان مقاومة مسلحة للقوات الاميركية مازالت قائمة على رغم التعتيم عليها واصوات طائرات الاستطلاع من دون طيار سواء كانت البرديتور الاميركية او الفينكيس البريطانية تسمع من قبل معظم سكان بغداد منذ حلول الظلام حتى الشفق وبشكل يومي خلال الاسبوعين الماضيين بحثا عن المقاومين». ويضيف الخبير الاستراتيجي قائلا: «وهذه الانواع من الطائرات مزودة بأجهزة رؤية ليلية تتيح لها تمييز وجه شخص في ظلمة الليل البهيم ، ويبدو ان ذلك لم يفلح في تقليص المقاومة ، اذ صارت القوات الاميركية تستعين بطائرات بي -13 اوريون التي تطير على ارتفاع عال، وهي تحمل في جسمها الضخم اجهزة معقدة للاشعة تحت الحمراء غايتها كشف أية حركة غير طبيعية في احياء العاصمة ، وهذا النوع من الطائرات صار يحلق ساعات طويلة في سماء بغداد بهدف كشف تحركات المقاومين».

ولعل السؤال المطروح: هل هذه المقاومة نابعة من مؤيدي نظام صدام حسين؟ ام ماذا؟

طبعا من الصعب الجزم بشأن الاجابة على هذا السؤال، ولاسيما ان الرئيس المخلوع صدام وجه غير دعوة إلى الشعب العراقي أخيرا من اجل مقاومة الاحتلال... كما تردد ان صدام نفسه لايزال يملك قدرة التواصل مع نحو ثلاثة آلاف من بقايا حرسه الخاص والحرس الجمهوري وميليشات الفدائيين التي كانت تحمل اسمه سابقا. لذلك فان احتمال ان تكون هذه المقاومة من تدبير النظام السابق امر وارد. ولكن في الوقت ذاته من الواضح ان الحنق بات يتأجج ويشتعل الغضب في نفوس قطاعات واسعة من الشعب العراقي ضد القوات الاميركية في ظل الأوضاع المأسوية التي يعيشها العراقيون حاليا والتي لا تبدو لهم انها مؤقتة ولكن بدت لهم انها قابلة للاستمرار لان قوات الاحتلال الانجلو اميركية تقصد استمرارها. وبالتالي بدأت ملامح التوجه الى خيار الخلاص من الاحتلال عبر المقاومة المسلحة تبرز في احاديث الشباب، وربما احتاج مثل هؤلاء الشباب إلى من يقودهم الى هذه الوجهة حتى تتسع اعمال المقاومة وحرب العصابات ضد قوات التحالف

العدد 257 - الثلثاء 20 مايو 2003م الموافق 18 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً