العدد 2576 - الجمعة 25 سبتمبر 2009م الموافق 06 شوال 1430هـ

جدليات التفكير الديني في إيران (3)

عبدالجبار الرفاعي comments [at] alwasatnews,.com

مفكر اسلامي عراقي

عبدالجبار الرفاعي

عبدالجبار الرفاعي - مفكر إسلامي عراقي 

ويقتفي فرديد أثر هايدغر في القول بروح الحقب التاريخية، وفلسفة الوجود والطبيعة الآسرة للتكنولوجيا الحديثة، فيدعو إلى الانشداد للمعارف المعنوية أو الفلسفة الأخلاقية، التي يشترط فيها أن لا تخلو من الباطنية الإلهية، ويؤكد أن للبشر ثلاثة أبعاد، هي: بعد علمي، والثاني فلسفي، والثالث معنوي، وعلى الرغم من أن الأول والثاني احتلا مساحة واسعة في السنن الفكرية الغربية، بيد أن الثالث ظل غائبا وباهتا بشكل فاضح. وبالتالي يسعى فرديد للقطع مع الغرب، ونبذ رؤيته للوجود، والفرار من أسلوب حياته. ويعتقد أن مناهضة الغرب تتطلب الغور في كنه الفلسفة والانطولوجيا الغربية. وعلى ضوء مفهومه للغرب صاغ فرديد مصطلحا حساسا مشبعا بالتحريض، لتصوير طبيعة العلاقة بالغرب هو (غرب زدكي = داء الغرب، التسمم بالغرب، وباء التغرب، نزعة التغريب). والذي استعاره فيما بعد الأديب والناقد جلال آل أحمد (1923 - 1969) التائق إلى استعادة الذات، فعمل على تعبئته بحمولة ايديولوجية متوهجة، عندما أصدر كتابا بهذا العنوان سنة 1962.

وتميز آل أحمد بتوجسه الشديد من كل شيء يرمز للغرب وثقافته، وبالأخص معطيات التكنولوجيا الغربية، فهو يعتقد ان كل شيء في عالمنا تدنسه المَكَنَة و (يتمكنن) وحينها يجري تهشيمه ونسفه. إن كتاب جلال (غرب زدكي) نص سجالي مشبوب بالإثارة، والنقد الايديولوجي للغرب، وهو بمثابة الشعر الملحمي، الذي يعمل على تعبئة الجماهير، وإلهاب حماسها، في مناهضة كل ما هو غربي.

لكن بعد مضي 30 عاما على صدور كتاب جلال راحت النخبة الإيرانية تنشد لها صورة بديلة للغرب، صورة تحاول أن تكون أكثر حيادا وموضوعية في تقييم المكاسب المعرفية والتكنولوجية للغرب الحديث، صورة تستبعد الرؤية الخطأ التي تحسب تمام مكاسب الغرب ومعارفه ليست سوى مَكَنَة فقط، وتتجاهل العلوم الطبيعية، والعلوم البحتة، والعلوم الإنسانية، والآداب، والفنون، والحقوق،... وغير ذلك. فلا يصح اختزال أية حضارة في بعد واحد، ومن الخطأ عدم التمييز والخلط العشوائي بين العلم والتكنولوجيا والمعارف والفنون والآداب الغربية من جهة، والاستعمار الغربي من جهة أخرى. لابد من رؤية نقدية تركيبية، والتحرر من الرؤية الشمولية الاطلاقية غير الموضوعية في التعاطي مع الغرب.

وفي عقدي الستينيات والسبعينيات تواصلت الدعوة إلى (العودة الى الذات) لدى علي شريعتي (1933- 1977) الذي استلهم أفكار صديقه فرانتز فانون في (المعذبون في الأرض) واهتم بتغذيتها بروح دينية، واكتشاف جذورها الإسلامية، بدلا من الخصوصيات العرقية واللغوية والتاريخية للعالم الثالث في كتاب فانون. وشريعتي خبير في علم الاجتماع الديني ومقارنة الأديان، التحمت في شخصه عناصر الداعية والمثقف والباحث، وذابت الحدود في خطابه بين هذه العناصر، وأمسى الوجه الحقيقي للمثقف في وعيه هو الداعية، واستحالت الثقافة لديه إلى ايديولوجيا، وعكف على (أدلجة الدين والمجتمع). يقول شريعتي: «سألني أحد رفاق الدرب: ما هو برأيك أهم حدث وأسمى إنجاز استطعنا تحقيقه خلال السنوات الماضية ؟ فأجبته: بكلمة واحدة، هو تحويل الإسلام من ثقافة إلى ايديولوجيا».

ويبدو أن الهموم النضالية لشريعتي، وجهوده الحثيثة لأنسنة الدين، والإفصاح عن مدلولاته الاجتماعية، وتقليص أسراره، وأبعاده الميتافيزيقية، وعوالمه الباطنية، هي الباعث لمسعاه في تحويل الإسلام (من ثقافة إلى ايديولوجيا). ومما لاريب فيه أنه كان شديد التأثر بجماعة لاهوت التحرير، ودعوتهم لتحويل الدين إلى ايديولوجيا لمناهضة الاستعمار، وتكريس لاهوت الأرض، بعيدا عن مدارات اللاهوت الكلاسيكي.

إقرأ أيضا لـ "عبدالجبار الرفاعي"

العدد 2576 - الجمعة 25 سبتمبر 2009م الموافق 06 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً