العدد 258 - الأربعاء 21 مايو 2003م الموافق 19 ربيع الاول 1424هـ

الأحوال الشخصية: الحركة هي الأساس

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الحوارات المستمرة بشأن الاحوال الشخصية تخطت موضوع التسيب في المحاكم الشرعية التي تبت في القضايا المتعلقة بالاسرة إلى جوهر الحديث عن التشريع الإسلامي في عصرنا. التشريع الاسلامي يركز على العبادات والمعاملات، وبينما تركز العبادات على علاقة الانسان بربه، تركز المعاملات على علاقة الانسان بأخيه الانسان. ولفهم التشريع الاسلامي في العبادات والمعاملات فإن فقهاء الاسلام اعتمدوا القرآن والسنة كمصدرين اولين للتشريع واختلفوا في اعتماد مصادر أخرى مثل العقل والاجماع والقياس وغيرها.

وبينما اتفق جميع المسلمين على القرآن من ناحية النص اختلفوا على تفسير النص كما اختلفوا حول «السنة». فالسنة اساسا هي قول الرسول (ص) وفعله وتقريره، ولكن ايضا هناك ما قاله صحابة الرسول (ص) وعمل به أئمة أهل البيت (ع). لذلك فإن السنة كنص اختلف فيه من حيث صحة هذا السند او عدم صحته، واختلف المسلمون في فهم مدلول الحديث الوارد عن الرسول (ص).

وتماما كما اختلف أهل السنة بشأن اعتماد مصادر اخرى غير القرآن والسنة، اختلف الشيعة ايضا بشأن مصادر التشريع، ولذلك فالفقهاء الشيعة يتبعون مدرستين احداهما «اخبارية» تؤمن بالقرآن والسنة كمصدرين وحيدين للتشريع، والاخرى تسمى «اصولية» تؤمن بالقرآن والسنة والعقل والاجماع كمصادر للتشريع. المدرسة الاخبارية هي المسيطرة تقليديا على الحركة الفقهية لدى شيعة البحرين، وهذا يعني ان احكام الدين المعتمدة لدى علماء الدين يجب أن يكون لها سند واضح وصحيح أو نص مباشر في القرآن وفي السنة - اخبار الرسول (ص) والائمة (ع).

وبالنسبة للاحوال الشخصية فإن الفقهاء على المدرسة الاصولية يتفقون (بصورة عامة) على التوجهات التي تنبع من المدرسة الاخبارية، ذلك لأن المدرسة الاصولية تلجأ «للعقل» في منطقة الفراغ والمستجدات التي لم يرد فيها نص، واحكام الاحوال الشخصية تم توضيح كثير منها عبر العصور واصبح هناك تواتر في الاحكام.

لدينا في البحرين عددا لا بأس به من الذين حصلوا على مرتبة الاجتهاد وهم من اتباع المدرستين الاخبارية والاصولية، والمجال مفتوح امام حلول عملية لمشكلة معضلة تواجه المواطنين الذين يحتاجون للمحاكم الشرعية. فهناك قضايا اعتداءات على نساء وعلى اطفال وهناك مصائب كبيرة تصل إلى المحاكم لتبقى سنوات لأن القاضي ليس ملزما بأية اجراءات وليس ملزما بأي ضابط غير ضابطه الذاتي.

وهذا يعود بنا إلى مفهوم الضوابط، فالانسان توصل إلى أن الضوابط المكتوبة والظاهرية والتي يمكن محاسبة المرء عليها هي الاساس للانظمة. أما الضوابط الذاتية فهي شئون تربط المرء بربه ومن الصعب التحقق من ذلك بالنسبة لنا كبشر. ولذلك فإن وجود قاض، حتى ولو كان عادلا ويخاف الله وليس فاسدا، فإن ضابطه الذاتي قد لا يفي باي حال من الاحوال مع تعقد الامور وازدياد القضايا خطورة وحساسية. والقاضي الذي يصل إلى مرحلة الاجتهاد فهو ايضا مطلوب منه ان يوضح عبر ضوابط مكتوبة اجراءات المحكمة والمرافعات وكيفية اصدار الحكم التي سيتبعها لكي يتمكن المحامي مثلا من متابعة الامر حسب نهج معين. والقاضي الذي ليس مجتهدا فإنه ملزم اكثر بأن يوضح الاسس التي يعتمد عليها وما هي ضوابط العمل لديه.

حاليا، القاضي الشرعي فوق الاجراءات المتعارف عليها والتي هي موجودة في بلدان اسلامية وعلى المذهبين. ان الإمام علي (ع) يقول: «اوصيكم بتقوى الله ونظم امركم»، والمطروح هو تنظيم الامر. واذا لم يتم تنظيم الامر فإن الناس سيبحثون عن وسائل اخرى لتخليص امورها ابتعادا عن المشكلات التي سيواجهونها لو احتاجوا إلى المحكمة.

المعارضون لقانون الاحوال الشخصية مخلصون وهمهم الاول حماية الدين والشرع وهو امر مشروع يقف معهم غالبية الناس في البحرين، ولكن المشكلة أن القضاء الشرعي الحالي لا يحمي الشرع ولا يحمي مصالح الناس ووصل إلى مرحلة بائسة بسبب انعدام وجود أية اجراءات واية ضوابط معترف بها. فحكم القاضي العادل هو ما نسعى إليه، وفيما لو كانت المحاكم تضمن لنا ذلك على ما هي عليه فإن الحاجة إلى قانون مثل هذا لن تكون موجودة. والخوف الان هو إعادة ما حدث في مطلع القرن الماضي عندما استمرت أزمة المحاكم الشرعية عشر سنوات حتى العام 1937، وبعدها قام المستشار البريطاني بتسيير الامور حسب ما قرره لعجز المتصدين في طرح البديل العملي النافع للناس.

إن ما يطالب به المواطنون هو حفظ الشريعة وحفظ المحاكم الشرعية وليس الغاءها والانتقال إلى المحاكم المدنية، ويطالبون بإصلاح الاوضاع، ومطالباتهم ليس لها اذان صاغية. والذين وصلوا إلى مناصب القضاء لم تكن هناك اسس واضحة لوصولهم.

ان إثارة الموضوع بعيدا عن الحساسيات هو ما يسعى إليه الجميع، والحوار بين علماء الدين والحقوقيين مطلب مهم للتنفيس عن الاحتقان الحالي. كما ان إبعاد القرار السياسي عن الشأن القضائي ربما يساعد في حل المشكلة ايضا، وعدم اللجوء إلى تعيين مزيد من القضاة على أساس مكافأة الاشخاص لمواقفهم تجاه القضايا العامة أمر مهم وعامل أساسي لإصلاح الوضع.

إن العلماء الموجودين داخل المحاكم وخارجها بينهم فقهاء وصلوا إلى مرتبة الاجتهاد وبينهم فضلاء قريبون من مرتبة الاجتهاد. وفيما لو اتفقوا فيما بينهم على حل للمشكلة يمكن بعد ذلك التفاهم مع الاطراف الاخرى. فأي بلد وأي نشاط يتطلب نظاما ويتطلب قانونا عادلا والاحوال الشخصية مازالت خاضعة للشريعة الاسلامية، ولكي تبقى كذلك يجب ان يتم تنظيمها بالاتفاق مع الاطراف المعنية دينيا بالامر. اما الخيار الاخر فهو التشتت في النقاشات وعدم حسم الامور وتبرز المشكلة وكأن علماء الدين يقاومون إصلاح وضع مزر لا يمكن السكوت عنه. وهذا كله سيكون له اثره على الجمعيات الاهلية السائرة على نهج يتوافق مع علماء الدين الذين طرحوا معارضتهم للقانون المقترح للاحوال الشخصية. وهذا سيضع الجمعيات في حرج شديد وربما يضعها في صورة لم تتوقعها خصوصا عندما يشتد الامر بينما هذه الجمعيات (اسلامية وسياسية ونسائية) خارج المعادلة وكأنهم يعيشون في بلد غير البحرين

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 258 - الأربعاء 21 مايو 2003م الموافق 19 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً