العدد 2591 - الجمعة 09 أكتوبر 2009م الموافق 20 شوال 1430هـ

ليبرمان... واستبعاد السلام

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

استبعاد وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان حصول السلام في الأمد المنظور مسألة تستحق النظر؛ لأنها في إطارها القريب صحيحة سياسيا. فالوزير المتهم قضائيا بالرشوة والفساد وتطرفه العنصري قال كلامه في مناسبة قدوم المبعوث الأميركي إلى «الشرق الأوسط» جورج ميتشل بهدف انعاش المفاوضات الثنائية بعد أن وصلت تموجاتها إلى حال من الارتخاء والتلاشي.

كلام الوزير الإسرائيلي جاء في سياق متغيرات أميركية وإقليمية أخذت تفرض شروطها الموضوعية على إدارة باراك أوباما وبدأت تعدل أولويات الرئيس الأميركي باتجاه التركيز على الملف الإيراني وإهمال الملف الفلسطيني. وليبرمان الذي عارض اتفاقات أوسلو التي وقعت في العام 1993 ورفض فكرة السلام أو التعايش مع منظمة التحرير الفلسطينية وشجع سياسة الاستيطان والتوطين في الضفة الغربية وحرض الشارع الإسرائيلي على الوجود الفلسطيني في أراضي العام 1948 يدرك قبل غيره من المسئولين في الإدارة الأميركية أن جولات ميتشل للتسلية ومضيعة للوقت وقد تكون مجرد مناورات للخداع والتغطية على اهتمامات وأولويات أخرى.

تأكيد ليبرمان على تأجيل عملية السلام جاء بناء على الالتزام بايديولوجية متطرفة ترفض التساكن أو الاعتراف بالآخر من جانب، معطوفة على قراءة سياسية ومعلومات من جانب آخر. وكلامه عن استبعاد احتمال السلام في السنوات المقبلة جرى تأسيسه على تجربة أسلافه ما دفعه إلى السخرية من القوى التي تراهن على نجاح المفاوضات مشيرا إلى أن هؤلاء لا يفهمون الواقع. فالواقع برأي ليبرمان يتجه نحو تجميد السلام حتى لو جرت مفاوضات ثنائية أو ثلاثية أو رباعية.

ما هو «الواقع» الذي يقصده وزير الخارجية في كلامه؟

هناك ثلاثة متغيرات دولية وإقليمية ومحلية حصلت في الفترة الأخيرة عطلت المسارات السابقة وأخذت بتعديل التوجهات والأولويات والاهتمامات المتعلقة بالموضوع الفلسطيني.

المتغير الدولي (الأميركي الأوروبي) بدأ يتشكل في ضوء تخلي الرئيس أوباما عن «الدرع الصاروخي» في أوروبا الشرقية والإعلان عن اكتشاف «منشأة نووية» إيرانية ثانية في قم وظهور بوادر فشل الحملة العسكرية الجديدة في أفغانستان. فهذه النقاط الثلاث ساهمت في إعادة هيكلة الأولويات الأميركية-الأوروبية في «الشرق الاوسط» باتجاه تحسين العلاقات مع روسيا الاتحادية وترتيب تداعيات الخطة العسكرية في أفغانستان والتفرغ لموضوع إيران وملفها النووي.

الأولوية الآن أصبحت تتركز سياسيا على معالجة الملف الإيراني. وهذه الهدية لا تقدر بثمن لأنها عززت الرؤية الإسرائيلية التي تعطي الموضوع الإيراني أولوية للتهرب من الموضوع الفلسطيني ولأنها أيضا قدمت خدمة مجانية للرئيس أوباما حتى يتراجع عن فكرة تجميد الاستيطان.

الملف النووي الإيراني شكل للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ذاك الملاذ الآمن للانكفاء والتموضع بعد أن فشلت كل الجهود لإقناع حكومة تل أبيب بوقف توسيع المستوطنات وتقويض الأحياء العربية في القدس.

الفشل الأميركي-الأوروبي في فلسطين جرى تعويضه برفع وتيرة الاهتمام بالملف الإيراني وتركيز الانتباه على مشروع التخصيب وتبعاته الإقليمية ومردوده السياسي على ملفات «الشرق الأوسط».

إلى الجانب الدولي هناك المتغير الإقليمي وبدء التفاوض مع إيران في «لقاء جنيف» وما تعنيه تلك الثنائية من تفاعلات ومقايضات قد تترك تأثيرها على استقرار دول الجوار. فالملف العراقي يشهد تطورات عنيفة تحتمل الكثير من الارتدادت بانتظار ما ستكون عليه خريطة التحالفات في انتخابات يناير/ كانون الثاني المقبل. والملف الأفغاني قد ينفتح على أوراق ساخنة في حال توصل «التحالف الدولي» إلى قناعات سياسية جديدة تعيد ترتيب المهمات الأمنية في جدول من الاختيارات ربما تؤدي إلى فوضى قبلية- أقوامية في محيط إقليمي غير مستقر وآمن. وهناك الملف اليمني الذي انفتح على نقاط ساخنة تهدد وحدة الدولة واحتمال انشطارها إلى وحدات طائفية-مذهبية ومحافظات قبلية على غرار «الصوملة» في أسوأ تقدير أو على غرار «العرقنة» في أحسن تقدير.


التناقض الموضوعي

هذه المتغيرات الإقليمية في الملفات الإيرانية والعراقية والأفغانية واليمنية بدأت ترسم معالم طريق محفوف بالمخاطر والانفجارات والانهيارات تمس استقرار دول الجوار وتعبث بأمنها ووحدتها السياسية. وبسبب هذه الإضافات على الأزمات في المنطقة جاءت مراهنة ليبرمان على استبعاد عملية السلام وتأجيل حصولها في الأمد المنظور.

إلى الجانب الدولي- الإقليمي هناك المتغير الفلسطيني السياسي والأهلي. وهذا المتغير المحلي تراهن عليه حكومة تل أبيب لأنه يشكل في مجموعه ذاك المخرج الآمن للتهرب من المسئولية ورمي الكرة في الملعب الفلسطيني. فالمراهنة التي يعتمدها ليبرمان تقوم على تعزيز فكرة الانقسام الفلسطيني وتشطير السلطة وإضعافها وإحراجها وتوريطها في أخطاء تعطي ذريعة لحركة «حماس» للتهرب من توقيع هدنة مع «فتح» في القاهرة. الانقسام الفلسطيني يمثل ذاك الهدف الإسرائيلي الضامر لأنه يشكل مناسبة للتلاعب بين الطرفين واكتساب الوقت لاستكمال مشروع التوطين في الضفة وتهويد القدس.

مشكلة حكومات تل أبيب الدائمة والأساسية ليست في غزة وإنما في القدس والضفة. مشكلة غزة أمنية وهذه المسألة يمكن ترتيبها مع «حماس» من دون إشكالات ايديولوجية صهيونية تمس فكرة التوطين والاستيطان. بينما المشكلة مع القدس والضفة تتصل مباشرة بالاحتلال ومشروع القضم وخطة تآكل الأحياء والمدن والقرى، وهذه المسألة الحيوية من الصعب ترتيبها مع «فتح» أو السلطة الفلسطينية. بهذا المعنى الايديولوجي الصهيوني (احتلال وقضم وطرد وتوطين) يصبح تناقض حكومة تل أبيب الرئيسي مع «فتح» والسلطة الفلسطينية في القدس والضفة بينما تناقضها مع «حماس» يعتبر ثانويا لأنه يقتصر على الأمن وحرس الحدود وضبط المعابر.

التناقض الموضوعي يفرض شروطه السياسية في النهاية وهو يرسم حدود التعارض بين الأعداء والأصدقاء. ولذلك تتركز مشكلة الاحتلال الإسرائيلي في طوره التاريخي الراهن على مسألة السيطرة على القدس وابتلاع الضفة ما يضفي أهمية كبيرة لتعزيز «إسرائيل» مبررات الانقسام الفلسطيني. وبهذا المنطق الواقعي تصبح مشكلة ليبرمان مع خطاب «فتح» الوطني (بناء دولة عاصمتها القدس) وليست مع خطاب «حماس» الأمني (حرس حدود). وهذه المسألة الحساسة تبدو السلطة الفلسطينية (حكومة رام الله) وكأنها لا تدركها أو تتعامل معها باستخفاف.

عدم أخذ الواقع (التناقض الموضوعي) في اعتباره القوة التي تهندس السياسة والعلاقات والتوجهات يساهم كثيرا في التشجيع على ارتكاب الأخطاء من نوع الاستجابة للضغوط الأميركية- الاسرائيلية وسحب «تقرير غولدستون» بشأن العدوان على غزة من التداول في مجلس حقوق الإنسان. فهذا الفعل شكل أفضل هدية أميركية-إسرائيلية لخطاب «حماس» وتعزيز نهج الفوضى والانقسام وتعطيل إمكانات التوحد الفلسطيني على برنامج وطني مرحلي ومشترك.

كل هذه المتحولات المتسارعة على خطوط التوتر العالي المعطوفة على متغيرات دولية وإقليمية ومحلية (فلسطينية) في برنامج الأولويات أعطت ذاك الزخم المعنوي لوزير الخارجية الإسرائيلي ورفعت من نسبة ثقته بخطط استكمال توسيع الاستيطان من دون معارضة أميركية. فالولايات المتحدة تراجعت عن هذا الشرط ومحمود عباس تورط في موضوع سحب التقرير و«حماس» استغلت الخطأ وأسست عليه للتهرب من الوحدة الوطنية... والنتيجة كانت إعلان ليبرمان عن معادلة جاءت كالآتي: «أقول مجددا إن من يقول إنه من الممكن التوصل إلى سلام في الأعوام المقبلة... ببساطة لا يفهم الواقع».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2591 - الجمعة 09 أكتوبر 2009م الموافق 20 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً