العدد 262 - الأحد 25 مايو 2003م الموافق 23 ربيع الاول 1424هـ

مصير الحركة القومية العربية ومستقبلها

بعد سقوط حزب البعث العراقي

أحمد عباس الخزاعي comments [at] alwasatnews.com

مبادئ الحركة القومية العربية في حقبة الاستعمار وما بعد الاستعمار، أشعلت قلوب الوطنيين العرب من الشباب بالعنفوان والثورة، واكتسبوا زخما وطنيا للنضال والتحرر من عبودية المستعمرين. واستطاعوا بالفعل تحقيق هدف استقلال معظم البلدان العربية، إلا أن وصول الوطنيين الراديكاليين للسلطة، واستفرادهم بالحكم الاوتوقراطي المبني على التوارث العائلي، افقد الجماهير العربية الثقة في الزعماء القوميين العرب، وكان سقوط نموذج نظام صدام حسين خير دليل على فقدان الثقة. الجماهير العربية لم تنهض وتتظاهر من اجل صدام حسين ونظامه، واكثر الظن انه ليس هناك فرد عربي الآن على استعداد للقتال من اجل اي زعيم عربي حاملا شعار القومية العربية. خرجت الجماهير العربية عن بكرة ابيها مستنكرة الاحتلال البريطاني الاميركي، لأرض وشعب عربي أصيل هو شعب العراق وأرضه الغالية على كل مسلم عربي على حد سواء، لسبب وحيد وهو الشعور بالاهانة وانتهاك الاميركان لكرامة كل عربي ومسلم وسيادته على أرضه.

لا شك في أن الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل آل سعود، قادا المواجهة مع أميركا وبريطانيا في حربي السويس و1973م على التوالي ورفعا بذلك كرامة الانسان العربي، في ظروف تختلف تماما عن ظروف عصرنا الحالي. هذا الزمن يا سادة هو عصر التفوق السريع والمذهل للتكنولوجيا والتدفق الكوني للأنظمة المعلوماتية. هذه الحقبة اعتبرها بعض المفكرين العرب حقبة الاستعمار الجديد، وحلف بغداد الجديد والشرق أوسطية الجديدة التي تكون فيها «إسرائيل» شريكا كاملا للبلدان العربية. المتأثرون بأدبيات الثورة والخطاب العربي القومي لا خيار لهم سوى التحريض على مقاومة الاستعمار الجديد المتمثل في النظام العالمي الجديد وهوس سيطرته وهيمنته على مقدرات الأمة العربية، والدليل على ذلك أن سبب احتلال العراق ليس تحرير شعبها من ذل صدام وطغيانه، إنما السيطرة على النفط وما أدراك ما النفط! دول العالم الثالث سواء في مؤتمر عدم الانحياز أو العنصرية أو مؤتمرات منظمة التجارة العالمية أو ندوات دافوس السنوية، حملوا أميركا والنظام العالمي الذي تقوده، مسئولية تفاقم مشكلات العالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأهمها الفقر. النظام العالمي الجديد احتقر الفكر الوطني أو القومي لاعتقاده أن القوميات تذوب في بوتقة العولمة، لذلك فإن ممارسات النظام العالمي الجديد الذي تقوده اميركا ما هو إلا انتهاك صارخ لحرية واستقلالية وسيادة الدول والشعوب.

من الطبيعي أن تحدث العولمة بعدا جديدا في فضاء السيطرة الاقتصادية على السوق لاتجاه الدول كأحد الثوابت لتحرير التجارة العالمية وفتح الأسواق، وبعد أن وجدت البلدان الصناعية الكبرى ضالتها في توظيف رؤوس أموالها في البلدان النامية التي تملك كثافة سكانية هائلة، بتشغيل مخزون تلك البلدان من القوى العاملة الرخيصة لمصلحتها، حتى تستطيع كل منها التفوق على منافستها في السوق الحرة. وللوصول إلى تلك الغاية قامت البلدان الصناعية الكبرى بتوظيف رؤوس أموالها واستثماراتها في بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا، وافريقيا، واميركا اللاتينية بالإضافة إلى البلدان العربية.

إذا العامل الرئيسي لظهور العولمة كان اقتصاديا بحتا، بهدف السيطرة على السوق العالمية والتنافس حسب مرجعيات منظمة التجارة العالمية، ولتحقيق ذلك لا بد من سيطرة الدول الكبرى على السلع الاستراتيجية وأهمها النفط. وتطورت هذه اللعبة العالمية بشكل ملحوظ بعد أن شاركت في نموها دول نامية كثيرة من جنوب شرق آسيا واميركا اللاتينية، بالاضافة إلى اليابان، التي استطاعت شراء اكبر الشركات العالمية المندمجة (الكارتيل) في أوروبا وأميركا خصوصا في مجال صناعة السيارات والنفط والعقارات. والأمر نفسه ينطبق على المنافسة الاميركية الاوروبية، وكلنا نعلم قدرة البنوك الالمانية، على دمج المؤسسات المصرفية الكبرى في أوروبا وأميركا، كذلك الحال بالنسبة إلى صناعة النفط والطيران ووسائل الاعلام.

الواقع أن لكل بلد بعده الاقتصادي والثقافي وخصوصياته الوطنية، فنحن في البحرين كبقية دول الخليج الأخرى، لا ننكر ترويجنا للبحرين كجنة للمستثمرين، وترحيبنا برؤوس الأموال والمستثمرين الأجانب. والنتيجة أن أكثر المستثمرين في المشروعات الكبرى التي تساهم بفعالية في تنمية الاقتصاديات الوطنية، هي الشركات الآسيوية الكبرى، كذلك الحال في دول الانفتاح الاقتصادي المعروفة الأخرى كسنغافورة وهونج كونغ وماليزيا والهند وكوريا واندونيسيا، فهل العولمة الاقتصادية في هذه الحالة تهيمن على اقتصاديات هذه الدول على رغم أن الدور الاساسي في هذه العملية لا تلعبه أميركا كما يقال؟ الواقع أن البلدان المنفتحة اقتصاديا بفضل وعي المسئولين فيها عملت على تحديث قوانينها الوطنية، وقامت بتطوير أنظمتها المحلية وتدريب كوادرها الوطنية لتكون مؤهلة للمنافسة على استقطاب المستثمرين العالميين، حتى أن دولا كبيرة كمصر والصين، تبنت هذا الاتجاه لتحقيق مساحة من النهضة الاقتصادية وتطلعاتها السياسية للعب دور اكبر في السياسة الدولية، وبذلك تكون قد فهمت اللعبة الدولية وملأت الفراغ في قصور اقتصادياتها وسياساتها العالمية، هذا طبعا يؤهلها بتقديم الحجج لاقناع اصحاب القرار بأهليتها للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وبذلك تكون جزءا من النظام التجاري العالمي الجديد، الذي يؤمن بحرية التجارة وفتح الاسواق. ولحسن الحظ أن البحرين وعت ذلك الدرس وكانت من أوائل الدول المنضمة إلى منظمة التجارة العالمية وأصبحت لها مكانة وصوت مسموع لدى جميع الدول باختلاف أنظمتها السياسية.

الجدال الدائر بين الأوساط الثقافية هو هل استطاعت العولمة إلغاء الهوية القومية لبلدان العالم الثالث وبالتحديد في البلدان العربية؟ بسبب استعباد وسائل الأعلام الغربية والأميركية بالذات للشارع العربي كما يقال. في رأيي أن القصور يكمن في وسائل الاعلام العربية، خصوصا القنوات الفضائية العربية التي لا تملك أجندة وطنية، بعكس قناتي، سي ان ان، وإن بي سي، وعلى رغم ذلك يشعر المشاهد العربي أن الخلل يكمن في المادة الاعلامية التي تقدمها القنوات العربية التي تمجد السلطة، ويطالب بوضع استراتيجية اعلامية عربية موحدة تهدف إلى خدمة العقل العربي وتنميته وتطوير قدراته لمواكبة التطور التكنولوجي والمعلوماتي الحالي الذي يغزو العالم.

أما بالنسبة إلى سيطرة الأنظمة المعلوماتية الأميركية خصوصا شبكة الانترنت، فإن هذه المشكلة لا تعاني منها دول العالم الثالث فقط، بل ان عدة شركات في اميركا أقامت دعاوى على صاحب مؤسسة مايكروسوفت بل غيت للحد من احتكار الشركة للانظمة المعلوماتية في أميركا ودول العالم، حتى أن الملتقي الأميركي احتج على نوعية المواد المعلوماتية التي تقدمها الشركة للجمهور، واعتبرها منافية لأخلاق ومُثُل ودين الشعب الاميركي، بالإضافة إلى أنها تغذي الشعور بالكراهية والعنصرية بين أفراد الشعب الأميركي، جماعات الضغط الاميركي مازالت تدعو إلى وضع ضوابط قانونية لنشر المعلومات التي ينقلها الانترنت للعموم. والأمر نفسه ينطبق على الإجراءات الأوروبية الهادفة لضبط الأنظمة المعلوماتية الأميركية. كما يجب التنويه في هذا الصدد بنجاح التجربة السنغافورية في وضع ضوابط قانونية تناسب المجتمع السنغافوري وتحافظ على هويته الوطنية.

ولكن هل تعتبر سيطرة أميركا على الأنظمة المعلوماتية العالمية نوعا من هيمنة العولمة الثقافية على الشعوب خصوصا الشعب العربي؟وهل تستطيع تلك الأنظمة أو الثقافات التي تصدرها أميركا إلى العالم إلغاء الهوية القومية لشعوب عريقة متأصلة لها دور في صنع التاريخ الإنساني؟ لقد لا حظنا مدى تأثر وسائل الأعلام الأميركية من منافسة قناة الجزيرة لها وكيف ضربت مقرها بالصواريخ وقتلت مراسلها في بغداد لتسكتها، والسبب شعور الأميركان بخطورة الاختراق الاعلامي الثقافي العربي لخصوصية الفرد الاميركي المتأثر بوسائل الاعلام.

إلا أن الافتراض بقدرة العولمة على طمس الهوية القومية، في رأيي غير عقلاني، لأنه بمجرد الايمان بهذه النظرية سننساق للوهم الذي يؤمن بأن العولمة الثقافية من القوة بحيث أنها تستطيع الغاء سيطرة الدولة على تطور ونمو المجتمع المدني، وبالتالي فإن تلك العولمة تلغي تماما مسئولية الدولة الوطنية تجاه مواطنيها، ومسئوليتها نحو تطور المجتمع المدني، ونمو مؤسساته الفاعلة لخدمة الفرد ورفع مستواه المعيشي والحضاري، وفقا للقيم والعادات والتقاليد التي يؤمن بها. إذا فشل القيادة القومية العربية في استحواذ قلوب الجماهير العربية لا يعني فقدان إيمانها بالقومية العربية على رغم ظهور التيار الاسلامي والأصولي بقوة على الساحة السياسية العربية نتيجة لتراكمات أخطاء القادة العرب من القوميين.

إذا احتمال طمس العولمة الثقافية للهوية القومية لأية أمة صعب تحقيقه، ما عدا في مجتمعات غير متحضرة وليس لها تاريخ قومي وحضاري متأصل.

ولا بد لنا في هذا المجال التطرق إلى قضية مهمة! وهي مسئولية الدولة في تنمية الشعور الوطني والايمان بمقدرات الأمة وتاريخها وعقائدها ودينها وموروثها الشعبي لتنمية الشعور الوطني لدى المواطن، ولتحقيق ذلك لا بد من تطبيق المعايير الديمقراطية في الحكم في أي قطر عربي، حتى يستطيع المواطن العربي الثقة بقادته. والدليل على ذلك قدرة البلدان ذات المجتمعات المتطورة في أوروبا على تجاوز جميع المعوقات، وتشكيل الاتحاد فيما بينها، على رغم أنها لا ترتبط بمعايير قومية كسند لوحدتها الاندماجية، لكن الشعور الوطني ووطنية المواطن وانتماءه للوطن تعتبر أهم العوامل للحصول على الجنسية في أوروبا، وهذا ما دفع بلدانا أوروبية كبرى كألمانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا، للاشتراط على المقيمين على أراضيها، الاندماج في مجتمعاتها والتمسك بوطنيتها، وولاء المقيمين للوطن شرط أساسي للحصول على الجنسية. أي بمعنى آخر، نسيان هويتهم القومية والتخلي عن ثقافتهم وموروثهم الشعبي. لكن السؤال المطروح هو هل تستطيع تلك الدول أو البلدان العربية تغيير هويتهم القومية كما هو الاتجاه في بعض الدول العربية؟ أو يستطيع المقيمون أو المتجنسون حتى في البحرين التخلي عن ثقافتهم من اجل الجنسية؟ الجواب في الحل، والحل هو تطبيق الحد الادنى من الشفافية، حتى لا تسقط مرة أخرى نظرية القومية العربية، عندها سيلجأ المثقف العربي للإسلاميين لانقادهم من أزمة الهوية التي يعاني منها

العدد 262 - الأحد 25 مايو 2003م الموافق 23 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً