العدد 2620 - السبت 07 نوفمبر 2009م الموافق 20 ذي القعدة 1430هـ

انسحاب عباس وحدود التفاوض

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قرار الرئيس الفلسطيني بعدم الترشح دورة ثانية لمنصب الرئاسة وجّه رسائل متخالفة الاتجاهات. فالقرار يعتبر رسالة احتجاج رمزية على السياسة الأميركية وتراجعها عن الوعود التي أطلقها الرئيس باراك أوباما في مطلع عهده. كذلك وجّه القرار رسالة سياسية لحكومة تل أبيب التي تمارس تكتيك قضم الأراضي وتوسيع المستوطنات في الضفة وزيادة عدد الوحدات السكنية في القدس المحتلة ضاربة بعرض الحائط كل القرارات الدولية.

هل وصلت رسالة الاحتجاج إلى واشنطن وتل أبيب أم أن مفعول القرار انتهى قبل بلوغه الهدف؟ ردود الفعل الأميركية والإسرائيلية تبدو مراوغة في تعاملها مع قرار محمود عباس. فهي من جانب أبدت عدم موافقتها على هذه الرغبة ومن جانب آخر لم تظهر ردود الفعل ذاك الاستعداد المطلوب لتغيير السياسة. وعدم التغيير في التعامل السياسي مع الملف الفلسطيني يعني عمليا أن هناك موافقة ضمنية على قرار الرئيس عباس.

التحفظ الأميركي على مبادرة الرئيس الفلسطيني لا يتعدى إطار الدبلوماسية المهذبة وهو يشير إلى نوع من الموافقة على الخطوة. كذلك التعامل الإسرائيلي الهادئ أكد وجود رغبة بالتخلص من إرث ياسر عرفات وأصحابه وفتح صفحة جديدة من الحوار مع الجيل الثاني في السلطة الفلسطينية.

الآن أصبحت الكرة في ملعب عباس. فهو أراد من خطوته أثارة زوبعة من الاحتجاج على السياسة الأميركية التي أقفلت أمامه كل الأبواب وعطلت عليه المناورة وسحبت من الملف الفلسطيني أوراق القوة في عملية التفاوض. كذلك أراد من قراره توجيه رسالة إنذار للجانب الإسرائيلي تؤشر إلى حال نمو قوة جديدة في الجانب الفلسطيني تعتمد على معطيات غير متجانسة مع توجهاته التفاوضية.

الكرة الفلسطينية لم تصل بقوة إلى الجانب الآخر من الملعب الأميركي - الإسرائيلي. والقرار لم يحدث ذاك الرد الذي كان متوقعا من واشنطن وتل أبيب. واكتفاء إدارة البيت الأبيض بتكرار تلك الفقرات المضجرة عن الشراكة والشريك من دون إبداء الاستعداد لإعادة النظر في السياسة الأميركية المعتمدة أشار إلى وجود قناعة في واشنطن تريد فعلا التخلص من الجيل الأول والبدء في تأسيس علاقات مع جيل آخر تعتقد أنه أكثر مرونة في التعامل مع الجانب الإسرائيلي. والجانب الإسرائيلي الذي قرأ الرسالة ببرودة أظهر بدوره عدم اهتمام بمبادرة عباس بل تعامل معها وكأنه كان ينتظرها منذ وقت للتفرغ إلى مشروع الاستيطان تحت سقف المفاوضات الطويلة الأمد.

ماذا سيفعل عباس بعد أن جاءت ردود الفعل من الجانب الأميركي - الإسرائيلي متواضعة وأقل من التوقعات؟ هناك احتمالات متضاربة تبدأ من تراجع عباس عن قراره والعودة إلى خوض معركة الرئاسة استجابة لضغوط الشارع وتمنيات العواصم العربية وتنتهي في تمسك عباس بقراره ورفض التراجع عن الخطوة تاركا المسألة للشعب واختياراته.

قوة مضافة

الكرة في ملعب عباس. فهل يتراجع ويعيد النظر بقراره بعد أن اكتشف أن رغبته بالتخلي عن دورة ثانية لم تحرك المفاوضات ولم تضغط على واشنطن لإعادة النظر ولم تثير الفزع في الجانب الإسرئيلي من احتمال حصول فراغ... أم هل يتمسك بموقفه ويؤكد أن قراره ليس مناورة دبلوماسية تريد استدراج العروض من الطرف المتشدد في التعامل مع الحقوق الفلسطينية؟

ردود الفعل لم تكن على السوية المطلوبة وهي أعطت بعض الثمار السياسية الموضعية وفشلت في تجاوز الحدود المرسومة... ولهذه الأسباب يفضل أن يستمر عباس في خطوته لأنها على الأقل إذا لم تنتج اليوم فإنها قد تعطي مفعولها في الغد. فالجانب الإسرائيلي المدعوم أميركيا تعامل مع المسألة وكأنها موضوع خلاف فلسطيني داخلي ولا تدل على وجود أزمة في التفاوض تتحمل مسئوليتها تل أبيب التي تريد الأرض وترفض السلام. والجانب الأميركي لم يأخذ المسألة بجدية وتعامل مع الانسحاب من حلبة التنافس في إطار تصور جزئي عزل دوافع القرار عن واشنطن ومسئوليتها في إقفال الطرقات وإغلاق الأبواب في وجه المفاوض الفلسطيني.

الموقفان الأميركي والإسرائيلي يعززان موضوعيا سياسة تمسك عباس بموقفه. واستمرار عباس في قراره بات يشكل نقطة ضغط فعلية لكسر التعامل الدبلوماسي الهادئ الذي أظهرته واشنطن. عدم مبالاة البيت الأبيض قد تتحول إلى ورقة ضغط فلسطينية ترسم خريطة طريق رسمية للاحتجاج على البرودة الأميركية واستهتارها بالحد الأدنى من المطالب التي تنص عليها القرارات الدولية.

عزم عباس على رفض التجديد دورة ثانية يمكن أن يتحول إلى فائض قوة في الموقف التفاوضي الفلسطيني لأنه يرسم تلك الخطوط الحمر وتمنع أي رئيس فلسطيني آخر منتخب من الشعب أن يبدأ من مكان آخر. فالقرار ضمنا يشكل الحد الأدنى الفلسطيني الذي حدد المطالب الوطنية في إطار تفاوضي واضح في برنامجه المرحلي. والحد الأدنى الذي يؤكد على الانسحاب إلى حدود 1967 واعتبار القدس عاصمة للدولة سيتحول إلى مشروع تفاوضي لأي رئيس فلسطيني ينتخب في مطلع العام الميلادي المقبل.

تراجع عباس عن خطوته يمكن أن يتحول إلى نقطة ضعف في الجانب الفلسطيني ويقلل من قيمة رسالة الاحتجاج التي أراد توجيهها إلى واشنطن وتل أبيب بل ربما يعطي حكومة بنيامين نتنياهو فرصة للمناورة والتهرب وكسب الوقت وتفريغ التفاوض من مردوده السياسي.

خطوة عباس في النهاية سياسية وليست دبلوماسية وهي جاءت ردا على الموقف الأميركي المتحالف مع «إسرائيل». لذلك لابد من الاستمرار بها حتى تعطي الرسالة مفعولها الإيجابي من خلال وضع أسس ثابتة لقواعد التفاوض في المستقبل. الولايات المتحدة يمكن أن تكون قد راهنت على خطوة عباس انطلاقا من قناعة دبلوماسية تعتقد أن الجيل الثاني في السلطة أكثر مرونة وبالتالي لعبت دور الشرطي الطارد للجيل الأول حتى تكون في موقع أفضل في سياسة التفاوض. و«إسرائيل» أيضا ربما تكون أدرجت في حساباتها احتمال مغادرة عباس السلطة حتى تحسّن موقعها في عملية التفاوض على الأمد الطويل مع الجيل الثاني.

القراءة الأميركية - الإسرائيلية تحتمل فرضية الرهان على انسحاب عباس من مسئولية الرئاسة لذلك لابد من تحويل الخطوة إلى قوة مضافة تعزز موقف الجانب الفلسطيني في العملية السياسية من خلال الإصرار على الثوابت التي أكدتها موضوعيا رسالة الاحتجاج.

قرار الرئيس الفلسطيني بعدم الترشح دورة ثانية لم يعدل في سياسة «إسرائيل» وتوجهات الإدارة الأميركية ولكنه يمكن أن يعطي مفعوله على الأمد الطويل لأنه في النهاية رسم خطوط معادلة ثابتة في قواعد التفاوض في المستقبل لا يستطيع أي رئيس فلسطيني تجاوزها أو التخلي عنها... وهذا بحد ذاته يشكّل مكسبا مؤجلا وهو في كل الحالات أفضل من التراجع عن القرار لأن التراجع سيتحوّل إلى نوع من السخرية وقد يفتح باب المفاوضات على عقبات وحواجز أكثر قسوة من تلك التي أظهرتها الولايات المتحدة في السنوات الماضية.

الكرة الآن في ملعب عباس وهو يستطيع أن يتحكم بالاتجاه الذي يريد تسديدها نحوه. وفي كل الحالات هناك مجموعة أرباح وخسائر في الحسابات العامة ولكن الإصرار على الانسحاب يبقى الأفضل لأنه يختتم تاريخه الشخصي برسالة احتجاج قوية تمنع من يأتي بعده تجاوز خطوطها الحمر

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2620 - السبت 07 نوفمبر 2009م الموافق 20 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:47 م

      عبد علي عباس البصري(السبب الضعف العربي)

      السبب انشغال الحكومات العربيه بالوضع الداخلي وهناك اسباب ضعف التأثير العربي على المفاوضات الصهيونيه وتعنت الكيانالصهيوني لا يحترم الى السلاح والقوه ,

اقرأ ايضاً