العدد 2623 - الثلثاء 10 نوفمبر 2009م الموافق 23 ذي القعدة 1430هـ

تسوية لبنانية... تنتظر التشكيلات الإقليمية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إعلان تشكيل حكومة الطوائف اللبنانية بعد خمسة أشهر من الاستشارات أثار موجة تفاؤل في الأطياف التي تتشكل منها القوى السياسية في بلاد الأرز. البعض اعتبر أن الخطوة ترسل إشارة إيجابية باتجاه البدء بالخروج من عنق الزجاجة. والبعض قرأ الخطوة أنها رسالة إيجابية من المحور الإيراني - السوري تريد الاستقرار لبلد عانى الكثير من الحروب والاغتيالات والتفجيرات. والبعض وجد في الإعلان خطوة تمهد الطريق لتطور اللقاء السعودي - السوري في الفترة المقبلة باتجاه المزيد من التوافق العربي.

قراءات كثيرة صدرت تعليقا على نجاج النائب سعد الحريري في تشكيل الحكومة الأولى بعد الانتخابات النيابية، وهي في معظمها لم تخرج عن سياق التحليلات العامة التي تربط آليا كل التطورات اللبنانية بالفضاءات الإقليمية والجوارية والدولية. وتفسير الخطوة في إطار شمولي يتجاوز جغرافية بلاد الأرز من دون انتباه لوجود عوامل موازية تضبط العملية السياسية في دائرتها المحلية مسألة فيها نظر ولكنها أيضا ليست كافية لمنع الاسترسال في استنباط الاحتمالات والتسرع في بناء توقعات ليست بالضرورة صحيحة.

قراءة العامل الداخلي مسألة مهمة لتصويب الاتجاهات. فالوزارة الجديدة توافقية في جوهرها فهي من جانب لم تسقط وجود غالبية نيابية (قوى 14 آذار) ومن جانب آخر لم تتعامل مع الطرف الخاسر في الانتخابات من موقع المنتصر. الواقع اللبناني لا يتحمل لغة الغالب والمغلوب بسبب تكويناته الطائفية والمذهبية التي تلغي عمليا فكرة الأكثرية والأقلية أو الموالاة والمعارضة وتدفع دائما باتجاه التسوية حتى تمنع الأزمة من الانزلاق نحو الانفجار.

الوزارة الجديدة تأسست على مسألة منع انفجار الأزمة. والمنع السياسي لا يشي أن الأزمة دخلت سكة الحل. وهذا يعني أن الحكومة التوليفية بين القوى السياسية استهدفت إقفال الأبواب أمام انهيار التسوية المؤقتة ولم تطمح إلى حل الأزمة في مخارجها ومداخلها اللبنانية والإقليمية والدولية.

حكومة سعد الحريري الأولى تعتبر محاولة سياسية للمحافظة على السلم الأهلي ومنع عودة كرة النار إلى ساحة لاتزال مفتوحة على كل الاحتمالات ومكشوفة على متغيرات إقليمية ومتحولات دولية. وإعلان الوزارة بعد استشارات طويلة وصعبة رافقتها الاتصالات على مختلف المستويات والأقاليم والعواصم الدولية يشكل خطوة في الإطار الصحيح ولكنها خطوة أولى تتطلب المزيد لاستكمال تذليل ما تبقى من عقبات وحواجز تعترض نمو العملية السياسية في بلاد الطوائف والمذاهب.

محليا تحتاج الحكومة إلى وقت لتوضيح آليات العمل بين تكوينات تنتمي كيماويا إلى شرائح متخالفة في منطلقاتها وتوجهاتها. فالوزارة التي تنقسم إلى ثلاثة مواقع (14 و8 آذار والقصر الجمهوري) تتوزع إلى طوائف ومذاهب ومناطق تتبنى ايديولوجيات لا تتوافق على الكثير من التصورات. الجانب المسيحي مثلا يضم وزراء من تيار الجنرال ميشال عون والمردة والطاشناق وحزب الكتائب والقوات اللبنانية. والجانب المسلم أيضا يضم وزراء من تيار المستقبل (لبنان أولا) وحركة أمل وحزب الله والحزب الاشتراكي (وليد جنبلاط).

هذا التنويع الايديولوجي المضاف على التنويعات الطائفية والمذهبية يطرح أسئلة بشأن تفاهم القوات والكتائب من جهة وحزب الله وحركة أمل (نبيه بري) من جهة أخرى. كذلك يتطلب التفاهم الكثير من المرونة لتوحيد التوجهات التي تربط السيادة باستراتيجية الدفاع، والتحرير بالعلاقات مع دمشق، والاستقلال بموضوع المحكمة الدولية التي يتوقع أن تصدر عنها اتهامات واضحة بشأن هوية الأطراف التي سهلت وأشرفت ونظمت اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.


تشكيلات إقليمية

الإعلان الرسمي عن تشكيل الوزارة يبدو في سياق المهمات المتوقعة خطوة إيجابية ولكنها تفصيلية أمام التحديات المرجح أن تظهر خلال إعداد «البيان الوزاري» وإقرار الموازنة وإدارة آليات السلطة في إطار متغيرات غير منظورة في الأفقين الإقليمي والدولي.

إقليميا لا تبدو الأمور متجهة نحو تسويات نهائية للأزمات. فالجانب الفلسطيني بدأ يصطدم بعقبات أميركية - إسرائيلية تعطل احتمال عودة المفاوضات مقابل تجميد المستوطنات. وتوقف المسار الفلسطيني عند حدود قضم الأراضي وتوسيع دائرة الاستيطان يفتح الباب الإسرائيلي على المسار السوري ويشجع الولايات المتحدة على البحث عن ممر آمن للمأزق الذي وصل إليه الرئيس باراك أوباما. المتغير الإقليمي في الجانب الفلسطيني سيكون له تأثيره السياسي على الائتلاف اللبناني الذي يتخوف من تجميد حل مسألة اللاجئين ويثير مجددا موضوع توطين الفلسطينيين بسبب تعثر عودتهم.

إلى المتغير الفلسطيني هناك المتغيرات الإقليمية المحتمل تشكلها في إطار التفاوض الأميركي - الإيراني وإمكان تطور التقاطعات بين واشنطن وطهران وانتقالها من الملف النووي (المتعثر حتى الآن) إلى ملفات أخرى تتصل بالساحتين العراقية والأفغانية. والتقاطع الأميركي - الإيراني لن يكون رحلة سياحية سهلة نظرا إلى وجود موانع ومصالح عربية وإسلامية تمنع إمكانات امتداد الأزمات المفتوحة إلى جبهة الخليج والحدائق الخلفية كما هو حاصل في اليمن (معضلة الحوثيين في صعدة) أو الصومال وربما السودان.

كل هذه المؤشرات الإقليمية التي لم تتبلور صورتها النهائية تحتمل الكثير من المتغيرات الدولية وربما تتوجه إلى أهداف متعاكسة وغير مرئية. فالملف الإيراني مرشح للتعديل بسبب الأزمة الداخلية واحتمال انفتاحها على مشاهد غير متوقعة نتيجة تحكم قوى «العسكريتاريا» في مفاتيح القرار ما يرسم خريطة سلبية لموقع طهران ودورها في إطار المنظومة الإقليمية واستقرارها.

الرياح الدولية - الإقليمية لا تبدو أنها تندفع من السخونة إلى البرودة حتى لو ظهرت على الشاشة السياسية تلك الإشارات الناعمة. فالدبلوماسية المرنة التي أنتجتها إدارة أوباما تحتاج إلى وقت حتى تستقر في تصورات بديلة. والهدوء السياسي الظاهر في العاصمة الإيرانية لا يؤشر إلى نمو رؤية قادرة على قراءة تفصيلات المنطقة وما تحتويه من عناصر متفجرة لا تعمل في الأمد الطويل لمصلحتها سواء في العراق أو أفغانستان أو اليمن وغيرها من مناطق نفوذ.

كل هذه التجاذبات الدولية السلبية والإيجابية يرجح أن تؤسس استقطابات وتحالفات إقليمية قد تُعدّل المشهد السياسي وتوازناته الراهنة. فالحاضر لايزال يمرّ في فترة قلقة تحتاج القوى الإقليمية إلى وقت للتموضع في إطارات واضحة في معالمها. والغموض الذي يحيط بالأقاليم من السودان وفلسطين واليمن إلى العراق وإيران وأفغانستان يخفف كثيرا من موجة التفاؤل التي اجتاحت لبنان بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة.

الوزارة اللبنانية محلية الصنع ولكنها إقليمية الامتدادات والأبعاد. وصورة الوزارة التقليدية التذكارية التي دمجت وزير القوات إلى جانب وزير حزب الله ووزير المردة إلى حدود وزير أمل ووزير الاشتراكي إلى جوار وزير الجنرال ومقاطعة وزير الكتائب مشهد التصوير، تعكس في النهاية تسوية لزاوية من المشكلة وهي الإقرار بتوازن القوى النسبي ومنع الأزمة من الانزلاق نحو الانهيار. وهذا الأمر يعني أن التوافق على الحل لم يحصل وينتظر تبلور آليات للعمل ما يطرح احتمال انفتاح الأزمة مجددا على ملفات داخلية وإقليمية أخرى.

ما حصل في لبنان ليس حلا للأزمة بل خطوة إيجابية لمنع انفجارها ومحاولة عاقلة لتأجيل تداعياتها. والتعليقات التي صدرت بعد إعلان التشكيلة الوزارية كانت مبالغة في ترجيحاتها حين توجهت التحليلات إلى ربط التوافق اللبناني بوجود توافقات عربية وإقليمية ودولية. فما حصل داخليا لا يمكن ربطه آليا بالخارج ولكنه يؤشر إلى نمو رؤية تضغط باتجاه تأجيل الحل بانتظار ما ستسفر عنه المتغيرات الإقليمية والمتحولات الدولية من تشكيلات سياسية في منظومة التحالفات التي أخذت ترتسم صورها الميدانية في أكثر من مكان.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2623 - الثلثاء 10 نوفمبر 2009م الموافق 23 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً