العدد 2639 - الخميس 26 نوفمبر 2009م الموافق 09 ذي الحجة 1430هـ

الإسلام في الوعي الغربي (2)

عبدالجبار الرفاعي comments [at] alwasatnews,.com

مفكر اسلامي عراقي

عبدالجبار الرفاعي

عبدالجبار الرفاعي - كاتب ومفكر عراقي 

لقد عرض «ميشو» نموذجا لما تبلور عنه الحقد الأوروبي في هذه الحروب بقوله: (تعصب الصليبيون في القدس أنواع التعصب الأعمى الذي لم يسبق له نظير، حتّى شكا منه المنصفون من مؤرخيهم، فكانوا يكرهون المسلمين على إلقاء أنفسهم من أعالي البروج والبيوت ويجعلونهم طعاما للنار، ويخرجونهم من الأقبية وأعماق الأرض ويجرونهم في الساحات ويقتلونهم فوق جثث الآدميين، ودام الذبح في المسلمين أسبوعا، حتّى قتلوا منهم - على ما اتفق على روايته مؤرخو الشرق والغرب - سبعين ألف نسمة).

ولما جاءوا معرة النعمان قتلوا جميع من كان فيها من المسلمين اللاجئين إلى الجوامع، والمختبئين في السراديب، وأهلكوا صبرا ما يزيد على مئة ألف إنسان في أكثر الروايات، وكانت المعرة من أعظم مدن الشام، وافاها سكان الأطراف بعد سقوط أنطاكية وكانوا يعتصمون فيها (10). وكان الصليبيون قد ذبحوا في أنطاكية في الطريق أكثر من مئة ألف مسلم .

ويعترف ريمون داجيل - مؤرخ الحملة الصليبية ومرافقها - في سرده للوقائع بأنه: لم يستطع أنّ يشق طريقه وسط أشلاء المسلمين إلاّ في صعوبة بالغة، وأن دماء القتلى بلغت ركبتيه.


دور الاستشراق والعلوم الإنسانية في الهيمنة الاستعمارية

لقد ولدت الدراسات الإنسانية الحديثة في أحضان غارات النهب والسطو التي قام بها الغرب على العالم الآخر. فحملة نابليون على مصر (1798 ـ 1801م) كان يرافقها (150) عالما منهم: علماء متخصصون في دراسة الثقافات، وكانت في أيديهم أوراقهم، وهذا الاتصال الأول بين أوروبا - رائدة الاستعمار - وآسيا وإفريقيا - المستعمرتين - كان حجر الأساس في دراسة ثقافات المجتمعات في هاتين القارتين.

وكان معهد مصر - بفرق الكيماويين، والمؤرخين، وعلماء الحياة، وعلماء الآثار فيه، وبجراحيه، ودارسي العصور الغابرة فيه - اللهواء المتفقة من ألوية الجيش ولم تكن مهمته أقل هجومية من أنّ يصوغ مصر في الفرنسية الحديثة.

وقد أكد عالم الاجتماع الأميركي «أرنولد جرين» أنه (إذا كانت حكومة الولايات المتحدة ترغب في إقامة روابط سياسية واقتصادية وثيقة مع بلدان شعوب العالم بأسره فإن علينا - ويقصد علماء الاجتماع - أنّ نعرف أكثر ما نعرفه عن هذه البلدان وعن شعوبها: ما هي ثقافتهم؟ وما هي اتجاهاتهم السائدة نحو الولايات المتحدة ونحو النمو التكنولوجي؟ وما هي معتقداتهم وانحيازاتهم التي يمكن التعرف عليها والإفادة منها لجذبهم إلى فلك نفوذنا؟ وما هي الأبنية الاجتماعية الطبقية السائدة ومراكز القيادة؟ ومن هم هؤلاء الّذين نحتاج تعاونهم أشد الاحتياج قبل الشروع في تنفيذ مختلف البرامج؟ وبعد البدء في هذه البرامج فإن علينا أنّ نواصل جمع الإجابات على هذه الأسئلة جميعها بحرص والتأكد منها.

لقد سخر الإنسان الغربي جميع الأدوات المعرفية في العلوم الإنسانية - فضلا عن التكنولوجيا - من أجل إخضاع المجتمعات الأخرى لنفوذه، وتكريس وتعميق المشكلات والتداعيات الحياتية التي كانت تعاني منها تلك المجتمعات، فخرجت تلك العلوم عن حيادها العلمي، وأضحى علماء الاجتماع و»الأنثروبولوجيا» مستشارين للمؤسسة العسكرية. فتحالفت الأكاديميات العلمية مع الجيش، وباتت هذه الأكاديميات بمثابة مراكز التعبئة والإسناد العلمي لوزارات الدفاع والمخابرات، وربما كانت وظيفتها أهم من هذه الوزارات في إجهاض وتفتيت الثورات وحركات المقاومة في البلاد السمتعمرة، وعلى حد تعبير الباحثة «مادلين جرافيتس»: «يمكن أنّ نلخص السياسة الأميركية الخارجية في جملة وردت في إحدى المقابلات لـ «ج .دبيرمان» يقول فيها: لقد كان الحل السابق لمنع الثورة هو: عشرة عساكر لكل محارب مغوار. أما الآن فالحل هو عشرة أنثر وبولوجيين لكل محارب».

وكان الاستشراق من قبل قد مهد لقيام علماء الاجتماع والأنثر وبولوجيا الغربيين بمهماتهم في دراسة المجتمعات الشرقية، وإعداد المتطلبات اللازمة لمعرفة هذه المجتمعات، واكتشاف أنماط حياتها، وتقاليدها، ومناهج تفكيرها.

لقد اعتمدت البحوث الاجتماعية على المعطيات الوفيرة، التي تراكمت عبر سنوات طويلة من إنتاج المتشرقين وخبراتهم في اللغات والعادات، والفولكلور، والتراث، والدين في الشرق، وكان محورها تركيب صورة خاصة للشرق صارت هي الصورة الأم التي تأسست عليها كلّ الرؤى بشأن الشرق في الوعي الغربي فيما بعد.

إقرأ أيضا لـ "عبدالجبار الرفاعي"

العدد 2639 - الخميس 26 نوفمبر 2009م الموافق 09 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً