العدد 2665 - الثلثاء 22 ديسمبر 2009م الموافق 05 محرم 1431هـ

الإمام الحسين وثورته الخالدة

منصور محمد سرحان comments [at] alwasatnews.com

لم يشهد التاريخ منذ بداية تدوينه وحتى يومنا هذا ثورة بقيت خالدة ومتجددة على مر العصور كثورة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام. وقد شهد تاريخ الإنسانية عبر العصور المختلفة الكثير من الثورات التي وثقت ودونت في كتب التاريخ، إلا أن تلك الثورات على الرغم من أهمية بعضها إلا أنها لم تبلغ درجة العلو والسمو والخلود كثورة الإمام الحسين (ع) التي سطّر ملحمتها بأحرف من نور في يوم العاشر من محرم الحرام سنة 61هـ في أرض كربلاء قبلة التضحية والإباء والعزة والكرامة.

نعم كانت كربلاء مازالت وستستمر قبلة الإباء والتضحية والمثل العليا في الإسلام. وقد أشاد المئات من المؤلفين والمؤرخين والباحثين والمفكرين بثورة كربلاء المقدسة ودورها في الحفاظ على بيضة الإسلام والحث على البذل والتضحية من أجل العيش بكرامة. وقد عبّر عبدالله العلائي في كتابه «سمو المعنى في سمو الذات: أشعة من حياة الحسين عليه السلام» عن ثورة كربلاء الخالدة بأبيات نقتبس منها التالي:

فيا كربلاء كهف الإباء مجسما

ويا كربلاء كهف البطولة والعلا

ويا كربلاء قد حزت نفسا نبيلة

وصيّرت بعد اليوم رمزا إلى السما

ويا كربلاء قد صرت قبلة كل ذي

نفس تصاغر دون مبدئها الدنا

ويا كربلاء قد حزت مجدا مؤثلا

وحزت فخارا ينقضي درنه المدى

فخار لعمري سطّرته ضحية

فكان لمعنى المجد أعظم مجتلى

فللمسلم الأسمى شعار مقدس

هما قبلتان للصلاة وللإبا

إن هذه القصيدة الرائعة جعلت الدكتور عبدالجواد الكليدار يذكر في كتابه «تاريخ كربلاء» عبارة رائعة في حق تلك البقعة المقدسة بقوله: «كربلاء قبلة الإباء ومكة قبلة الصلاة في الإسلام» وقد اقتبس هذه العبارة من البيت الأخير من قصيدة الأستاذ عبدالله العلائلي:

فللمسلم الأسمى شعار مقدس

هما قبلتان للصلاة وللإبا

ويشرح الدكتور الكليدار السبب الذي من أجله أطلق عبارة «كربلاء قبلة الإباء» وهي عبارة العلائلي أيضا بقوله: «إن ما جعل من كربلاء كعبة ثانية للمسلمين، وجعل منها قبلة للأحرار والمفكرين في جميع أدوار التاريخ الإسلامي إلى الآن وإلى الأبد هو وجود قبر الحسين عليه السلام فيها، الذي ضحى بنفسه وأهله وذويه على ساحة هذه الأرض في سبيل المبادئ الإسلامية العليا، والمثل الإنسانية الفضلى».

يذكر الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه «نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية» خلود ثورة الإمام الحسين (ع) التي أطاحت بالدول ودكت عروش الظلمة وحوّلت الهزيمة في معركة غير متكافئة إلى نصر بقوله: «إذا كان قد هزم في معركة حربية أو خسر قضية سياسية، فلم يعرف التاريخ هزيمة كان لها الأثر الصالح المهزومين كما كان لدى الحسين (ع) فلقد أثار مقتله ثورة ابن الزبير وخروج المختار، ولم ينقض ذلك حتى انقضى الأمر إلى ثورات أخرى إلى أن زالت الدولة الأموية بعد أن أصبحت ثارات الحسين هي الصرخة المدوية لتدك العروش وتزيل الدول، فقام بها مُلك العباسيين ثم الفاطميين، واستظل بها الملوك والأمراء بين العرب والفرس والروم».

رد الدكتور صبحي على الذين تحاملوا على الإمام الحسين وأرادوا تشويه التاريخ من خلال قولهم إن الإمام الحسين قام بعمل انتحاري يحسب عليه من قبيل إلقاء النفس في التهلكة. لقد فند الدكتور صبحي تلك المقولة التي أخذ يروّج لها البعض من أعداء الدين والإنسانية بقوله: «... فقد قطع على أعدائه كل عذر، ولم يدع لهم حجة تبرر إقدامهم على قتله حين عرض عليهم شروطه وحين تحمل العطش هو ومن معه وفي معسكره من النسوة الأطفال، وحين لم يبدأهم بقتال حتى أغلق عليهم باب كل عذر، وحين وقف فيهم خطيبا قبل نشوب القتال وسألهم فيم يقتلونه وليس لهم ثأر عنده ولم يغتصب منهم مالا وهم لا يشكّون أنه ابن بنت نبيهم، ومع ذلك فهذه كتبهم التي تملأ خرجين كبيرين كلها تدعوه للخروج وقد نشرها بين أيديهم».

وتشير بنت الشاطئ في كتابها «بطلة كربلاء» إلى ما رمى إليه الدكتور أحمد محمود صبحي من أن ثورة الحسين ودور السيدة زينب أخت الحسين عليهما السلام سبب التحولات السياسية بعد استشهاد الحسين وسقوط بعض الدول بقولها: «لقد أفسدت زينب أخت الحسين على ابن زياد وبني أمية لذة النصر وسكبت قطرات من السم الزعاف في كؤوس الظافرين، وأن كل الأحداث السياسية التي ترتبت بعد ذلك من خروج المختار وابن الزبير وسقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية وتأصل مذهب الشيعة إنما كانت زينب بطلة كربلاء باعثة ذلك ومثيرته».

تناول الدكتور محمد عبده يماني في كتابه «علموا أولادكم محبة آل بيت النبي» بشيء من التفصيل لواقعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام، فيبدأ ذلك بقوله: قصة استشهاد الحسين رضي الله عنه قصة أليمة ومحزنة، وجرح عميق في قلب كل مسلم يعرف ما للدم المسلم عند الله عزوجل من الحرمة، وما لأهل البيت من الحق والفضل والشرف، وما للحسن والحسين من مكانة، فقد كانا قرة عين رسول الله (ص)، وكان يجلسهما على ركتبه ويقول «اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما».

لخص الدكتور يماني في كتابه الروايات التي ذكرت واقعة الطف مؤكدا أن الحياة صراع بين حق وباطل، وبين إيمان وكفر ونفاق ليبلوا الله الناس بعضهم ببعض فينظر كيف يفعلون، ذاكرا خلاصة تلك الروايات: «إن أكثر الذين قاتلوا الحسين وعصابته من هؤلاء أو من السفهاء المخدوعين بهم من طلاب الدنيا، وقد استجاب عمر بن سعد لطلب الحسين رضي الله عنه وكتب إلى عبيدالله بن زياد فهمّ أن يسيّره إلى يزيد، فقال شمر بن ذي الجوشن لابن زياد: لا، إلا أن ينزل على حكمك فأرسل إلى الحسين بذلك فقال: «والله لا أفعل»، وأبطأ عمر عن قاتله، وكان مع عمر بن سعد نحو ثلاثين رجلا من أعيان الكوفة فقالوا له: «يعرض عليكم ابن بنت رسول الله (ص) ثلاث خصال فلا تقبلوا منها شيئا، فتحوّلوا مع الحسين يقاتلون معه».

وينهي الدكتور يماني حديثه عن واقعة كربلاء بقوله: «وهكذا يتضح أن ذا الجوشن كان رأسا من رؤوس الفتنة الذين حرّضوا على قتل الحسين، وهو الذي أنشب القتال، وهو الذي كان يحث على قتله حتى تم له ما أراد عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وعلى الذين شاركوا بقتله كذلك، وإنا نحتسب أبا عبدالله في الشهداء عند ربهم يرزقون، وإنا لله وإنا إليه راجعون».

إن سبب خلود ثورة الإمام الحسين الأهداف العظيمة والنبيلة التي ضحى من أجلها وهي أهداف تخص المجتمع الإنساني برمته والتي منها الدفاع عن الدين الإسلامي ومبادئه السمحاء ونشر العدل بين الناس، واحترام البشر والمحافظة على كرامتهم، والعيش بعزة وكرامة وحرية ومقاومة الاستعباد والمذلة والمهانة، والمطالبة بالحقوق... تلك الأهداف لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التضحية بالنفس وهو ما فعله أبو الأحرار الإمام الحسين عليه السلام.

إن الأهداف السامية التي رسمها الإمام الحسين لثورته هي سرّ خلود هذه الصورة وتجددها، وفي ذلك نظم الشاعر البحريني الكبير عبدالرحمن المعاودة في قصيدة له بعنوان «يا ابن فاطمة الزهراء» ألقاها في حفل أقيم بمناسبة ذكرى الأربعين ليوم استشهاد الحسين سنة 1374هـ جسّد فيها معاني العزة والكرامة والخلود لثورة الحسين نقتبش منها:

إن الإمام الحسين السبط وهو كما

في علمكم نسل خير الخلق والرسلِ

ضحى وقاوم عدوان الطغاة ولم

يلحقه في الله من وهنٍ ولا كللِ

والمجد لا يُشترى إلا بعاصفة

تجتث كل غشومٍ جائرٍ نذلِ

والعز في قبة الأفلاك مربعة

يرقى له غير ذي ضعفٍ وذي كسلِ

هكذا ستبقى ثورة الإمام الحسين عليه السلام خالدة مدى الدهر أو كما قال أحد الشعراء:

كذب الموت فالحسين مخلد

كلما أقدم الزمان تجدد

إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"

العدد 2665 - الثلثاء 22 ديسمبر 2009م الموافق 05 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً