العدد 2668 - الجمعة 25 ديسمبر 2009م الموافق 08 محرم 1431هـ

ملفات العالم الإسلامي في العام المقبل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ملفات كثيرة تنتظر العالم الاسلامي في العام 2010. بعض هذه الملفات يتجاوز الإطار الموضعي وسيكون له تأثيره الإقليمي على أصعدة مختلفة. أهم تلك الملفات الموضوع الفلسطيني الذي لايزال يحتل الموقع الأول في جدول أعمال الدول العربية حتى لو دخلت في صراعات جانبية أو تجاذبات محلية.

الملف الفلسطيني أصبح على أبواب تحولات تنتظر الحسم على أكثر من جانب. فهناك أولا مسألة التفاوض ومدى استعداد الطرف الفلسطيني للتنازل في حال استمر الطرف الإسرائيلي في مشروع التوطين والتهويد وتوسيع المستوطنات. وهناك ثانيا موضوع الخيار البديل في حال استقرت السياسة الأميركية على قاعدة الانحياز الدائم للاستراتيجية الإسرائيلية التي تشرف على إدارتها الآن حكومة بنيامين نتنياهو. وهناك ثالثا منهج المسارات الإقليمية الذي تلجأ إليه تل أبيب للضغط على السلطة الفلسطينية حتى لا تتصلب في مواقفها المبدئية. وهناك رابعا مشكلة الفراغ الدستوري واحتمال تواصل الانقسام السياسي بين الضفة والقطاع على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في الشهر الأول من السنة المقبلة.

استحقاقات كثيرة تواجه الملف الفلسطيني وهي في مجموعها محكومة بسلسلة من الشروط والعوامل الدولية والإقليمية والإسرائيلية والمحلية. فالجانب الدولي أخذ يتراجع عن وعوده وبدأ يتجه نحو بدائل للتهرب من مسئولياته والتزاماته. والجانب الإقليمي (سورية) لايزال يدور حول حلقة مفرغة من الاتصالات الغامضة مع المحيط الجغرافي ما يؤشر إلى وجود حالات من الارتباك بين الدخول في طور التفاوض على المسارات ذات الصلة بالقضية وبين تجميد واقع الاحتلال على ما هو عليه من دون حسم أو ترجيح لمنطق اللاحرب أو اللاسلم المعتمد سياسيا منذ العام 1973. والجانب الإسرائيلي الذي يناور على كسب الوقت وتوظيف العامل الزمني لتعديل الخرائط العمرانية والبشرية في القدس والضفة والجولان بقصد تشكيل وقائع ميدانية تعطل لاحقا إمكانات الانسحاب والتسوية العادلة. والجانب المحلي المنشطر على حكومتين في الضفة والقطاع سيكون في وضع أسوأ في حال استمر الانقسام ولم تتوصل القوى السياسية إلى تأسيس آليات تضبط التجاذبات بين السلطة وحماس وتمنع انزلاقها نحو توترات يرجح أن تنمو في مرحلة الفراغ الدستوري وتلك الاستحقاقات الميدانية التي ترتفع حراراتها بسبب انتفاخ التورم الاستيطاني.

الملف الفلسطيني لايزال يشكل القضية المركزية الأهم في العام المقبل إلا أن الملف العراقي الذي يواجه استحقاق الانتخابات لا يقل أهمية نظرا للمداخلات الإقليمية التي ترمي بثقلها عليه. فالانتخابات العراقية تعتبر دستوريا نقطة قطع أو ربط بين محطتين تاريخيتين الأولى تقطع مع مرحلة الاحتلال وبدء التموضع وإعادة الانتشار تمهيدا للانسحاب الأميركي في فترة لاحقة، والثانية تربط تداعيات ما بعد الاحتلال في مرحلة يرجح أن تتشكل خلالها شخصية العراق الجديد وموقعه الإقليمي ودوره في ضبط التوازن في محيطه الجغرافي.

الانتخابات العراقية ستكون الحدث الأهم في بلاد الرافدين بسبب تأثيراتها الإقليمية وما تستدعيه من إعادة ترسيم للحدود السياسية مع إيران وتركيا ودول الجوار العربية. فإيران تطمح إلى ترسيخ نفوذها من خلال التدخل الموضعي لترجيح لائحة على أخرى حتى تضمن دورها المتصاعد في المعادلة العراقية. وتركيا تطمح نحو تشكيل بدائل في مجالها الجغرافي تعوض فشلها في الانخراط في الدائرة الأوروبية. ودول الجوار العربية التي لم تتوصل إلى سياسة متجانسة في التعامل مع ملف العراق بعد الاحتلال تبدو حتى الآن الطرف الأضعف في المعادلة العراقية بسبب الفوضى الأهلية وغياب الدولة وانشطار بلاد الرافدين إلى مراكز قوى طائفية ومذهبية وأقوامية تمنع عودة الوحدة وترسخ الانقسامات الفدرالية أو الكونفدرالية.


احتمالات متدحرجة

إلى الملفين الفلسطيني والعراقي هناك الكثير من الأوراق العالقة أو المفتوحة على احتمالات متدحرجة. في باكستان تتجه الأمور نحو تصعيد سياسي يمكن أن يؤدي إلى نمو فراغ دستوري سيكون له تأثيره على معادلة الدولة (المركز) وبؤر العنف في الأقاليم. ومشكلة باكستان النووية أنها تعاني من ضغوط دولية ومراقبة أميركية في جانب وحاجة واشنطن إليها في جانب آخر لمساعدتها في مطاردة «الإرهاب» وملاحقة خلايا «القاعدة» في وزيرستان وعلى الحدود القبلية المتداخلة مع تضاريس أفغانستان. وهذا التفاوت بين الضغط والحاجة يقلق الحكومة المركزية في إسلام آباد لأنها من جهة لا تستطيع التخلص من المساعدات الأميركية والدعم الدولي، وهي من جهة أخرى غير قادرة على الاستمرار في دفع كلفة حروب الآخرين على أرضها وخوض معركة طويلة نيابة عن الولايات المتحدة.

ملف باكستان موصول بأفغانستان وما يحمله ملفها من استحقاقات منتظرة بعد قرار باراك أوباما في تعزيز قوات الاحتلال وتصعيد نهج المطاردة وتوسيع دائرة المعارك في إطار محلي مفتوح على الأقاليم والمحيط الجغرافي. ومشكلة الرئيس الأميركي تكمن الآن في خياره الأمني وتغليبه الحل العسكري على مختلف المسارات التنموية التي تحتاجها أفغانستان لتتجاوز أزماتها الاجتماعية والتربوية والصحية. وسقوط أوباما في مصيدة الحل العسكري بسبب ضغوط اللوبيات (مؤسسات التصنيع الحربي) في واشنطن يطرح أمام الولايات المتحدة استحقاقات صعبة في حال فشل الأسلوب الأمني في تحقيق أغراضه السياسية على الصعيدين المحلي (أفغانستان) والإقليمي (باكستان وإيران).

الملف الإيراني ليس بعيدا عن أفغانستان وباكستان شرقا والعراق والخليج غربا. فهذا الملف يرجح أن يدخل في طور حساس في العام 2010 بعد أن فقدت طهران الكثير من أوراق القوة وأدوات الضغط بسبب السياسات الايديولوجية المتهورة التي بالغ الرئيس المضطرب محمود أحمدي نجاد في استخدامها ما أدى إلى تراجع وظائفها الإقليمية وخسرت زخمها في التأثير أو التخويف. والقلق الذي أحدثته طهران في إطارها الجغرافي ارتد عليها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وأنتج حالات من الذعر النفسي بين السلطة (الأمن والحرس الثوري والباسيج) والشارع السياسي الذي أخذ يتموج غضبا من طهران إلى مشهد وتبريز وأصفهان.

الموضوع الإيراني سيكون المجال الحيوي للتجاذب الدولي والإقليمي في العام 2010 بسبب تداخل الملفات وتضاربها من باكستان وأفغانستان إلى العراق والخليج وصولا إلى مرتفعات اليمن. الملف اليمني الجديد الذي انكشف فجأة على مجموعة أوراق محلية (الدولة والقبيلة وضعف التنمية) وإقليمية (تعرض أمن السعودية وحدودها للخطر) ودولية (دخول تنظيم القاعدة على خط انفصال الجنوب عن الشمال) يرجح أن يمتد موضعيا حتى تستقر موجة الهجوم الحوثي على معادلة واضحة في رؤيتها السياسية. ومشكلة التمرد في صعده أنه غير واضح في أهدافه وماذا يريد تحديدا وما هو الاتجاه الذي يسير إليه؟ فهل يطمح نحو إرباك السلطة، الاستيلاء على المركز، انفصال المحافظة، استقلال القبيلة عن الدولة، التمدد الإقليمي ضد الجوار الجغرافي؟ كل هذه الاحتمالات مجرد أسئلة يرجح أن تتبلور أجوبتها في النصف الأول من العام المقبل.

العام 2010 مثقل بالملفات الكثيرة التي تواجه العالم الإسلامي، وهي كثيرة إلى درجة يصعب تعدادها وملاحقتها دفعة واحدة نظرا لخطورة الاستحقاقات ومساحة المدى الجغرافي للمشكلات وتداخلها مع منظومة العلاقات الدولية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2668 - الجمعة 25 ديسمبر 2009م الموافق 08 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً