العدد 267 - الجمعة 30 مايو 2003م الموافق 28 ربيع الاول 1424هـ

بوادر الإصلاحات في المملكة العربية السعودية

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

المملكة العربية السعودية في طريقها نحو فضاء الديمقراطية والانفتاح والشفافية ونحو العمل لتعزيز حقوق الإنسان، وخصوصا حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، ولو في المسائل المتعارف عليها إنسانيا، كحقها في العمل والمشاركة الفاعلة في المنتديات والسياحة والسفر وعدم عزلها أو فصلها في قضايا الشأن العام. هذه هي الآمال التي تطرحها النخبة السعودية بالاضافة إلى الحقوق الإنسانية الكبرى كحق التعبير الحر والرأي الآخر والتعددية والحريات العامة والخاصة من حرية الصحافة والتعبير والتنقل والاحتجاج السلمي، فإن الآمال تتوجه نحو تطوير النظام السياسي للحكم باتجاه الاصلاح الدستوري الذي يؤدي إلى إقامة دولة المؤسسات، وضرورة الفصل بين السلطات، وإقامة سلطة تشريعية منتخبة مباشرة من الشعب وتكون لها سلطة رقابية على السلطات الأخرى؟

جملة من التطورات السياسية في السعودية في هذه المرحلة قد فرضت طرح هذه الأسئلة، وهي تطورات لها جذورها الممتدة فيما بعد حرب الخليج الثانية، وحوادث 11 سبتمبر/أيلول الأميركية وماتلاها من تداعيات. ولكن الاهم من ذلك ماتم التعويل عليه لدى البعض بأن المشروع الاميركي الذي أعلن عنه والخاص بدمقرطة الدول العربية، وخصوصا تلك الدول التي تمتلك تربة مهيئة لنمو التطرف الديني او القومي او حتى الوطني ومن ثم تقوية قوى الارهاب حسب المفهوم الاميركي.

ان هذه الورقة تركز في سياق محاورها على البنية الداخلية للمملكة العربية السعودية وأبراز أهم العوامل الداخلية للاصلاح السياسي.

1- على صعيد تداعيات حرب الخليج الثانية، برزت مقولات حقوق الإنسان واصلاح وتطوير أنظمة الحكم في الخليج وعدم تعامل الولايات المتحدة الأميركية بمعايير مزدوجة، فالديمقراطية والتعددية لا تعني بالنظام العراقي فقط، بل الأنظمة الخليجية كافة معنية بها، وبرزت في السعودية حركات متواضعة ولكنها مؤثرة كمسيرة النساء اللاتي طالبن بحق السياقة، والتي نفذتها (47) إمرأة في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1990، إبان استعدادات القوات العسكرية الأميركية لبدء شن حربها على العراق، إذ كانت العسكريات الأميركيات يقدن السيارات على أراضي المملكة، ما شجعن النساء السعوديات باستغلال هذه الظاهرة، فتحركن في مسيرة بسياراتهن من كراج سوبرماركت السيفوي التميمي في مدينة الرياض إلى الطريق العام، ولقد وجوهت هذه الحركة بمقاومة كبيرة من التيار السلفي. كما قدم بعض المثقفين والأكاديميين والكتاب بعض العرائض والمذكرات مطالبين فيها بالاصلاح السياسي الجزئي، وكانت الخطوة النوعية الكبيرة والمتميزة هي العودة الثانية للمعارضين السياسيين وبداية التصالح السياسي والمذهبي، وإعادة الاعتبار لهم وتعويضهم تعويضا متميزا إذ ان الدفعة الاولى من المعارضين السعوديين قد رجعت إلى المملكة في الثمانينات من القرن الماضي. (متمنيا أن يستفيد الحكم عندنا من هذه التجربة وهو أمام استحقاقات مئات المعارضين المنفيين الذين رجعوا إلى البلاد ومازالت قضية إعادة الاعتبار لهم وتعويضهم وتحسين ظروف معيشتهم معلقة لغاية الآن ولم يتعامل الحكم معها بجدية وشفافية ومساواة وعدالة وعدم التمييز فيما بينهم!).

2- أما على صعيد تداعيات ما بعد حوادث 11 سبتمبر، فلقد كان جليا للمراقب محاولات اللوبي اليميني الأميركي وبالتحالف مع الحركة الصهيونية وأداتها السياسي والعسكري المتمثلة بالكيان الصهيوني في فلسطين في زج المملكة ضمن محور الشر عبر سلسلة من الحملات الإعلامية في الصحف والمجلات أو القنوات الفضائية أو تسريب تقارير رسمية من كبار المسئولين تتضمن إلصاق تهمة الارهاب الدولي بالسعودية، ذلك من واقع وجود العدد الأكبر من المشاركين في العمليات الانتحارية على نيويورك وواشنطن من أبناء المملكة. وكان ذلك مناسبة واستثمارا كبيرا للهجوم على حكومة المملكة وخصوصا مواقف الأمير عبدالله ولي العهد تجاه القضية الفلسطينية، هذا فضلا عن استثمار ذلك لإعلان الهجوم على المؤسسة الدينية الوهابية القوية والمترسخة في المجتمع السعودي والمتحالفة تاريخيا وعضويا مع الأسرة الحاكمة. وضمن عملية الشد والجذب وتخفيف الاختناقات، تم تنفيذ سلسلة من الإجراءات للحد من حركة بعض الأئمة والفرق السلفية، ودمج المؤسسة التعليمية للبنات مع البنين كأول خطوة عصرية متقدمة لتخفيف هيمنة المؤسسة الدينية الوهابية على التعليم العام، والسماح للمنتديات غير الرسمية في إقامة ندواتها السياسية في الشأن العام، إضافة إلى تطوير جزئي طفيف لمجلس الشورى، واستقبال وفود من منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية، وتشكيل تنظيم عمالي على نمط اللجان العمالية المشتركة في البحرين والتي كانت مرفوضة من قبل الحركة العمالية البحرينية منذ السبعينات من القرن الماضي، بجانب رفض المنظمات العمالية العالمية لها، غير أن الخطوة السعودية تجاه التنظيم النقابي العمالي أعتبرت خطوة إيجابية مرحليا لتخفيف الضغوط التي مارستها المنظمات العالمية والعربية في المؤتمرات السنوية لمنظمة العمل الدولية بشأن التزام المملكة بالاتفاقات الدولية الخاصة بحق العمال في تشكيل نقاباتهم واتحاداتهم وحقهم في المفاوضة الجماعية وتأطير جهودهم وتمثيلهم النقابي السليم في المؤتمرات.

بيد أن في الشهور القليلة السابقة تسارعت التطورات بشكل لم يكن مألوفا في السعودية الذي كان التغيير فيها بطيئا لدرجة الجمود الظاهر للعيان على رغم التفاعلات العميقة التي أخذت تفعل فعلها في عمق البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع السعودي، الأمر الذي خلق اختناقا وتأزما بين البنية الاجتماعية والاقتصادية المتطورة نسبيا (طبقة وسطى - كبيرة - شريحة - متعلمة - أكاديميين - مثقفين - نساء متعلمات واعيات - جامعات - صناعات وافرازاتها الطبقية) وبين بنية فوقية مؤسساتية وتشريعية لا تتلاءم ومع المستوى الاجتماعي والاقتصادي ولا تسمح لهذه البنى أن تنطلق وتأخذ حريتها في تأسيس قيمها وثقافتها ومؤسساتها الفكرية.

أن أهم التطورات المتسارعة تتمثل في استقبال المملكة لوفود من منظمة العمل الدولية التي تعمل من أجل تحسين تشريعات العمل وخصوصا في مجال التنظيم النقابي العمالي وعدم التمييز في العمل بين الرجل والمرأة والمساواة في الحقوق بينهما، وبعض الظواهر السلبية في سوق العمل الخليجي عامة كالسخرة في العمل أو استغلال العمالة الأجنبية الوافدة، وكذلك زيارة مسئولين كبار من منظمة (هيومان رايتش وواتش) الأميركية إذ استقبلهم وزيرا الخارجية والداخلية، وهدفت زيارة هذه المنظمة محاولة تحسين واصلاح النظام القضائي واستحداث قوانين أكثر وضوحا. ان هذه الزيارة تمثل نقلة في تعامل حكومة المملكة مع المنظمات الحقوقية والعمالية التي كانت في المراحل السابقة تتحفظ ليس فقط في استقبال ممثليها بل أيضا تقاريرها ومضامين (اتهاماتها).

ومن التطورات الأخرى الموافقة على إصدار البطاقة الشخصية المستقلة للمرأة وهو القرار الذي استنفر التيار السلفي ما أدى إلى تهدئة روعهم بتصريحات رسمية تراجعية إذ تم وضع قيود تعيق من تحقيق الانفتاح المطلوب على صعيد الحقوق الأساسية للمرأة.

أما التطور الجديد الأهم يتمثل في استقبال ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لمجموعة من المفكرين السعوديين (عددهم 36 مثقفا من مجموع 109 مثقف وقعوا على وثيقة قدموها للحكم) إذ استعرضوا أفكارهم (مطالبهم) في وثيقة ضمت أفكارا لإجراء إصلاح دستوري في المملكة وتطوير النظام الأساسي للحكم يؤدي إلى إقامة دولة المؤسسات، وضرورة الفصل بين السلطات، وإقامة سلطة تشريعية منتخبة مباشرة من الشعب تكون لها سلطة رقابية على السلطات الأخرى. إضافة إلى اصلاح القضاء واستقلالية السلطة القضائية والعمل على إقامة مؤسسات المجتمع المدني ونشر ثقافة الحوار والتسامح بين جميع فئات وعناصر المجتمع والتأكيد على حرية التعبير والرأي بما في ذلك حرية الصحافة والنشر، ودعت الوثيقة التي عنونت نفسها (برؤى) المثقفين وليس بمطالب، وذلك من منطلق الحرص بقبول الحكم بمضمونها وعدم التعامل مع موقعيها بردة فعل عنيفة، دعت إلى ضمان الحقوق العامة والأساسية للمواطن وضرورة معالجة وضع المرأة في المجتمع وإعطائها حقوقها، كما دعت إلى ضرورة المشاركة في قضايا التنمية بما ينسجم مع معتقداتنا الإسلامية، وتجرأت الوثيقة لتطرح الدعوة إلى المزيد من التسامح المذهبي وإعطاء الاقليات الدينية حقوقها، وهي إشارة لضرورة إعادة النظر في هيمنة مؤسسة دينية يسيطر عليها المذهب الوهابي من دون باقي المذاهب الإسلامية وهي التي تفرض تأويلاتها على الواقع السعودي، هذا فضلا عن عدم وجود مشاركة فعلية للمذهب الشيعي الذي يعتنقه جزء من الشعب السعودي وخصوصا في المنطقة الشرقية في صوغ رؤية متعلقة به. وبعد انتصار القوات الاميركية والبريطانية في حربها العدوانية على العراق وسقوط نظام صدام حسين بدأت الاستراتيجية الاميركية بالضغط بشكل سافر على عموم الدول العربية الشمولية، وعلى رغم الخطاب الذي وجههه الرئيس بوش وامتدح خطوات الامير عبدالله بشأن اعلانه ودعوته للاصلاح السياسي في الدول العربية فإن الضغط السياسي والاعلامي على المملكة مستمر وتجاوبت الحكومة السعودية معه، إذ تم تسريح العشرات من ائمة المساجد وتقليص دور جماعة النهي عن المنكر.

ولقد استفاد من هذه الضغوط تيار انفتاحي من كل الاطياف السياسية إذ بادروا في تقديم طلب تأسيس جمعية لحقوق الانسان واعلنت الحكومة على لسان وزير خارجيتها بان الحكومة ستشكل ايضا مؤسسة لمراقبة حقوق الانسان في المملكة

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 267 - الجمعة 30 مايو 2003م الموافق 28 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً