العدد 2672 - الثلثاء 29 ديسمبر 2009م الموافق 12 محرم 1431هـ

كرة النار الإيرانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اتساع الأزمة الإيرانية وتدحرجها كان من الاحتمالات المتوقعة بعد تدوير انتخابات الرئاسة في يونيو/ حزيران الماضي. فالسلطة حين تقرر إقفال باب التفاوض وتعطل التسوية وتهدد قوى الاعتراض باستخدام القوة تكون قد فتحت من دون إدراك قنوات العنف. السلطة الإيرانية أخطأت في قراءة المسألة وتعاملت معها وكأنها مجرد حادث بسيط يمكن احتواء تفاعلاته من خلال التخويف والتهديد بالمطاردة والاعتقال والتعذيب والقتل. وحين تكون القراءة خاطئة إلى هذا الحد من التهور تصبح مسارات العنف مفتوحة على موجات متتالية من التصادم بين شارع سياسي اشتهر بالحيوية والاستعداد للتضحية وسلطة تقودها شريحة من الرؤوس الحامية.

وضع إيران أسوأ الآن مما كان عليه الأمر قبل نصف سنة تقريبا. ويرجح أن يستمر الحال بالتفاقم إذا استمر تعامل السلطة مع قوى الاعتراض بالشكل الذي قررته منذ أعلن وزير الداخلية السابق (محصولي) نتائج الانتخابات الرئاسية.

إيران أمام مفترق طرق وعلى القيادة السياسية أن تقرر الاتجاه الذي تريد السير نحوه. فهل تعيد النظر بالحسابات وتبدأ الانفتاح على قوى الاعتراض وتأخذ موقع الوسط وتفتح الباب للتصالح والتسوية مع جيل الثورة والدولة الأول أم أنها تستأنف خيار المواجهة وتدفع الأزمة نحو مزيد من الاتساع والتدحرج؟

القرار يحتاج إلى عقلية تسووية تضع الاحتمالات في ميزان يحتكم إلى العدالة ويرى الأمور من موقع يتعالى على خصوصيات تلك الشريحة من الطفيليات التي أخذت تتحكم بمصادر الثروة وتدفع السلطة نحو التدهور والانزلاق في صدامات دائمة مع الجمهور.

مصلحة تلك الشريحة من الطفيليات تقوم على معادلة القوة والإفراط في استخدامها حتى تتوصل إلى التحكم بشرايين الحياة وتفريغ الثورة من عصبها وتجويف الدولة من عناصرها التي ساهمت في بناء مؤسساتها. وهذه المصلحة تأسست على مبدأ المصادرة والاحتكار والكسب السريع والانتقام من المؤسسات المدنية والمجاميع الأهلية والتيارات الفكرية وهيئات المراقبة. بسبب ضيق أفق هذه الشريحة من الطفيليات يمكن توقع المزيد من حالات العصيان المدني واتساع نطاق الاعتراض. فالشريحة المذكورة حديثة النعمة وهي مستعدة لدفع البلاد نحو موجات من العنف لتبرير الانغلاق وإعطاء شرعية للديكتاتورية والعسكريتاريا. ومشكلة هذا النوع من الطفيليات أنه يعتمد على سياسة تتوهم القدرة على السيطرة اعتمادا على البطش والابتزاز وتزوير الوقائع وتدوير الحقائق. والتوهم في مجال السياسة يكثر من الأخطاء لأنه من جانب يقلص قاعدة الدولة وشبكاتها الاجتماعية الممتدة ومن جانب آخر يوسع من دائرة الخصوم ويرفع درجة التوتر السياسي على مساحة الجمهورية.

المؤشرات تدل على أن السلطة غير مستعدة للتراجع وربما أصبحت في موقع لا يسمح لها بالمراجعة وإعادة قراءة الملفات وترتيبها وفق جدول ينظم الأولويات ويحدد خريطة طريق للتعرف على الأصحاب والأعداء. الإفراط في العنف والتوغل في استخدام القوة والانغلاق على الذات كلها سمات تتبعها السلطات في لحظة انعدام الثقة بالشارع والخوف منه، وهذا ما بدأ يظهر من خلال رصد التصدعات التي أخذت تنتشر في مختلف المحافظات والمدن والحواضر والمراكز التقليدية والهيئات المرجعية.


المعلوم والمجهول

مشكلة أصحاب الرؤوس الحامية في السلطة الإيرانية تتمثل في اللحظة الراهنة في عدم قدرة الرئيس المضطرب على التمييز بين التيار الذي يريد تصحيح الأخطاء حفاظا على الدولة والثورة وبين تيارات مجهولة الهوية والعنوان تتربّص في الزوايا وتتحين الفرص للاندفاع ودفع المواجهة نحو خيارات أخرى. الجيل الأول لا يريد التغيير ولا يفكر بتجاوز حدود الجمهورية وقواعدها وإنما يأمل أن يرتب الأمور بما يضمن التوازن والانفتاح والتصالح مع العالم ودول الجوار. وهذا الجيل لايزال يتمتع حتى الآن بتلك القدرة التي تسمح له بإعادة إنتاج مصالحة عاقلة تضبط ميزان العدالة في الحدود المقبولة.

السلطة لم تستوعب هذه المسألة وهي تتعامل مع الجيل المؤسس وكأنه يريد الانقلاب على الجمهورية التي وضع دستورها ودافع عنها وبنى مؤسساتها وله مصلحة في استمرارها وصيانتها ومنعها من التقوض. وبسبب ضعف إدراك سلطة الطفيليات لهذا النوع من الاستعداد للتعاون اتجهت نحو خيار المواجهة انطلاقا من رؤية تبسيطية تقوم على الحل الأمني وتختزل الأزمة بحادث عارض يمكن السيطرة عليه بسهولة.

المسألة أعقد من تهويمات السلطة السياسية لأنها تتجاهل هواجس جيل ثالث أخذ يتشكل ويتكون خارج عباءة الجيل الأول. والجيل الثالث في حال خرج من تحت الأرض بقوة إلى الشارع فإنه سيعطل على الأول (المؤسس) تلك القدرات التي تمنحه فرصة ترتيب تسوية عادلة ومقبولة مع السلطة.

حتى الآن لايزال الجيل الأول يتمتع بذاك النفوذ التاريخي الذي يساعده على ضبط العنف تحت سقف الشرعية والدستور، إلا أن تطور الأمور باتجاه المزيد من المصادمات سيؤدي إلى إضعافه وتراجعه لمصلحة نمو قوة مجهولة تعتمد أجندة سياسية لا تتوافق مع هيئة الدولة ومبادئ الثورة.

المريب في الموضوع أن السلطة تتواجه مع الجيل الذي يريد حماية الثورة وعدم التفريط بمنجزات الدولة من خلال ابتزازه بمطاردة العائلات وتهديد أولاد وأحفاد الرموز التقليدية والتاريخية بالاعتقال، وتتعامى عن قراءة تحولات بنيوية بدأت تنمو في محافظات الجمهورية ويرجح أن تأخذ مواقعها بعيدا عن دائرة الجيل المؤسس في حال تواصل القمع وتمدد.

الأسوأ لم يظهر على الشاشة السياسية الإيرانية. وهذا الاحتمال ليس مستبعدا في حال قررت السلطة متابعة نهج الحل الأمني والسير باتجاه الانغلاق على كل المسارات السلمية والتسووية. ومشكلة هذه الشريحة من الطفيليات أنها تعتقد أن معركة الفصل هي مع رموز الجيل المؤسس، وهي إذا نجحت في تطويق وعزل أو اعتقال رفسنجاني وخاتمي وموسوي وكروبي ورضائي تكون سددت ضربتها الكبرى وأنهت الجولة لمصلحتها وأصبحت تتحكم بمصادر الثروة من دون منازع. هذه القناعة هي الخطأ بعينه لأن المعركة مع الجيل الأول سهلة في اعتبار أن رموزها لا تريد دفع الأزمة نحو الانفجار بل تطويعها والسير بها نحو الحل ما يعني أن إزاحة هؤلاء وإبعادهم عن المشهد سيساعد على فتح المعركة على مسارات العنف والخيار الأسوأ.

إيران أمام مفترق طرق والأزمة التي أخذت بالانفلاش والتدحرج منذ ستة أشهر يرجح أن تستمر في الاتساع والتحول والتطور نحو مزيد من التعارضات. وتدحرج كرة النار يعني انتقال الأزمة من إمكانات الحل مع الجيل الأول إلى انفجارها مع أطراف مجهولة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2672 - الثلثاء 29 ديسمبر 2009م الموافق 12 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 12:58 م

      ستستيقظون بعد حين

      اننا واثقون من قدرة النظام الإسلامي وكما تسمونه نظام الملالي من السيادة + الريادة وستعلمون أنكم أيها العرب متخلفون ومتحجرون ولا زلتم تفكرون في ما تأكلون وتخرجون حتى الآن، ولكن ستعون بعد فوات الأوان.

    • زائر 9 | 7:06 ص

      تلك امانيهم

      يا "استاذ" وليد احلم واشبع احلام، النظام الاسلامي الإيراني اقوى بكثير من هذه الأزمة وسترى وسنرى معك ان ايران ستتجاوز هذه المشكلة وستكون بعدها اقوى واقوى، فإيران اثبتت منذ قيام النظام الأسلامي فيها انها تتعلم الدروس وتستفيد منها فهي ليست كالأنظمة العربية البائسة. الإيرانيين يا اخي فاق تعدادهم الثمانون مليون وبكل تأكيد وكل يقين اكثرهم خلف النظام الأسلامي وهي علاقة عقائدية ولا يوجد اقوى من رابط العقيدة فهل بعد ذلك خوف على ايران ونظامها وشعبها ؟!!!

    • زائر 8 | 4:32 ص

      المشهد الايراني به مفارقة

      الاستاذ وليد تحياتي العطره لك مقال رائع وان كنت اتفق معاك في بعض النقاط الا اجد ان المشهد الايراني به مفارقة وهو ان الشعوب العربية تصدق الاعلام الحكومي وتكذب المعارضة ولكن في المشهد الايراني اصبحت الشعوب العربية تصدق المعارضة الايرانية وتكذب الاعلام الحكومي الايراني

    • زائر 7 | 4:20 ص

      الاخوه الاعزاء

      الاخوة الاعزاء والكاتب نقل وجهة نظره في الموقف الايراني وهذا حقة لذا اي شخص يكتب تعليق ان يكون يحيادي لا يكتب فوق ميوله هواه الطائفي

    • أجودي | 1:23 ص

      أمرك غريب

      الغريب هو انت الذي لا ندري متى ستسيقظ؟ اذا كان اسم رضااااائي ورفسنجاااااني لا علاقه لهم بالواقع الايراني.... واذا كان كل هذا الشرح والسرد في الواقع الايراني عندك سطحي!!!!!! فأسمح لي هناك خلل....

    • زائر 6 | 1:23 ص

      يا ذابحهم يا استاذ وليد

      فروخ ايران منبطة جبدهم. فضايحهم في كل مكان لا ظل لا يوتوب و لا فيس بوك. اللهم استر علينا بسترك. بعد ما بتنشر؟ ويش سالفتك اليوم كلموك الجماعة؟

    • زائر 5 | 1:00 ص

      متى ستسيقظ؟

      لا أدري متى سيستيقظ الكاتب من غفلته، فلحد الآن لا زال يزج بأسماء وحوادث لا علاقة لها بالواقع، كزج اسم رضائي ورفسنجاني مثلاً في الاضطرابات مما يدلل على تحلل وسطحية شديدة في تحليل المشهد الإيراني، نرجو أن تلتفت لكتابة القصص التاريخية بدلاً من هذه الترهات وشكراً.

    • زائر 4 | 9:57 م

      شكرا

      اعتقد ان ايران راح تحتوي الازمة فهي تعرف ما يحك لها خارجيا

    • زائر 2 | 7:06 م

      حوبة من هذي يا إيران؟

      من دعا عليش؟

    • زائر 1 | 7:04 م

      مقال متزن كما عودتنا استاذنا العزيز

      عكس أصحاب الهوسات و مسوقي مشروع ولاية الفقيه خارج حدود إيران.

اقرأ ايضاً