العدد 2677 - الأحد 03 يناير 2010م الموافق 17 محرم 1431هـ

اليمن يحتاج إلى حل غير «أفغاني»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دخول تنظيم «القاعدة» على خط اقتتال السلطة مع الحوثيين في صعدة، وتهديد حركة الشباب المسلم الصومالية بإرسال مقاتلين إلى اليمن للمشاركة في المعارك، واتساع رقعة القرصنة في المحيط الهندي، كلها عناصر تقاطعت زمنيا وجغرافيا لتعطي ذريعة للدول الكبرى بالتدخل في إدارة الأزمة اليمنية. الأزمة الآن في طريقها للتدويل بعد أن دعت بريطانيا بالتنسيق مع الولايات المتحدة إلى عقد مؤتمر دولي طارئ في نهاية الشهر الجاري لبحث سبل مساعدة صنعاء على مواجهة مخاطر الإرهاب.

التحرك الدولي تحت المظلة الأمنية يؤشر من جانب إلى وجود نوع من القلق من احتمال اتساع بؤرة العنف في منطقة إستراتيجية تطل على خطوط تجارية تربط أوروبا بالعمق الآسيوي، ولكنه يؤكد من جانب آخر القصور النظري في رؤية الدول الكبرى الإستراتيجية. فالتحرك جاء على خلفية أمنية ولم يقرأ تلك التعقيدات التي تقاطعت موضعيا لتنتج أزمة محلية قابلة للتصدير الإقليمي والدولي.

مشكلة اليمن ليست أمنية حتى لو ظهرت في صورة إرهابية. وتنظيم «القاعدة» لم يؤسس العنف وإنما استفاد منه للتغلغل والتحكم بتلك المفاصل التي تنتج آليات لا وظيفة لها سوى تصدير الإرهاب من خلال قنوات جاهزة لتقبل هذا الدور.

القراءة الأمنية للأزمة الناشبة في اليمن خطوة ناقصة وهي تكرر تلك الأخطاء التي ارتكبتها الدول الكبرى حين قررت التعاطي مع مسألة الإرهاب في أفغانستان واكتشفت وعورة المكان وصعوبة التضاريس وشبكة العلاقات القبلية التي تتكون منها المجموعات الأهلية. واليمن في هذا النطاق الزمني - البشري ليس بعيدا في تضاريسه الجغرافية وتكويناته القبلية عن المشهد الأفغاني. وبالتالي يمكن الاستنتاج سلفا أن دعوة رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون إلى عقد مؤتمر دولي ستسفر عن نتائج فاشلة حتى لو نجحت الدول الكبرى في تشكيل وحدات عسكرية للتدخل أو المساندة أو مطاردة الإرهاب في اليمن.

عزل الأمن (بؤر العنف) عن الأسباب والمسببات التي تحيط به وتنتجه وتصدره سياسة خاطئة لأنها تنفق المال على قطاع السلاح والتسلح والتجهيز اللوجستي وتترك مختلف الحقول خارج الانتباه وما تتطلبه من رعاية وصيانة. الولايات المتحدة أنفقت منذ نهاية 2001 مليارات الدولارات في أفغانستان لمحاربة «القاعدة» ومطاردة «طالبان» وكانت النتيجة عجز حكومة كابول عن تأمين الحد الأدنى من الحماية للعاصمة وخطوط الإمداد والتموين.

المليارات التي أهدرتها إدارة واشنطن في أفغانستان كان بإمكانها أن تعطي نتائج أفضل لو تم استهلاكها أو استثمارها في حقول تلبي حاجات القبائل وما تريده من مساعدات تشجع على النمو وطلب التقدم. والمشكلة التي تواجهها واشنطن في أفغانستان بعد تسع سنوات من الحرب العبثية يمكن أن تتكرر في اليمن إذا لم تسارع وتبادر الدول الكبرى لتعديل إستراتيجيتها الأمنية وتفصل حلقات الإرهاب عن البيئة التي تنتج آليات العنف.

خطأ إدارة واشنطن في بلاد الأفغان أنها لم تدرك خطورة إصرارها على الربط بين «القاعدة» و «طالبان» ولم تبذل الجهد المطلوب لفك الارتباط بين شبكات الإرهاب وقبائل البشتون. وأدت عملية الدمج بين حالات مختلفة إلى تكوين قاعدة واسعة من الأعداء والخصوم ساهمت في تعطيل خطة السيطرة على أرض وعرة تتماثل تضاريسها الطبيعية مع تضاريس القبائل.

الخطأ يمكن أن يتكرر في بلاد اليمن إذا توجهت سياسة الدول الكبرى نحو اختصار الأزمة بالأمن والإرهاب ولم تقرأ تلك التعقيدات الموضعية التي ساهمت في تأسيس المشكلة وتصعيدها من التضاريس الجبلية والكهوف إلى المحيط الإقليمي (الجواري) والآن أخذت تتجه نحو درجات متقدمة من التدويل.


خلط الأوراق

اليمن يعاني من أزمات. والمشكلة التي أخذت بالتفاقم منذ ستة أشهر لا يمكن حصرها في اضطراب الأمن واتساع بؤر العنف. كذلك من الخطأ خلط الأوراق في ملف واحد والتعامل مع مختلف القضايا من زاوية مكافحة الإرهاب ومطاردة شبكاته الممتدة والمتنقلة. مشكلة التمرد الحوثي في صعدة وجوارها تختلف عن مشكلة الحراك الجنوبي وتلويناته السياسية وتمديداته القبلية. ودخول «القاعدة» على خط الاقتتال وبؤر العنف لا يعطي الذريعة للدول الكبرى أن تتحرك تحت يافطة أمنية وتبدأ بخلط أوراق الملف والتعامل معها في سياق واحد وضمن رؤية ضيقة الأفق لا تقرأ جيدا تعقيدات القبائل وتضاريس الجماعات الأهلية وتأزم علاقاتها مع السلطة المركزية.

مشكلة التمرد الحوثي لا علاقة لها بذلك التوظيف الذي يريد تنظيم «القاعدة» استثمار بيئته الخاصة للتحرك في المجال الجغرافي لموقع اليمن. وتفكيك التمرد الحوثي يحتاج إلى آليات مختلفة عن تلك التي استخدمتها واشنطن في أفغانستان. والأمر نفسه يمكن سحبه على «الحراك الجنوبي» وما يعكسه من هواجس ليست بالضرورة متجانسة مع طموحات «القاعدة» وخططها وأهدافها.

فك الارتباط بين تنظيم «القاعدة» والحراك الانفصالي في الجنوب والتمرد الحوثي في الشمال مسألة مهمة حتى لا يتورط اليمن في حرب عصابات طويلة تشبه في خطوطها العريضة تلك التي تشهدها أفغانستان. وفك الارتباط يبدأ بعزل «القاعدة» من خلال التعامل السلمي (التسووي) مع مخاوف الحوثيين ومطالب بعض محافظات الجنوب.

التعامل السلمي مع بيئات العنف في منطقة جبلية قبلية يحتاج إلى خطة تنمية تشجع الأطراف على التقارب مصلحيا مع المركز. التقارب المصلحي مهما كانت كلفته المالية سيكون أقل بكثير من ذاك الهدر الهائل على موازنات عسكرية لا فائدة منها سوى توسيع رقعة العنف وشبكات الإرهاب.

تدويل الأزمة اليمنية ليس حلا ذكيا، واختصار المشكلة بالأمن والإرهاب والعنف قراءة خاطئة قد تمهد الطريق نحو اتخاذ خطوات ناقصة تجرجر الدول الكبرى والمحيط الإقليمي إلى نموذج الأفغنة. المسألة أكثر تعقيدا ولكنها تحتاج إلى حلول بسيطة تبدأ بفك الارتباط بين حلقات المشكلة وفتح قنوات التخاطب السياسي مع التمرد الحوثي والحراك الجنوبي وتأسيس آليات (برامج) تفرز المشكلات وتعيد ترتيبها وفق جدول أولويات منعا لخلط الأوراق المتخالفة في طبيعتها وتكوينها في ملف واحد.

أزمة اليمن يمنية وهي ليست مستوردة حتى لو شاء تنظيم «القاعدة» استغلال عناصرها المتفجرة والقلقة من نمو المركز وتهميش الأطراف. ولأن الأزمة يمنية المنشأ فإن مفتاح الحل الرئيسي يقبع في صنعاء وليس في لندن أو واشنطن.

دخول «القاعدة» على خط الاقتتال وتهديد الصومال بتصدير الإرهاب واتساع المجال الحيوي للقرصنة كلها عناصر إضافية أعطت ذريعة للدول الكبرى في التدخل والدفع باتجاه تدويل أزمة اليمن وجرجرتها خطوات متقدمة ومتسارعة نحو «الأفغنة»... وهذا المسار التصاعدي أسوأ الاختيارات لأن وظيفته العملية تصادمية ومرشحة للاتساع.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2677 - الأحد 03 يناير 2010م الموافق 17 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:00 ص

      للاسف.

      المشكله كانت داخليه وكان يمكن حلها.
      ولكن المشكله الكبرى التي ستطال الدول المعارضه لسياسات الولايات المتحده بأسم الارهاب والقاعده.الان الولايات المتحده تفكر في فتح جبهه جديده في اليمن .

اقرأ ايضاً