العدد 2688 - الخميس 14 يناير 2010م الموافق 28 محرم 1431هـ

الحلف غير المقدس

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

معظم الشهادات الدراسية العربية لا يعترف بها العالم المتقدم... وجل مخرجات العملية التعليمية في المجتمعات العربية لا قيمة لها من منظور التطورات العلمية المعاصرة...

كل مفردات ومنتجات وتجليات الطب والصيدلة والهندسة وعلوم الاتصال والسلاح والمواصلات في حياة كل المجتمعات العربية هي من تجليات الآخرين... ومع ذلك، فعندما يأتي ابن أو ابنة لأحد هذه المجتمعات العربية ويرصد عيوب مجتمعاتنا ومنابت سلبياتنا التي أوصلتنا لهذه الحالة والدرجة من التخلف والسلبية وعدم المشاركة في مسيرة التقدم العلمي والهوان التعليمي والعلمي... فإنه يوصف بأنه «جلاد العقل العربي»!...

وفي ذات الوقت الذي يمضي جل العرب آلاف الساعات في الشكوى من سوء كل الأحوال الحياتية (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والخدمية والإدارية والتعليمية) ورغم ذلك، فما أن يهب ابن او ابنة من أبناء وبنات تلك المجتمعات جل فكره وثمار محصول معرفي وتجربة حياة ثرية من أجل وصف العلل ورصد منابعها ومسبباتها وتشخيص سبل وآليات البرء والشفاء من كل تلك العلل، وبالتالي إنقاذ تلك الشعوب السائرة في التخلف خارج مسيرة التقدم والتمدن والإنسانية، حتى تتجه إليه الأصابع والعيون والحناجر بالتهم والتجريح ويغالي البعض فيسمون من تطوع بالطبابة بما يشين ويهين ويدين...

ماذا يريد الناس في هذه المجتمعات التي تعيش (بما فيها المجتمعات النفطية الثرية، فأولئك بدون النفط يكونون أفقر من الفقر ذاته) ماذا يريدون سماعه من مفكريهم المخلصين والمؤهلين لمعرفة كل ما يتعلق بالداء، وكل ما يتعلق بالدواء والبرء والشفاء؟

أيريدوهم يمسكون بالطبلة والمزمار والرق ويشاركون في كيل المديح لعظمة وأمجاد وعبقرية ومنتجات ومخترعات العرب؟!

أم يريدوهم ان يلتحقوا بجوقة الرياء لقادة لولا سخرية القدر، لما كانوا إلا موظفين صغار بحجم ومستوى مؤهلاتهم المتواضعة؟...

إن الهجوم على الأطباء الذين وهبوا حياتهم وجهدهم وثمار محصولهم المعرفي وكيل التهم الزائفة لهم ونعتهم بأنهم جلادو العقل العربي لهو دليل دامغ على ان البعض أضاف لعلة التخلف علة أخرى هي عمي البصيرة المضفر بالعصاب... ومما يحزن ان الشعوب التي تكره الأطباء المخلصين الذين يصارحونها بحقيقة وفداحة وحجم العلل والذين يحبون الأطباء الكذابين الذين تحدث عنهم جبران خليل جبران في 1920، لا يعرفون ان قول وكتابة ما يود الناس سماعه في هذا الصدد هو الأسهل والأيسر، ولا يكلف صاحبه الا ان ينسى ضميره ويخون علمه وفكره ومصداقيته...

ومن الأمور المؤسفة (ولكنها مفهومة) التي تقع هي انه ما ان يخرج في مجتمعاتنا من يقول الحقيقة وينبه الناس لحقيقة أننا خارج التاريخ والحاضر والمستقبل، واننا (للنخاع) متخلفون وغير مفيدين (بأي شكل للإنسانية) بل ومضرون... حتى يأتلف عليه حلف ثلاثي من (1) الحكومات والسلطات والحكام، و(2) المؤسسات الدينية، و(3) والإعلام المرتبط مصلحيا إما بالسلطات، وإما بالثيوقرط، وإما بالاثنين في آن.

أما الحكومات والسلطات والحكام، فلأنهم يعلمون أن مواطنا ذا عقلية نقدية، تصل للقول الفصل وهو أن مجتمعاتنا متخلفة بكل ما تعنيه العبارة من معانٍ، وأن الذين حكموا والذين لا يزالون يحكمون هذه المجتمعات هم سبب الحالة المتخلفة الراهنة، وأن لوم جهات خارجية هو مخدر بكل معاني كلمة المخدر...

إن حكام مجتمعاتنا تعلم ان مواطنين بهذه الرؤية لا يمكن ان يقبلوا استمرارهم وهم الذين رفع اللثام عن جهلهم وعجزهم واستبدادهم وفسادهم وفساد بطانتهم وذويهم. وأما قيادات ورجال المؤسسات الدينية في مجتمعاتنا، فإنهم أول من يعلم ان مواطنين متعلمين تعليما عصريا وأصحاب عقليات ناقدة، لا يمكن أن يقبلوا الفكر والرؤى والنظم القرون - أوسطية التي يقدمها معظم رجال المؤسسات الدينية بالمجتمعات العربية.

إن نظام الحياة الذي يروج له رجال الدين في مجتمعاتنا لا يعكس رغبة الله وإنما يعكس سطحية وبدائية ومحلية معظم رجال الدين في مجتمعاتهم، كما يعكس معالم بيئاتهم الاجتماعية المفعمة بالفقر والتخلف التعليمي والثقافي والرجعية والظلامية وانقطاع الصلة بعوالم التقدم والتمدن والتحضر.

ودليلي ببساطة: هل يوجد ألماني أو سويسري أو ياباني أو نرويجي واحد يقول إن مفكره الأمثل هو يوسف القرضاوي أو محمد عمارة أو زغلول النجار؟!

وكما أنه لا توجد زوارق موت (ولا زورق واحد) يبحر من شمال البحر المتوسط لجنوبه، فإنه لا يوجد شخص واحد مثقف في أي مجتمع متقدم يعتبر أيا من هؤلاء من قادة الفكر الذين يهتدي بهم!...

وأما الإعلام في مجتمعاتنا، فقطاعات كثيرة منه هي ذات مصالح حياتية مصيرية مرتبطة إما بمؤسسات السلطة والحكم، وإما مرتبطة بالمؤسسات أو التيارات الدينية.

* كاتب مصري، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org»

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 2688 - الخميس 14 يناير 2010م الموافق 28 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً