العدد 2698 - الأحد 24 يناير 2010م الموافق 09 صفر 1431هـ

دفان السواحل وردمها بين حزمة القوانين وأزمة التجاوزات

هادي حسن الموسوي comments [at] alwasatnews.com

التراتبية التي تشهدها كثير من الملفات الوطنية في المملكة، تكشف عن تقمص الحراك السياسي لثوب العافية في معالجة المشكلات والأزمات التي يعاني منها الوطن، وهي تسير بوتيرة يبدو فيها النضوج المجتمعي في تقدم وتطور ملحوظين، من جملة هذه المشكلات أو الأزمات يأتي ملف دفان وردم السواحل في مقدمة الاهتمام والرعاية المجتمعية كمصدر قلق وتوجس.

ما من نظام سياسي اجتماعي إلا وصيرورة الصراع فيه دائمة، وتعارض المصالح فيه قائمة، لذا كان من الضروري أن تسنّ القوانين وتحدد العقوبات، لضمان تقويم مفاعيله في محددات تكفل حفظ الحقوق البينية - ما بين مكونات المجتمع - وتفرض الالتزام بالواجبات التي تحفظ التوازن لاستمرار وتيرة الاستقرار.

ولما كان من طبيعة الأفراد والشخصيات الاعتبارية والمؤسسات الرسمية «السلطات» معرّضة لتجاوز القوانين – التعدي على الحقوق – والتخلف عن أداء الواجبات، فإن آليات المحاسبة والمراجعة والاحتكام والفصل وغيرها تمثل جزءا لا يتجزأ من مقتضيات تكوين النظام السياسي الاجتماعي.

يُلحظ في ملف الدفان والردم الذي يلتهم بقية ما تبقى من سواحل البحرين المحدودة جدا، حيث أخذ هذا الملف حيزا من الاهتمام الذي توليه المؤسسات الفاعلة في المجتمع - النواب، البلديون، الصحافة، الناشطون البيئيون والحقوقيون وغيرهم – إذ يستندون في تحركاتهم إلى حزمة من القوانين والأعراف والمبادئ والمنطلقات التي غالبا ما يركن إليها في المجتمعات البشرية.

فقد تجلت المشكلة بمحاور ثلاثة:

الأول: تعدٍّ على الثروات الوطنية الطبيعية.

الثاني: تعدٍّ على الأموال العامة.

الثالث: مسئولية الجهات الرسمية «السلطة» عن التعديات والتجاوزات.


التعدي على الثروات الطبيعية

للوقوف على هذا المحور، فإنه يمكن التعرض لشيء مما ورد في ميثاق العمل الوطني، الفصل الثالث منه، حيث البند الخامس، «نظرا للضغط المتزايد على الموارد الطبيعية فإن الدولة تسعى إلى الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والتنمية غير الضارة للبيئة وصحة المواطن، كما تأخذ في عين الاعتبار التوجهات العالمية في منع ومعالجة المشكلات البيئية الكبرى وذلك من خلال وضع إستراتجية وطنية لحماية البيئة واتخاذ جميع الإجراءات والتدابير التشريعية المناسبة... وتسترسل الفقرة بالتالي: وضرورة إجراء دراسات التقييم البيئية قبل البدء في تنفيذ المشاريع من ناحية أخرى تقوم الدولة بالمحافظة على الحياة الفطرية، وخاصة البيئات الطبيعية المتنوعة التي تتميز بها البحرين بما في ذلك مكوناتها الحيوانية والنباتية من خلال وضع الخطط المناسبة لاستخدام الأراضي وإدارة المناطق الساحلية وإنشاء منظومة من المحميات الطبيعية...».

أما ما جاء في دستور المملكة في هذا الصدد فقد أشارت له المادة 11 منه «الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك للدولة، تقوم على حفظها وحسن استثمارها، بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني». وفي المادة 9 الفقرة (ج) «تأخذ الدولة التدابير اللازمة لصيانة البيئة والحفاظ على الحياة الفطرية».

لا يسعْ المراقب هنا إلا أن يؤكد على أن المشرع لم يترك المسألة دون الإشارة لها بما يضع إطارا – معقولا – يحمي من الوقوع في الشطط على التعدي والانتهاك على البيئة والطبيعة. وما يتم اليوم في البحرين من انفلات وتجاوزات للقانون، أصاب ثرواتنا الطبيعية والبيئية والحياة الفطرية بمقتل.


التعدي على المال العام

البند السادس من الفصل الثالث من الميثاق «للأموال العامة حرمة، ويقع على كل مواطن واجب حمايتها، وعلى السلطات العامة اتخاذ كل الوسائل التي تكفل صيانتها، والثروات الطبيعية كافة ومواردها جميعا ملك للدولة. وتعمل الدولة على صيانتها واختيار أفضل السبل الاقتصادية لاستثمارها».

أما ما جاء في المادة 9 من الدستور وفي الفقرة (ب) منها «للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن».

أما المادة 117 الفقرة (أ) منه «كل التزام باستثمار مورد من موارد الثروة الطبيعية أو مرفق من المرافق العامة لا يكون إلا بقانون ولزمن محدود وتكفل الإجراءات التمهيدية تيسير أعمال البحث والكشف وتحقيق العلانية والمنافسة».

وهنا أيضا، لا يسع القائل أو المراقب إلا أن يؤكد على أن المشرع أشار إلى المال العام وحرمة التعدي عليه ووضع الإطار المانع أو المحرم للتعدي والتجاوز.

ولا يسعْ المقال – على إيجازه - أن يسرد ما جاء في القوانين التي رامت معالجة الموضوع بمنحى تفصيلي، بينما يتضح جليا التجاوز الذي وقعت فيه السلطات الرسمية والذي شكل أساسا خطيرا في التعدي على المال العام.


مسئولية التجاوزات تقع على الجهات الرسمية

كثرت عمليات الدفان والردم في سواحل البحرين، وليست من جهة تقف في زاوية المسئولية القانونية غير الجهات الرسمية، والجهات الرسمية هنا هي السلطة من جهة والحكومة من جهة أخرى، بصرف النظر عن التحديد أو التفنن في تفكيك مكوناتهما، لأن القائمين عليهما يدركون سر اللعبة السياسية التي تتلخص في تقاذف المسئولية بين أطراف اللعبة وإخفاء القدرة على إمكان الإمساك بطرف خيط الحل.

إن أصوات الوطنيين، وقلق المعنيين، واهتمام المتصدين لهذه المشكلة بدت واضحة واستطاعت بتصديها هذا كشف المستور، بل إن تشكيل لجنة تحقيق برلمانية بعنوان الردم والدفان للسواحل مؤشر واضح على أن السلطة التشريعية ومن موقعها كمراقب في هيكل النظام السياسي يدلل على أن المشكلة التي لم تجد حلا لها إنما تمثل في المحصلة النهائية أحجية استعصى حلها.

هذه اللجنة عملت جاهدة على تحديد المشكلة، وتوثيق متعلقاتها وقرع جرس الإنذار الذي لا يستطيع أحد تبرير تجاهله، وهي تشير إلى مسئولية السلطة أو الحكومة في وقف هذه التجاوزات غير القانونية. يدعمها جهود البلديين النشطاء الوجلين من استشراء عمليات الردم والدفان واحدة بعد الأخرى.

إن هذه التجاوزات تفوق في حجمها وخطورتها على الوطن والمواطن التجاوزات التقليدية كسرقة صندوق «تجوري» أو إصدار شيك بغير رصيد، أو تجاوز إشارة حمراء، أو تعدٍّ على مسئول هنا أو شخص هناك، والتي في مجموعها تمثل الشغل الشاغل لرجال الضبط القضائي أو الأمن العام أو النيابة العامة والقضاء، فتجاوزات الردم والدفان تمثل جريمة كبرى بحق الوطن والمواطن لا تغتفر، أيا كان مقترفها.

أدعو لجنة التحقيق في ردم ودفان السواحل أن تنشر تقريرها أمام المجتمع ليطلع على حجم الجريمة الكبرى بحق الوطن.

إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"

العدد 2698 - الأحد 24 يناير 2010م الموافق 09 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:01 ص

      مساكين البحا ره

      قال لي واحد من البحارة أن البحارة الحين ضاقت بهم مساحات البحر، ولا عندهم مجال بعد يروحون فيه يترزقون، إلا قطر اللي كل مرة تحتجز مجموعة منهم ويا طراداتهم ... الله يآخذ الحق...

    • زائر 5 | 12:53 ص

      تقرير اللجنة !!

      أتفق مع الكاتب في أن تنشر لجنة الدفان تقريرها للرأي العام، لأن التقرير سيمكن الناس / المجتمع من فهم أعمق وإدراك مركز لطبيعة المشكلة.
      خصوصا أن اللجنة تقوم على جهود نواب الشعب!

    • زائر 4 | 12:34 ص

      اتمنى تكتب موضوع عن الاوقاف الجعفريه ..

      يعني تكتب عن السرقات اللي تحصل هناك واستغلال المستأجرين لاراضي الاوقاف. ماظن هذا بحاصل لانهم اصليين.لو مو اصليين جان من زمان نشرتوا موضوع في الديره.

    • زائر 3 | 12:01 ص

      أسمعت لو ناديت حيا ....

      اسناذي ... أبدعت في مقالك الحمد لله تم التدمير بتواطئ حكومي مع المتنفذين وقضي القضاء ، لم تبقى في البلد إلا الحسرة والمرارة في نفوسنا .

    • زائر 1 | 10:29 م

      جريمة بيئية

      نعم البحرين تحتاج الى التطور و التمدد لكن الدفان بهذه الصورة جريمة ضد الوطن ..

    • زائر 2 | 10:29 م

      جريمة بيئية

      نعم البحرين تحتاج الى التطور و التمدد لكن الدفان بهذه الصورة جريمة ضد الوطن ..

اقرأ ايضاً