العدد 2715 - الأربعاء 10 فبراير 2010م الموافق 26 صفر 1431هـ

الطائفية اللبنانية... ومأزق الدولة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أثارت الدعوة إلى مناقشة موضوع إلغاء الطائفية السياسية في لبنان ردود فعل تراوحت بين قابلٍ بها ورافض لها. وأدت الدعوة إلى المناقشة على طاولة الحوار الوطني في القصر الجمهوري إلى انقسام تبادلت خلاله الأطياف اتهامات بالطائفية. الفريق القابل اتهم الرافض التمسك بنظام المحاصصة، والفريق الرافض اتهم من يريد إلغاء الطائفية السعي إلى السيطرة الطائفية تحت سقف الديمقراطية العددية (الأكثرية النسبية).

مجرد الدعوة يثير حالات من القلق على مصير الكيان اللبناني. وهذا يؤشر إلى صعوبة المسألة في بوتقة ثقافية تأسست على فكرة أن بلاد الأرز هي تجمع جغرافي/ تاريخي للأقليات، والدولة هي هيئة عليا تشرف على إدارة العلاقات الأهلية ولا يجوز لها التدخل لصهر الأطياف في وحدة وطنية مشتركة. وما يزيد المسألة تعقيدا موقع لبنان والمخاطر الإسرائيلية التي تهدد استقراره ووجوده، إضافة إلى مجاورته محيطا لا يحترم كثيرا الديمقراطية وفكرة تداول السلطة. الأزمة الطائفية في لبنان تبدو مؤجلة وغير قابلة للحل في الظروف الراهنة لكون المشكلة عميقة الجذور وممتدة إقليميّا وتتعرض دوريّا إلى امتحان إسرائيلي لاعتبارات كثيرة تتخطى حدود بلاد الأرز.

مثل هذه الأزمة تطرح إشكالية بنيوية تتصل من جانب بهوية الكيان ومن جانب بموقع الدولة ودورها في صوغ حل يجنب البلاد الانهيار والتفكك. فالهوية لا يمكن أن تتحول إلى «لبنانية» مادامت الطائفة هي التي تحدد اسم المقيم وشخصيته ومكانه ومستقبله. والدولة التي تعتمد نظام المحاصصة لا يمكن أن تتقدم مادام الانتماء إلى الطائفة له الأولوية. وهذا يعني أن معضلة الكيان اللبناني مزدوجة في بعدها التكويني وفي تموضعها الطائفي – السياسي، ما يتطلب من الأطياف إعادة قراءة لمصير بلد في محيط يتعرض دائما لمتغيرات دولية وعواصف إقليمية.

القراءة تتطلب فعلا الإجابة عن سؤال الهوية الوطنية لكيان يعتمد الطائفية في آليات إنتاج السياسة. وسؤال الهوية المشتركة له صلة مباشرة بالدولة وكيف يمكن أن تتقدم وهي مكبلة بسلسلة من الطوائف.

مفهوم الدولة المعاصرة يقوم أساسا على فكرة المواطن (الانتماء للوطن) إذ تلعب الجغرافيا السياسية دورها الحقوقي في تحديد هوية القوى التي تعيش في بوتقته الطبيعية. والانتماء لطائفة لا معنى قانوني له في إطار دستور وطني يوحد الإرادة والمصير من دون تفرقة أو تمييز.

الدولة المدنية تعني المواطن وتتجاوز في دستورها كل الانتماءات السابقة لها لأنها تشكل الإطار القانوني للوحدة الجامعة لمختلف المكونات والأطياف البشرية، وبالتالي فإن الانتماء للطائفة يعطل فرص تطورها في حال اعتمدت سياسة الفرز بين المواطنين.

المسألة إذا لها صلة بالأولوية. المواطن ينتمي إلى طائفة أو دولة. وتغليب الطائفة يعني أن فكرة الدولة انهزمت أو تجمدت في حدها الأدنى ولا تستطيع التطور للانتقال إلى حدها الأعلى، وستبقى تلعب دور المراقب ولا يمكن لها أن تنجح في احتكار «القوة» أو التدخل لضبط الأمن أو الانهيار العام للكيان.

المشكلة إذا ليست بسيطة حتى للفريق اللبناني الذي يطالب بالدولة ويشترطها قاعدة عامة للتعامل بالتساوي مع كل الأطراف والأطياف. فهذا الفريق مطلوب منه أن يرد على سؤال: كيف يمكن أن يتوصل الكيان إلى طور الدولة مادامت الطائفة هي معيار الانتماء؟

الجواب صعب وهو يتطلب مناقشة عقلانية للخروج من مأزق مكلف داخليّا ويعطي فرصة للمحيط والخارج بالتدخل الدائم في بلد مفتوح طائفيّا على كل الاحتمالات. وصعوبة الجواب ليست عذرا للتهرب من المسئولية الوطنية التي أخذت تضغط لتحديد خيار بشأن التطور السياسي نحو دولة مدنية تتجاوز الانتماءات الطائفية.

الخيار بين الدولة المواطن (الوطن) والدولة – الطائفة يتطلب إعادة قراءة لموروثات أيديولوجية باتت تعطل إمكانات تقدم الكيان اللبناني. والقراءة لا تعني إلغاء الطائفية السياسية غدا وإنما وضع خطة عمل واقعية على سكة حديد تمر في محطات زمنية تساعد المواطن على الانتقال الهادئ من مرحلة الانتماء للطائفة إلى مرحلة الانتماء للوطن. والسكة المطلوبة قد تحتاج إلى سنوات لكنها باتت تضغط بإلحاح لكونها تشكل الملاذ الآمن لمستقبل مواطن مهدد دائما بالاقتلاع أو يعيش قلق أقليات أو هواجس خوف من أكثريات مفترضة أو مصطنعة. والاتفاق على جدول زمني في إطار الحوار الوطني يتطلب خطة مبرمجة قانونية قد تبدأ بتوزيع مجلس النواب إلى غرفتين: الأولى تتألف من 64 مقعدا وتعتمد نظام الحصص الطائفي الحالي وتنتخب على أساس الدائرة الصغيرة (القضاء)، والثانية تتألف من 64 مقعدا وتعتمد النظام النسبي وتنتخب على أساس اللائحة في المحافظة أو لبنان كله دائرة واحدة.

توزيع النواب إلى غرفتين تدبير مؤقت لكنه يشكل فرصة للمفاضلة بين نظام يولد أزمات ويعطل تطور فكرة الدولة، وبين طموحات تبالغ في تجاوز حواجز نفسية تتخوف من أن تكون فكرة إلغاء الطائفية السياسية «مؤامرة» تفتح الباب لسيطرة الأكثرية ومصادرة حقوق الأقليات. وحصصها المضمونة دستوريّا.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2715 - الأربعاء 10 فبراير 2010م الموافق 26 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً