العدد 2725 - السبت 20 فبراير 2010م الموافق 06 ربيع الاول 1431هـ

اغتيال المبحوح... والعوالم الثلاثة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

السبق التنكولوجي الذي حققته دبي بشأن كشف صور وأسماء العصابة التي ارتكبت جريمة اغتيال القيادي في حركة «حماس» محمود المبحوح سيكون له ارتداداته التقنية في التعامل مع عالم خفي يتحرك عادة خارج الأطر المتعارف عليها في المشاهد الدبلوماسية والسياسية. فالسبق إنجاز غير متوافق عليه في لعبة الدول وتقنية المعلومات وقنوات بث وترويج «ايديولوجيات» زائفة تطلق في المرئيات لخداع العامة والجمهور في وقت تكون شبكات المخابرات تقوم بأعمالها الخاصة في الكواليس والغرف السرية بعيدا عن استيديوهات الكاميرات.

هناك خرق غير مسبوق للعادة أقدمت عليه دبي. والمفاجأة التي حققتها كانت كافية لكسر قوانين لعبة جرى اعتمادها منذ زمن «الحرب الباردة» بين العالمين الاشتراكي والغربي. تلك القوانين نظمت قواعد الاشتباك في إطارين يتعايشان سلما، الأول: ظاهر للعيان والثاني: سري يتم التعامل به خارج الصورة.

العالمان المرئي (الايديولوجي) وغير المرئي (التنسيق والتعاون المخابراتي) نجح خلال العقود الماضية في تشكيل قنوات متوازية بين سياسة معلنة فوق الأرض وسياسة غير مكشوفة تتحرك بسرية تحت الأرض. وأدت هذه المواربة بين المرئي وغير المرئي في تكوين سياسات مزدوجة تعتمد معايير متضاربة بين ما يقال علنا للعامة والجمهور في الفضائيات والمؤتمرات الدبلوماسية، وبين ما لا يقال ويتم اتباعه تحت الأرض من خلال التنسيق المخابراتي واللقاءات «الفنية» و»التقنية» التي تخدم مصالح جهات لا تظهر عادة في الصورة.

الآن وبعد أن كشفت دبي بالصورة أنشطة العالم غير المرئي وفضحته علنا في الشبكات والفضائيات، أصبح على أجهزة المخابرات أن تعيد النظر بتلك الوسائل البالية التي تعودت على اتباعها منذ أكثر من ستة عقود. فالفضيحة التي أحرجت الدبلوماسية البريطانية والفرنسية والألمانية والايرلندية وكشفت عن وجود عالم آخر يتحرك خفية «تحت الأرض» وضعت شبكات المخابرات في موقع صعب ولم يعد بإمكانها التهرب من المسئولية ولصق الجريمة في خانة المجهول أو الانتحار.

مفاجأة دبي التقنية كانت قوية وغير متوقعة من مختلف الجهات لأنها من جانب خرقت العادة وتجاوزت قوانين اللعبة، وهي من جانب آخر وجهت رسالة إلى الأجهزة السرية توضح أن العالم تطور جدا ولم يعد بالإمكان الاستمرار في نمط تقليدي تعودت شبكات تحت الأرض على احترافه من دون ملاحقة أو محاسبة أو محاكمة.

المسألة يرجح ألا تتوقف تداعياتها حتى لو اضطرت الدبلوماسية الأوروبية إلى الاستنكار وادعاء البراءة والتهرب من المسئولية، أو لجأت «إسرائيل» إلى إغلاق ملف الجريمة بذريعة أن الصور وجوازات السفر والحجز في الفنادق وتذاكر الطائرة وأجهزة الاتصال النقالة ليست أدلة دامغة لإثبات أن «الموساد» يقف وراء اغتيال المبحوح.

كل هذه الأدلة المرئية غير كافية برأي شبكات «تحت الأرض» لتأكيد ضلوعها في جريمة كان يفترض أن تحصل بعيدا عن الكاميرات لإنكار فعل غير مرئي ارتكبه «مجهول». فما ارتكبه جهاز «الموساد» بعلم شبكات مخابرات تعود إعلامها بأفعاله قبل حصولها بساعات أو أيام أصبح الآن عرضة للمساءلة في زمن الكاميرا ودورها في كشف العالم السري ونقله من تحت الأرض إلى فوقه.

العالم بات الآن في مرحلة تتحكم بها أدوات ثلاثية الأبعاد. فهناك عالم الدبلوماسية المرئي للجمهور والعامة وتطلق فيه خطابات كاذبة وشعارات ملفقة ومحاضرات ايديولوجية عن الإنسان والحقوق والحرية والمساواة والعدالة والتحرير والصمود والتصدي. وهناك عالم المخابرات غير المرئي الذي تتم فيه لقاءات بين المختلفين للتنسيق الفني والتقني وترتيب علاقات خفية لا صلة لها بتلك السياسات المعلنة في الفضائيات. وهناك الآن عالم الكاميرا الذي اخترق قواعد اللعبة المتعارف عليها وكشف المجهول ونقله عنوة من اللامرئي إلى المرئي.

جريمة اغتيال المبحوح ستكون مفصلية في تدشين مرحلة الانتقال من عالمين (مرئي وغير مرئي) إلى عوالم ثلاثة. فالكاميرا باتت تهدد أنشطة شبكات خفية تتحرك تحت الأرض من دون ضوابط دبلوماسية أو احترام لسيادة الدول أو اعتبار للحرمات والحقوق. وأهمية هذه المرحلة الانتقالية أنها قد تسمح بفضح ازدواجية المعايير وبكشف أسرار تلك اللغة الايديولوجية التي تقول للعامة والجمهور الكلام المعسول وتفعل سرا ما يخالف خطاباتها المنقولة في المرئيات والفضائيات

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2725 - السبت 20 فبراير 2010م الموافق 06 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:30 ص

      ضع النقاط على الحروف

      الأخ وليد قولها صراحة هناك تواطؤ من بعض الدول الغربية التي تتشدق بالحرية وحقوق الإنسان والمحاكمات العادلة وووووو بس سمها بالأسم خل العامة تفهم ضع النقاط على الحروف لو كان الوضع مقلوب وواحد من العرب أو المسلمين قام بهذي العملية كانو أقاموا القيامة لكن السهالة منا محد يتحرك ولايتخذ قرار شوف الأتراك إيش عملوا عندما تمت إهانة سفيرهم غيرة ماعندنا والأخوان في حماس وفتح عندم مهرجان إتهامات والقتلة الحقيقيين الخونة إاللي بايعين أوطانهم.

اقرأ ايضاً