العدد 2739 - السبت 06 مارس 2010م الموافق 20 ربيع الاول 1431هـ

تاريخ الرقابة على الصحافة الكويتية (1928 - 2010) (1)

حمزة عليان comments [at] alwasatnews.com

.

التعديلات التي اقترحتها وزارة الإعلام الكويتية بشأن قانون المطبوعات والنشر وقانون تنظيم الإعلام المرئي والمسموع جاءت بهدف تغليظ العقوبات ومضاعفة سنوات الحبس وفرض غرامات مالية ضخمة وإضافة من أجري معه الحوار في البرامج الإعلامية التلفزيونية ضمن المسئولين عن البث، وصفته صحيفة «القبس» الكويتية التي تبنت حملة للدفاع عن الحريات بأنه مشروع «لخنق الحريات»... واختارت كلمة واحدة باللون الأحمر على الصفحة الأولى، للتدليل على حجم المأساة «واحريتاه!».

الموضوع مازال مفتوحا والحديث بشأنه لم ينقطع، وإن كان أجمل ما فيه وضع قائمة سوداء من قبل الصحف لمقاطعة النواب الذين قد يؤيدون تلك التعديلات الحكومية ومنع نشر أي نشاط أو تصريح يصدر عنهم...».

المحاولات الحكومية بتقييد حرية الصحافة والتعبير ليست الأولى ولا هي بجديدة، ففي العام 2000 وبعد شن الصحف والنواب المؤيدين لرفع سقف الحريات حملة على وزارة الإعلام أقدمت على سحب مشروع قانون المطبوعات لمزيد من الدراسة، لأنها لم تأخذ برأي أصحاب الصحف ولا بجمعية الصحافيين، ولم تشاور المعنيين به، بعد أن أضافت إليه بنودا ومواد مقيدة للحريات مغلظة للعقوبات... واستمرت السجالات على المقترحات التي قدمت في حينه ولاسيما المتعلقة بفرض رقابة على المطبوعات الواردة من خارج الكويت، وإبقاء سلطة وزارة الإعلام ومجلس الوزراء بتعطيل الصحف إداريا.

وخلال عمر قانون المطبوعات بقي النقاش دائرا بشأن حدود السلطة السياسية بتحصيل الصحف، ومدى التزامها بإعطاء القضاء صلاحية التعطيل من عدمه، وإبعاد الطرح السياسي عن أن يكون طرفا في النزاعات.

قد يكون حال الحريات في الكويت التي تتمتع بهامش من الحرية في التعبير ويحكمها دستور معمول به منذ العام 1962، أفضل حالا مما هو في معظم الدول العربية حيث تتنازع فيها حرية الكلمة مع سيادة القانون، فكلتاهما تحملان في بطنهما بذورا من الخلاف أكثر مما تحملان من بذور الوفاق.

فالعلاقة بين السلطة والصحافة غالبا ما كانت في حالة «مواجهة»، و «تصادم»؛ لكون كل طرف ينطلق من أرضية مختلفة عن الطرف الآخر. فالسلطة تلجأ الى وضع القوانين وتفرض قيودا على وسائل التعبير خدمة لمصالحها واستقرارها وحماية لها، في حين أن الصحافة وبالتبعية جماعات الضغط والكتاب، يعملون على إيصال الرأي والمعلومة الى السلطة والرأي العام، من منطلق حقوق ثابتة تسمح بممارسة هذه الحريات.

فإذا كان القانون ينظم الحريات بمعناها الشامل، فليس معنى ذلك أن كل ما يضعه دائما على حق، فقد يلجأ المشرع الى وضع قيود بخلاف القاعدة التي تقول إن الأصل في الأشياء هو الإباحة والاستثناء هو التحريم أو المنع.

من هنا تبقى المعادلة غير متكافئة بين من يملك السلطة والقرارات بالمنح أو بالمنع ومن يعمل على تكريس ذلك الحق بصورة مغايرة. نحن لا نتحدث هنا عن إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة، وكيف يتم تدجينها أو استغلالها أو الترويج لها، بل عن طرفين متباعدين بالموقع، والصلاحية وما يفصل بينهما، وهنا بيت القصيد والسؤال، من هي السلطة المخولة بالفصل والتعطيل والمحاكمة هل هي السلطة السياسية أم سلطة القضاء؟

الأدبيات الشائعة في عالم الرقابة تبدأ ديباجتها بالقول «قررنا وقف الصحيفة، الى حين صدور حكم من القضاء، بشأن ما أسند إليها من اتهامات»!

يعني أن السلطة السياسية حكمت على الصحيفة بالتعطيل والإدانة حتى تثبت براءتها، وهذا ما يتنافى ومبدأ الفصل بين السلطات، وهو ما يشكل نزاعا مستحكما بين الطرفين.

العام 2006 وفي الشهر الثالث منه جرت تعديلات أخرى على القانون استأثرت باهتمام الرأي العام والنخبة وأعضاء المجالس، وكانت الأضواء تتركز في حينه على مسألة واحدة هي السماح بإصدار صحف جديدة وفتح الباب على مصراعيه دون النظر الى ما تضمنه من إضافة مواد جديدة عليه من شأنها تغليظ العقوبات ورفع الغرامات وإبقاء التعطيل الإداري قائما بمنحه للنائب العام على أن يطلب من وزير الإعلام... لكن القانون أجيز من مجلس الأمة بلمح البصر وبغفلة من الزمن! وعلى الرغم من إقرار القانون الصادر سنة 1961، أي قبل صدور الدستور، من قبل مجلس الأمة، والذي منح الحق بإصدار صحف جديدة وفضائيات وإذاعات، إلا أن به مثالب كبيرة، فالخبير الدستوري عبدالمحسن المقاطع يرى أن هذا القانون سلق في مجلس الأمة سلقا، وتمت الموافقة عليه بصورة عاجلة ولم يمحّص أعضاء المجلس القانون كما يجب، لذلك دفعت الصحافة والرأي العام ضريبة التعجل التشريعي، ففيه من المساوئ أكثر بكثير مما قبله.

تاريخ العلاقة بين الإعلام كمؤسسة حكومية والصحف يبين أنها لم تكن مستقرة بل عانت من القيود الصارمة والإجراءات التعسفية التي فرضتها على المطبوعات وحرية الصحافة، ففي عهد الشيخ سعود الناصر الصباح عندما كان وزيرا للإعلام بالإنابة سحب القانون بعدما كاد يتحول الى أزمة سياسية بين الوزير المستقيل وأصحاب المهنة بسبب المواد التي تضمنها وإعطاء الحكومة صلاحيات «إلغاء الترخيص».

وقانون 1961 تعرض للكثير من التعديل في مواده وكان «مكسر عصا» للسلطة التنفيذية التي تلجأ في حالات الضرورة الى تكبيله وجعله أكثر تقييدا.

الفارق بين الكويت والعرب

ماذا عن تاريخ الرقابة على الصحافة الكويتية؟

وكيف تبدو صحافة الكويت مقارنة بصحافة العشرينيات والستينيات؟

قبل الدخول في صلب الموضوع، لا بأس من الاستهلال بإضاءة مختصرة عن تاريخ الصحافة العربية، التي تشير المراجع المهمة إلى أن بداياتها كانت أثناء الحملة الفرنسية على مصر، وذلك في العام 1800، بعد أن أمر نابليون بونابرت بإصدار نشرة اسماها «التنبيه»، وعهد إلى أحد أعوانه واسمه فروييه بالإشراف عليها، والذي كلف كاتبا مصريا بتحريرها يدعى إسماعيل بن سعد الخشاب واستمرت بالصدور نحو السنتين. ثم جاءت سنة 1827 فأصدر والي مصر محمد علي الكبير صحيفة «جورنال الخديوي» وكانت نشرة شهرية، ما لبثت أن تحولت الى جريدة «الوقائع المصرية» سنة 1828، وأصبحت لسان حال الحكومة، يُذكر أن «الوقائع المصرية» ظهرت في أول عهدها باللغة التركية ثم باللغتين التركية والعربية وعادت فأصبحت عربية محضة.

وأول عربي أصدر باسمه صحيفة عربية هو رزق الله حسون الحلبي منشئ جريدة «مرآة الأحوال» في الآستانة في العام 1855 وأول صحيفة عربية أنشئت في بلد عربي هي «حديقة الأخبار» لمؤسسها خليل الخوري، اللبناني الأصل وصدرت في بيروت في العام 1858 ثم جاءت صحيفة «الجوائب». وما بين سنة 1800 و1870 صدرت مجلات وصحف عربية بالجملة، وإن غلب عليها طابع ديني وتبشيري، لكنها لم تعمر طويلا باستثناء ثلاث أو أربع مجلات فقط.

والذين يؤرخون لولادة الصحافة الكويتية، يعتبرون أن مجلة «الكويت» التي صدرت في العام 1928 على يد الشيخ عبدالعزيز الرشيد، هي باكورة الصحافة واللبنة الأولى التي أسست لها، لتكون أداة للتجديد والإصلاح، أي إن الفارق الزمني بين نشوء الصحافة العربية ونشوء الصحافة الكويتية هو 128 سنة.

و «الكويت» مجلة شهرية كانت تصدر عشرة أعداد في السنة، وتعوض قراءها عن الشهرين بكتاب متخصص. واعتبرت المجلة في حينه، أنها كانت بمنزلة جسر لربط الكويت بسائر بلدان الخليج والعالم العربي. ونالت شهرة واسعة لما كانت تحتويه من قضايا تاريخية وأدبية وأخلاقية، وإن غلب عليها طابع الإصلاح الديني كون مؤسسها من الذين حملوا أفكار العصر والتنوير وكافح من أجلها، بالرغم من المعارضة التي واجهته

إقرأ أيضا لـ "حمزة عليان "

العدد 2739 - السبت 06 مارس 2010م الموافق 20 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً