العدد 2754 - الأحد 21 مارس 2010م الموافق 05 ربيع الثاني 1431هـ

فلسطين والصراع على الأولويات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عاد الملف الفلسطيني في الأسبوع الماضي إلى واجهة التجاذب الدولي بعد غياب قسري عن المشهد السياسي أدى إلى تجميد المفاوضات في وقت استمرت حكومة نتنياهو - ليبرمان في تشييد المستوطنات وتوسيعها وبناء المزيد من الأحياء السكنية في القدس المحتلة.

عودة الملف تؤشر إلى خطوة في الاتجاه الصحيح تعطي أفضلية للموضوع الفلسطيني في إطار حركة الاتصالات الدبلوماسية بشأن القضايا الخلافية في دائرة «الشرق الأوسط».

فالاختلاف على الأولويات شكل دائما حجر زاوية في أسلوب التعامل مع القضايا بين الجانب العربي من جهة والجانب الأميركي - الإسرائيلي من جهة أخرى.

الولايات المتحدة تعتبر أن الإرهاب يأتي في الطليعة ومكافحة شبكاته وتفرعاته يمثل أولوية في استراتيجية أميركا. «إسرائيل» تعتبر أن الملف النووي الإيراني يحتل الصدارة، وهو يأتي قبل التفاوض بشأن السلام في المنطقة. والدول العربية كانت ولاتزال تعتبر أن القضية الفلسطينية هي الأولوية ومنها يمكن الدخول إلى الملفات الأخرى وليس العكس.

هذا الاختلاف في ترتيب الأولويات شكل في السنة الماضية وتحديدا بعد وصول باراك أوباما إلى الرئاسة الأميركية، قاعدة حوار أدت إلى تجميد الملف الفلسطيني ووضعه في مرتبة متدنية من اهتمامات البيت الأبيض بسبب إصرار الإدارة بالتركيز على مهمة مكافحة الإرهاب في أفغانستان وتلك الجيوب المنتشرة في باكستان. وساهم الموقف الأميركي في تعطيل المفاوضات وتعزيز سياسة التجميد ما شجع حكومة تل أبيب على استكمال مشروع الاستيطان بذريعة أن الخطر الأساسي يتأتى من الملف النووي وتوابعه المتصلة بأمن «إسرائيل».

التقاطع الأميركي - الإسرائيلي في برنامج الأولويات وضع مسألة الأمن في الطليعة. واشنطن اعتبرت أن «القاعدة» لاتزال تشكل الخطر الأكبر على المصالح الأميركية في المنطقة. تل أبيب استغلت الهاجس الأمني للولايات المتحدة وعمدت إلى استعماره سياسيا من خلال ربط المخاوف الأمنية بالبرنامج النووي الإيراني، معتبرة أن المخاطر النووية تشكل نقطة عبور للتهرب من الالتزامات الدولية بشأن الملف الفلسطيني ونقطة تقاطع عربية - إسرائيلية تؤسس قاعدة مشتركة للتفاهم على مسألة أمن المنطقة بعيدا عن عملية التسوية والسلام في «الشرق الأوسط».

نجحت «إسرائيل» في توظيف مخاوف الولايات المتحدة بشأن الإرهاب وخطة باراك لمكافحته انطلاقا من أفغانستان وباكستان في ربط الملف النووي بالهاجس الأمني الذي يتهدد وجود الكيان العبري ما أعطى ذريعة لحكومة تل أبيب في تجنب الاستجابة للاستحقاقات المتصلة مباشرة بالموضوع الفلسطيني والتهرب من كل المطالبات الدولية بوقف الاستيطان.

هذه المناورة الإسرائيلية كما يبدو وصلت إلى نهايتها وبدأت بالانكشاف بسبب إصرار الدول العربية على التمسك بالأولوية الفلسطينية باعتبار أن القضية تعتبر المفتاح السياسي لمختلف الملفات، وهي تأتي قبل الملف النووي وتلك الهواجس الأمنية المفتعلة التي تتذرع بها تل أبيب.

الموقف العربي أخذ ينتج ثماره بعد فترة جمود سادتها دبلوماسية غامضة في اتصالاتها وأهدافها. فالجانب الأميركي حاول مرارا إقناع الدول العربية المعنية بالملف النووي أن المخاطر الأمنية الإقليمية تتطلب التوافق على مسألة الإرهاب ووضعها على رأس جدول الأولويات بذريعة أن التهديد يشمل كل الدول ولا يميز بينها، وبالتالي لابد من التفاهم مع «إسرائيل» على خطة مشتركة لمواجهة خطر القنبلة في المستقبل. هذه السياسة استخدمتها حكومة تل أبيب وحاولت اعتمادها واسطة للتهرب من استحقاقات السلام بذريعة أن الخطر لا يأتي من الاحتلال والاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري وإنما من الجانب العسكري السري للملف النووي.

رفض الدول العربية الانزلاق نحو أولويات جديدة وإصرارها على أن الموضوع الفلسطيني لايزال يحتل رأس جدول أعمال القمة المقبلة أحبط خطة إدراج الملف النووي بوصفه يشكل الخطر الاستراتيجي الرئيس وأدى إلى إعادة إحياء الدبلوماسية الدولية وتحريكها في الإطار الصحيح وبعيدا عن التلاعب الإسرائيلي بأوراق المنطقة وخلطها تحت غطاء أميركي.

التطورات التي حصلت في الأسبوعي الماضي سواء تلك الملاحظات الأخوية التي صدرت ضد «إسرائيل» من واشنطن، أو ذلك البيان الذي صدر من موسكو عن «اللجنة الرباعية» بشأن الاستيطان والاحتلال، وأخيرا تلك التصريحات العاتبة التي قالها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ضد حكومة تل أبيب كلها جاءت نتاج تمسك الدول العربية بمبدأ أولوية القضية الفلسطينية ورفض التضحية بها مقابل مخاطر قد تكون وهمية تتصل بالملف النووي.

الخلاف على الأولويات لم ينته وإنما تراجع جزئيا لمصلحة الجانب العربي بعد سنة من مداولات دبلوماسية حاولت خلالها واشنطن تقويض الملف الفلسطيني تارة بذريعة أميركية تصر على أن الإرهاب هو الخطر الأساس وطورا بذريعة إسرائيلية تؤكد أن الملف النووي هو التهديد الرئيس لدول المنطقة. التراجع الجزئي خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح، ولكنه عموما يشكل مادة خصبة يمكن اعتمادها سياسيا للتأسيس عليها في القمة العربية المقبلة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2754 - الأحد 21 مارس 2010م الموافق 05 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 11:37 م

      عبد علي عباس البصري(جونو)

      اعصار جونو الذي ضرب سواحل عمال عام2007 ليس بأقوى من الاعصار الذي سيضرب سواحل الخليج العربي ايران واليمن والعراق وفلسطين مما قد يدمر الكثير من الموانئ السياسيه والمرافئ الماليه مما قد يكون له انعكاس على المستوى العالمي قد قد قد تتحرر فلسطين من بعض الازمات والاختناقات وتجري في مجرى آخر غير الذي عليه الآن ،

    • زائر 2 | 11:29 م

      عبد علي عباس البصري

      فالصراع الفلسطيني ليس على السلطه كما يعتقد البعض وانما هو صراع اديولوجي وتصوري للقضيه الفلسطينيه ، هذا الصراع مرتبط بالخط الايراني وبالخط العربي ، اتجاهان متعاكسان جعل من القضيه الفلسطينيه امر استحال على مرده السياسه حلها . وقد اثر هذا الصراع ليس على القضيه الفلسطينيه فحسب بل وحتى على علاقه الشعوب التحرريه مع حكوماتها ، قد ادى الى ضعف الموقف العربي ارتداديا على القضيه الفلسطينيه

    • زائر 1 | 11:05 م

      عبد علي عباس البصري

      بالاضافه الى اصرار الولايات المتحده اعطاء الملف الايراني الاوليه في الصراع السياسي حتما اثر بشكل مباشر على الملف الفلسطيني ، (والسبب هو التفكك العربي في توحيد الصف والاتجاه والا ماكنى نحتاج الى الموقف الامريكي لكي يحدد المصير الفلسطيني ولقد اخبر الرسول الاكرم عن هذا الحال فلما سئل اعن قله يارسول الله قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل)الا ان هناك سبب آخر اثر بشكل مباشر على المفاوضات وعلمليه السلام الا وهي ((حماس)) وبغض النظر عن كونها في الاتجاه الصحيح ام لا .

اقرأ ايضاً