العدد 2757 - الأربعاء 24 مارس 2010م الموافق 08 ربيع الثاني 1431هـ

انتخابات العراق... ومأزق الأحزاب الدينية والعلمانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

وسط فوضى الانتخابات العراقية أخذت التقارير تتحدث عن تراجع في شعبية الأحزاب الدينية مقابل صعود قوة الأحزاب العلمانية. هذا الكلام يحتاج إلى قراءة تعيد ترتيب أجزاء الصورة للتعرف على تعقيدات الواقع وتفصيلاته.

السؤال هل الأحزاب الدينية موجودة فعلا حتى يتم القول عن هبوطها؟ وهل في المقابل هناك ما يمكن تسميته بالأحزاب العلمانية حتى يُشار إلى تعاظم نفوذها في الشارع العراقي؟

المسألة يمكن اختزالها بسرعة في تأكيد النفيين. في العراق لا وجود للأحزاب الدينية ولا مكان للأحزاب العلمانية، وذلك لسبب بسيط يتصل بظروف الاجتماع البشري وتكويناته و مدى مستوى التقدم الاجتماعي الذي بلغته بلاد الرافدين في الإطارين الاقتصادي والثقافي.

الحال العراقية لاتزال في طور التمزق الطائفي - المذهبي - المناطقي. والتشكيلات السياسية التي تمظهرت في بلاد الرافدين في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي وتقويض الدولة المركزية تكيفت في تركيبها الأيديولوجي مع صورة الواقع الذي تحطم وانشطر إلى جزئيات طائفية ومذهبية ومناطقية (أقوامية وعشائرية).

في العراق يوجد الكثير من الأحزاب الطائفية والمذهبية والمناطقية التي تلونت سياسيا في التجمعات البشرية التي تتمركز في الجنوب (الشيعي) والشمال (الكردي) والغرب (السني) والوسط (المختلط). فالقوى الأيديولوجية التي تتحرك في جنوب العراق ومحافظاته الشرقية المحاذية للحدود الإيرانية مذهبية وليست دينية في المعنى الحصري للمفردة. والقوى التي تحكمت في محافظات الشمال المتاخمة للحدود الإيرانية - التركية ارتكزت على عشائرية كردية - سنية. والقوى التي انتشرت في محافظات الغرب المجاورة للحدود السورية - الأردنية اعتمدت لغة مذهبية وتأقلمت محليا مع طبيعة التكوين العربي - السني للعشائر وما تمثله من أكثرية سكانية في المحافظات الثلاث.

الوقائع الميدانية المذكورة تؤكد انتفاء ما يمكن تسميته بالأحزاب الدينية أو العلمانية، في اعتبار أن تركيبة الجماعات لم تتقدم في نمط حياتها إلى طور يؤشر إلى نمو وعي أيديولوجي يتجاوز تلك الحلقات الصغيرة والعصبيات المنغلقة على هويات ضيقة. وما يمكن قوله عن العراق يمكن سحبه آليا على لبنان أيضا. فهذا البلد الصغير يعاني من مشكلات طائفية تمنع نهوض أحزاب وطنية ممتدة على مختلف المناطق والمحافظات. في لبنان لا يمكن الحديث عن أحزاب دينية بالمعنى الحصري للكلمة. وما يقال عن وجود أحزاب علمانية في بلاد الأرز لا معنى له في تقرير النمط السياسي للسلطة، لأن تلك المجموعات هي مجرد تكتلات نخبوية لا تتعدى تلك الأطر الأيديولوجية المحاصرة بالطوائف والمذاهب.

الأحزاب في لبنان تشبه في تكوينها الاجتماعي أحزاب العراق، فهي طائفية ومذهبية ومناطقية حتى لو أطلقت خطابات أيديولوجية عامة تتخطى الطائفة أو المذهب. والفارق بين الكلام والواقع يعكس تلك المفارقة الأيديولوجية بين برنامج الحزب وقواعده الشعبية.

برامج الأحزاب تتحاشى عادة الغوص في التفصيلات وتتحدث عن عموميات للتهرب من الحقائق الميدانية، بينما الوقائع الجارية على الأرض تؤشر دائما إلى وجود ارتباط عضوي بين التشكيلة الاجتماعية (الطائفية والمذهبية) وقيادة الفصيل السياسي. وهذا التلاقي بين قيادة الحزب وجمهورها يمكن متابعته من خلال تفكيك نتائج الانتخابات النيابية التي جرت قبل نحو سنة في لبنان. غالبية السنة أعطت أصواتها للقائمة التي يقودها أو يدعمها سعد الحريري. وغالبية الشيعة أعطت أصواتها لتحالف حركة أمل وحزب الله. وغالبية الدروز أعطت أصواتها للائحة التي رسم خطوطها وليد جنبلاط. والغالبية المسيحية توزعت أصواتها مناصفة بين تيار ميشال عون وحزب المردة (سليمان فرنجيه) وحزب الطاشناق (الأرمن) وبين القوات اللبنانية وحزب الكتائب والقوى المستقلة في المناطق والأقضية.

السيناريو اللبناني الذي شهدت ساحة الأرز وقائعه في العام 2009 تكررت مشاهده في ساحة الرافدين. فالأصوات انشطرت بحسب اللون الطائفي - المذهبي - المناطقي (الأقوامي والعشائري) للقوائم واللوائح المتنافسة من دون أن تكون هناك دوافع دينية أو علمانية. فالأحزاب طائفية ومذهبية ومحلية كما هو حال لبنان. وبهذا المعنى فإن الأحزاب الدينية لم تتراجع ولم تتقدم مكانها الأحزاب العلمانية وإنما الذي حصل هو اندفاع السنة نحو الدخول في العملية السياسية بعد خطأ المقاطعة في الدورة الماضية. وهذا الجديد الذي دخل في إطار المعركة الانتخابية ساهم بحدود معينة في خلط الأوراق وتعديل التوازن نسبيا بين القوى السياسية... وغير ذلك يعتبر مجرد تحليلات وقراءات لا صلة لها بالواقع.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2757 - الأربعاء 24 مارس 2010م الموافق 08 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً