العدد 276 - الأحد 08 يونيو 2003م الموافق 07 ربيع الثاني 1424هـ

حميد آل نوح: البحرينيون القدامى لهم فضل على الخليج

حديث الذكريات... 50 عاما من النجاح (2-2)

50 عاما من النجاح، مشوار ملامحه الجهد، وحصاده التميّز، «حميد آل نوح» رئيس مجلس إدارة شركة عبدعلي عيسى آل نوح وأولاده، يؤمن بأن العلاقة والسمعة الحسنة جزء من التزام الشركة نحو زبائنها، ويثبت صحة الأمثال التي تقول «ابن الوز عوّام، واللّي خلّف ما مات». حميد آل نوح أثبت أن التميز لا يعني مؤهلات علمية، ورث عن أبيه عشق العمل، وعلى رغم أن والده صاحب الشركة، فإنه اختار أن يعرف كل شيء، ويتدرب على أعمال الشركة كافة حتى يكون جديرا بثقة والده.

حميد آل نوح يروي سنوات عمره، وجهد العمل في حديث الذكريات.

الإنجليزي صعب

قال: «بدأت العمل مع والدي في العام 1965 حين حدثت مظاهرات وإضراب في البحرين، هربنا جميعا من المدرسة، ومن يومها قررت أن أعمل بصفة رسمية لدى الوالد».

وما الصعوبات التي واجهتك في بداية عملك؟

- اللغة الإنجليزية كانت الصعوبة الوحيدة التي واجهتني، لم تكن مدارسنا في تلك الأيام تعلم الإنجليزية بأسلوب سهل.

وكيف تغلبت عليها؟

- تغلبت عليها من خلال تعاملي المباشر مع الجيش البريطاني، فقد كنا نمون الجيش البريطاني بمواد البناء، وخلال هذا التعامل كنت أكتسب الكثير من الكلمات، وهكذا تعلمت الإنجليزية، تعلمت الفهم والقراءة، ولم أتعلم الكتابة، ولكنني استطعت إنجاز عملي.

ألم تكن تعمل في المكتب؟

- أبدا، فقد علمني والدي ان العمل الحقيقي يعني الخروج من المكتب والتعامل مع كل متطلبات العمل مثل العمال تماما، حتى أفهم كيف يجري هذا العمل، وهذا كان يساعدني على حل المشكلات كافة التي تواجهني.

نصائح الوالد

وبماذا كان ينصحك الوالد؟

- الحقيقة كان الوالد كثيرا ما ينصحني، كان يقول لي: «الصدق مع الناس أهم المبادئ التي عليك اعتناقها، أصدق الناس فالصدق منجٍ، ولا تغضب من جاهل أو عصبي، فالجاهل لا يعقل وإذا تبعته تهلك، وإذا أردت أن تُحترم، فلابد أن تحترم أنت الآخرين، وإذا أهنت إنسانا توقع أن يهينك، فالإنسان كرامة عليك الحفاظ عليها».

وأضاف الحاج حميد: كان ينصحني دائما بعدم هضم حق الفقير، وكان يقول: «أعْطِ الفقير حقه قبل أن يجفّ عرقه»، نعم كان والدي يفعل ذلك، ففي السابق لم يكن هناك راتب شهري، ولا أسبوعي، وإنما كان الراتب يومياَ، وكان والدي كل يوم وقت المغرب يعطي كل العمال والموظفين يوميتهم، حتى يشعرون بالراحة، ويشعرون بحصاد الجهد.

الناس سواسية

- كان يقول: «عامل الناس سواسية، وراعِ ربك في عملك، لكل وقت أذان، اضحك واستمتع بدنيتك، وفي الوقت نفسه اعمل بجد وإخلاص وقت العمل، لا تستهزئ بالناس حتى لا يستهزؤن بك، ولا تتكبر على أحد».

الحقيقة أحمد الله على أنه أعطاني هذا الأب الذي عرف كيف يغرس فينا جميعا هذه المبادىء القيمة التي جعلتني احتفظ بجميع موظفي الشركة خلال هذه السنوات الطويلة، والتي جعلتني أحافظ على علاقاتي طوال خمسين عاما.

وهل تعتقد أننا نفتقد هذه النوعية من الآباء اليوم؟

- نعم فشباب اليوم شغلتهم الأموال والكمبيوتر والتلفزيون عن تربية أولادهم، ويخطئ من يعتقد أن المدرسة تساهم في التربية، التربية أساسها البيت، فكيف نطلب الأساس من جهة ثانوية؟

البيت هو الذي يضع قواعد التربية، من البيت تُغرس الأخلاق، والقيم، تُغرس المبادئ وكل شيء جميل، المشكلة ان معظم الآباء اليوم مشغولون بكسب الرزق، والركض وراء متع الحياة، وهذا ما يجعلهم ينشغلون عن تربية أولادهم، ولابد أن يعرف كل الآباء أن الثروة الحقيقية تعني التربية الصالحة للأبناء، وأن الكنز هو أن ترى أولادك يؤمنون بالقيم، ويتعاملون كرجال.

سعف النخيل

وماذا عن الأخشاب في ذلك الزمن؟

- عندما أتحدث عن الأخشاب لابد من العودة إلى الثلاثينات، ففي تلك الأيام كانت كل البيوت تُبنى من سعف النخيل، وكانوا يستخدمون جذوع النخيل والقص في بناء البيوت أما سعف النخيل فكان لبناء السقوف.

ثم بدأوا يستخدمون حصى البحر في البناء، وبعد فترة استخدموا الجندل، وهو خشب دائري يختلف سمكه من نوع لآخر، حتى تصبح سقوف البيت أكثر تماسكا، كان يوضع خشب الجندل ثم خشب البامبو ثم خشب المنقور، وهذا المزج يؤدي إلى تماسك السقف.

ومتى بدأ الناس يستوردون الخشب من الخارج؟

- في الخمسينات بدأ التجار باستيراد الأخشاب من سنغافورة وماليزيا، وكانوا يستوردون من إفريقيا خشب فيني، وهو خشب قوي ويابس.

ملك الأخشاب

وما أنواع الخشب التي تستورد؟

- «التيك» ويطلق عليه «ملك الأخشاب»، وهو أغلى أنواع الخشب، و يستخدم في صناعة الأثاث، وكل البوابات القديمة مصنوعة من «التيك»،و«السيسم»، وهو من أنواع الخشب الجيدة، وعند بدء الاستيراد كان التجار يستوردون من ماليزيا أخشاب «السرايا»، وهو خشب أحمر جيد ولكنه هش، أما خشب «المهاجني» و«المارينتي» فيستخدمان لإطارات الأخشاب، و«الكورينج» وهو من أجود أنواع الأخشاب فيستخدم للسقوف نظرا إلى قوته.

وكيف كانت أسعار الخشب؟

- أسعار الخشب في ذلك الوقت كانت تناسب مستوى المعيشة في تلك الأيام، ولكن مع تغير أنماط الحياة وتغير أسعار السفن، زادت حوالي هذه الأسعار 30 في المئة عن الأسعار السابقة، وهذا يتناسب مع مستوى المعيشة الحالي.

لقد ارتفع راتب الموظف، كما ارتفع سعر الخشب نتيجة منع قطع الأخشاب في البلاد التي نستورد منها، وهذا المنع أدى إلى ارتفاع سعر الخشب في بلد المنشأ.

ومن علمك أنواع الخشب؟

- كنت حريصا على التعلم، ولم يكن والدي يبخل علي بأية معلومة، لأنه كان يلمس صدقي ورغبتي في التعلم، وفي ممارسة العمل الجاد حتى لو كان شاقا، وكنت أنا الوحيد الذي عمل مع والدي، وكان يعتبرني بمثابة يده اليمنى، وظل والدي يضعني في هذه المنزلة حتى توفي العام 2001 قبل أن تكمل الشركة عامها الخمسين.

كان يضعني في منزلة خاصة، لأنني تركت كل شيء من أجل هذا العمل، ولم أندم لحظة على العمل مع والدي، بل على العكس أعدّ نفسي من المحظوظين بهذه الفرصة التي تعلمت فيها من والدي الكثير.

ليست مجازفة

على رغم أن العمل الحر مجازفة؟!

- يصبح العمل الحر مجازفة عندما يدخل المرء تجارة لا يفهمها، فالذي يدخل عالم تجارة لا يعرفها يضيع، والذي يغش في تجارته يفقد احترام الآخرين، ولكن فيما عدا ذلك فإن العمل الحر يمكن أن يعطيك الكثير إذا أخلصت له وأعطيته، العمل الحر يعطي المرء فرص أكبر للتطوير والنجاح.

وهل أنت تقوم بنفسك بتسلم الخشب المستورد؟

- نعم وأقوم بفحص الخشب قبل تسلمه بنفسي، ولا أعتمد أبدا على غيري في هذه العملية، ومثلما كان يفعل كل آل نوح نحرص على التأكد من ان الخشب الذي وصل إلى الميناء هو النوعية نفسها التي طلبناها.

وهل يمكن أن يحدث غش في نوعية الأخشاب؟

- مثلما يحدث الغش في أي شيء، يحدث أيضا في الأخشاب، فعلى سبيل المثال هناك أنواع شبيهة بـ «بالكورينج»، وإذا كان مراقب عملية تسلم الأخشاب لا يمتلك الخبرة الكافية لمعرفة جميع الأنواع المستوردة، ربما يتعرض لعمليات غش.

وكما كان والدي يردد دائما، الصدق والأمانة من أهم مقومات نجاح التاجر، نعم الصدق والأمانة ليس الصدق لوحده منجيا.

أبواب كربلاء

وما قصة أبواب كربلاء؟

- كان عمّي محمدعلي آل نوح من كبار (النجاجير) في البحرين، وكانت سمعته معروفة في الوطن العربي كله، ولأنه كان محل ثقة، طُلب منه عمل ثلاثة أبواب في كربلاء المقدسة، اثنان منها عند الإمام الحسين (ع).

وكيف تم نقل هذه الأبواب إلى كربلاء؟

- نُقلت الأبواب في صناديق خشبية بـ «اللنج» إلى بواخر هندية ترسو في وسط البحر، وتصل إلى كربلاء عن طريق البصرة، وعند وصول البواخر قام العمال بتركيب الأبواب.

حصاد العمر

وأين حياتك الخاصة من مشوار النجاح؟

- تزوجت في العام 1968 وأنجبت ولدا وبنتا.

وهل يعمل ولدك «سعيد» معك؟

- نعم، فهو حاصل على بكالوريوس في إدارة الأعمال والتسويق، وعُرضت عليه الكثير من الوظائف، ولكنه فضّل العمل معي، ألم أقل إن التربية الصالحة تعني حصاد العمر؟

وهل تشجع البحرنة؟

- نعم أشجعها، ولكن لابد أن يعشق البحريني عمله، قبل أن يطالب بالبحرنة.

«البحرنة» واجب وطني، وعلى التاجر أو المسئول في أي مكان أن يأخذ بيد البحريني، ولكن على أن يسعى البحريني إلى التعلم وتطوير نفسه، وأن يكون مخلصا في عمله، وليعرف انه كلما أعطى العمل حقق طموحه فيه.

ونحن لا ننسى أن البحرينيين القدامى هم أصحاب النهضة في الخليج، ولا يستطيع أحد نكران فضلهم.

وما هي نصيحتك للشباب؟

- أنصح كل الشباب أن يضع في اعتباره ان هذا البلد بحاجة إلى سواعد قوية ومخلصة للقيام بمسئولياته، هذا البلد بحاجة إلى تحمّل المسئولية في كل المواقع، فكل منا يساهم في نهضة بلده إذا عمل بجد وإخلاص ووضع مصلحة الوطن نصب عينيه.

وليعرف الشباب انه أكثر حظا من الجيل السابق، فلم تتوافر لدينا في ذلك الزمان الدراسة الحديثة التي تؤهلنا لمواكبة العصر، ولم تكن هناك كل التقنيات الحديثة التي تتيح للإنسان فرص الاتصال والمعرفة.

نعم أمام هذا الجيل فرص كثيرة للنهوض بوطنه ولتحقيق ذاته، وهنا أوجه سؤالا: لماذا لا يستفيد شبابنا من تجارب الشعوب الأخرى؟

نصيحتي للشباب، أن يحاول أخذ كل ما هو إيجابي من الآخرين، وترك ما هو سلبي، فالحياة العصرية لا تعني اللهو، والبعد عن تعاليم ديننا الإسلامي.

وما خطتكم المستقبلية؟

- ستستمر الشركة في توفير وطرح كل ما هو جديد ومفيد من مواد البناء؛ لنساهم في جزئية قد تكون الأهم في وقتنا الراهن، وهي العمران من أجل المستقبل

العدد 276 - الأحد 08 يونيو 2003م الموافق 07 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً