العدد 2760 - السبت 27 مارس 2010م الموافق 11 ربيع الثاني 1431هـ

خريطة العراق بين اتجاهين

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دخل العراق بعد إعلان نتائج الانتخابات في محطة خطرة. فالتوازن الذي أسفرت عنه يشكل نقطة تحول قد تدفع بلاد الرافدين في اتجاهين متعارضين: الأول الانزلاق نحو العنف وظهور نزعة ديكتاتورية عسكرية تعطل السياسة اعتمادا على انقسامات طائفية - مذهبية وعصبيات محلية ضيقة. الثاني نهوض حركة تسووية تعيد تشكيل خريطة العراق تحت مظلة وطنية تقود البلاد نحو الوحدة والاستقلال واسترداد الهوية العربية.

الاتجاهان يتنافسان الآن على الأولوية. عناصر الانفجار من جانب موجودة وجاهزة للاندفاع العنيف. وعناصر الاستقرار من جانب آخر بدأت تتوافر بعد مشاركة مختلف الأطراف والتكوينات في العملية السياسية.

السؤال إلى أي اتجاه سينعطف العراق في المرحلة المقبلة؟ العوامل المتضاربة يمكن قراءة حيثياتها في لائحة المقاعد التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات إذ حصدت كل قائمة نسبة عالية من الأصوات في المحافظات صاحبة اللون الطائفي المحدد. القائمة العراقية (إياد علاوي) احتلت الموقع الأول ونالت غالبية المقاعد في المناطق السنية. ودولة القانون (نوري المالكي) احتلت الموقع الثاني وحصدت غالبية نسبية في المناطق الشيعية بالمشاركة مع الائتلاف الوطني الذي أخذ النسبة المتبقية محتلا الموقع الثالث. واحتل التحالف الكردستاني الموقع الرابع على مستوى العراق والأول في المحافظات والمناطق الكردية.

هذا التوزيع السياسي للمقاعد جاء بحسب اللون الطائفي والمذهبي والأقوامي للتكتلات. والنتيجة التي أعلنت عنها المفوضية أمس الأول كانت متوقعة للمراقبين على رغم اعتراضات بعض الفائزين والخاسرين على المحصلة النهائية. فالاعتراضات تركزت معظمها على التشكيك بالنتائج في المحافظات ذات الغالبية السنية ولم تتوسع لتشمل الدوائر الشيعية والكردية ما يؤشر إلى وجود احتجاج طائفي لا ديمقراطي على مناطق معينة من دون أخرى.

حصر التزوير في محافظات محددة واستبعاده من المحافظات الأخرى يعطي فكرة سلبية عن دوافع الاعتراضات وخلفياتها، الأمر الذي يرفع من درجة التوتر في حال أصرت التكتلات الثلاثة على التشكيك بنزاهة العملية السياسية ضد التكتل الذي نال الحصة الأعلى من المقاعد.

التمييز بين محافظة وأخرى يدخل الانتخابات برمتها في دائرة الاستقطاب الطائفي ويدفع بالتوافق نحو زاوية حادة قد تشجع قوى التطرف على النمو والتحرك انطلاقا من رؤية مضادة لكل العملية السلمية «الديمقراطية» والتداول السلس للسلطة. فالتشكيك بالنتائج حتى يكون صادقا ونزيها لابد أن يشمل كل المحافظات والدوائر وألا يقتصر على مناطق محددة حصرا في اعتبار أن العراق بعد الاحتلال انشطر ميدانيا إلى شظايا وجزئيات تلونت بالطوائف والمذاهب والأقوام (الإثنيات) المتمركزة في المناطق الجنوبية والشمالية والغربية والوسطى.

صورة بلاد الرافدين بعد سبع سنوات على احتلالها وتقويض دولتها أصبحت مرسومة باللون الأحمر الذي عزل المناطق وفصل الطوائف وشرذم المذاهب وأقام جدران التفرقة بين المحافظات. هذه الصورة تحتاج فعلا إلى عقلية تسووية تعيد إنتاج وحدة تتمثل في إطار حكومة ائتلافية تجمع الانقسامات في تشكيل يخلط الأوراق على قاعدة سياسية تطمح بتجديد دور العراق العربي وموقعه الإقليمي بعد غياب قسري عن ساحة «الشرق الأوسط الصغير».

احتمال حصول تسوية مسألة غير مستبعدة إذا توافرت الشروط المطلوبة لتجاوز تلك العصبيات الضيقة التي لعبت دورها في الانتخابات وساهمت في إنتاج تلك الصورة المنشطرة في توزيع المقاعد على القوائم واللوائح. والشروط المطلوب توافرها لا تقتصر على العناصر المحلية في اعتبار أن المحيط الجغرافي (دول الجوار) يلعب دوره في صوغ شخصية العراق وهويته ودوره في المستقبل. فالصراع على العراق الذي انفتح على احتمالات بعد الاحتلال وتقويض الدولة يتطلب الآن أخذ خطوة سياسية باتجاه المصالحة مع مختلف التكوينات وما تمثله من مظلات إقليمية يمكن التعويل عليها لإعادة هيكلة بلاد الرافدين اعتمادا على تلك الخريطة الانتخابية التي رسمت معالمها العصبية الضيقة. التسوية مسألة واردة إذا تطورت عناصرها الإيجابية نحو تعزيز اتجاه الائتلاف بين التكتلات المتوازنة في قواها ومقاعدها. المشكلة تبدأ حين تأخذ الأطراف بالنكوص عن معادلة الوقائع الميدانية والتوجه نحو مصادرة حقوق الآخر وعدم الاعتراف بوجوده تحت شعارات ويافطات شتى.

العراق في منطقة خطرة، وهو يتعرض من كل الجهات إلى رياح إقليمية قد تدفع به نحو العنف والاستبداد العسكري أو نحو إعادة تشكيل خريطته السياسية بقيادة مظلة ائتلافية وطنية تسترد وحدته واستقلاله وسيادته وهويته العربية. الاتجاهان يتنافسان على الأولوية، وحظوظ «الفيدرالية» المناطقية حتى الآن تبدو الأقوى.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2760 - السبت 27 مارس 2010م الموافق 11 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:58 ص

      عبد علي عباس البصري

      المشكله ليست في الاتجاهين المعنييف في تصنيفك للموضوع ، وانما المشكله ، في الاحتلال الامريكي للعراق والطريقه البشعه التي اصقط فيها النظام العراقي البائد ، جعلت من العراق دوله باروتيه ، لن تهدأ وأبيك حتى اخراج المحتل نهائيا من العراق ، اخراجيه عسكريا وأمنيا وسياسيا. وهذا لا يتم حسب رأيي بالاتفاقات الامنيه ، لان المثل يقول ما اخذ بالقوه لا يسترد الا بالقوه.

    • زائر 1 | 1:54 ص

      عبد علي عباس البصري

      التميز الطائفي والعرقي شيئ طبيعي وتعيشه كل الامم ،فلا تستغل هذه الظاهره في تشويه الصوره العراقيه ، أما القائمه التي ذكرتها (المظله الوطنيه)ليس لها وجود اصلا فالتكتلات الثلاثه طائفيه ،ولا يعني هذا ان الحكومه العراقيه حكومه طائفيه بحثه ، الواقع يثبت ذلك لو نظرنا للحكومه الحاليه والسابقه ،تراها حكومه تشترك فيها جميع الاطياف ، الحكومه العراقيه حكومه قانونيه ومقبوله حسب القانون العراقي والعالميه للنظام الجمهوري.

اقرأ ايضاً