العدد 2767 - السبت 03 أبريل 2010م الموافق 18 ربيع الثاني 1431هـ

الطبقة الوسطى لدى العرب: مفتاح النهضة الغائب

شفيق الغبرا-وينشر بالتعاون مع كومند جراوند 

03 أبريل 2010

إن ضعف وغياب الطبقة الوسطى هي أحد أهم المسائل التي تعلب دورا كبيرا في تراجع العالم العربي. فبلا طبقة وسطى مستقلة فاعلة اقتصاديا وغير معتمدة على الدولة، لن يكون هناك نجاح في التقدم والتنمية وضمان الحريات في البلاد العربية.

في الحالة العربية لازالت الدول هي التي تقوم بالتنمية، ولازالت الطبقة الوسطى ضعيفة محدودة بحكم كبت الدول لها عبر القوانين التي تحد من نموها أو من خلال ملكية الدول لوسائل الإنتاج والأرض والثروات. فالتنمية وفق الشروط العربية ترتبط حتى الآن بوجود الكثير من التلاصق بين الذين يقودون الدولة وبين الذين يسيطرون على الاقتصاد، وفي هذا إفساد للتنمية وإدخال لها في طريق مسدود لا يختلف عن ذلك الذي دخل فيه الاتحاد السوفياتي قبل سقوطه المفاجئ.

إن القول السياسي الشهير «إن السلطة المطلقة تتحول إلى مفسدة مطلقة» فيه الكثير من الصحة. فكلما ازدادت الصلاحيات لدى الفئات الحاكمة كلما ازدادت نسب الفساد وانتشرت، وهذا بدوره ينعكس على الاستقرار لأنه يحد من نمو طبقة وسطى مؤثرة مستقلة وافرة العدد وقوية البنية قادرة على القيام بأعباء التنمية وحماية الاستقرار البعيد الأمد.

إن آلية التغير والتنمية في العالم الواسع وفي الغرب بما فيها الحقوق والحريات والانتقال إلى الديمقراطية، لم تأتِ إلا من خلال الطبقات الوسطى الناشئة. هذا ما حصل في أوروبا في القرن الثامن والتاسع عشر. فمن خلال نمو الطبقة الوسطى تم تحديد الفساد وفصله عن احتكار السلطة وتمت بنفس الوقت عملية التوسع في الحريات وتحديد صلاحيات الطبقة الحاكمة من الملوك والرؤساء وتحديد مدد بقائهم في السلطة.

فالطبقة الوسطى لتحدّ من الفساد في الدولة ولكي تحمي استثماراتها ولتضع قوتها في خدمة مشروع التنمية احتاجت في التاريخ الإنساني إلى ضمانات لحرية الرأي والمعرفة والانتقال والتجارة ووضوح الإدارة والشفافية.

إن تحديد صلاحيات الملوك والرؤساء والأمراء في ظل قوانين واضحة ودساتير وحقوق وواجبات في ظل حماية مشروع الطبقات الوسطى الصاعدة هو الذي أتى بالتجديد والنمو والتنمية والإدارة الحديثة والمستقبل الواعد والجامعات المتقدمة والمرافق العلمية والطبية والبحثية الواعدة في الغرب. هذه كانت أحد أهم أسس نمو الرأسمالية والديمقراطية.

ويختلف الأمر في العالم العربي، فأصحاب السلطة في الدول العربية هم شركاء الشركات، بل يصعب على الكثير من الشركات والاستثمارات العمل في الكثير من الدول العربية بلا شريك قوي يكون أحد أركان السلطة والحكم.

كانت أول الضربات الموجهة للطبقة العربية الوسطى الصاعدة في زمن القومية العربية والناصرية عندما انتشرت سياسة التأميم في معظم الدول العربية. كما وجهت لهذه الطبقة الوسطى ضربة قاسية عندما حولتها الدولة إلى طبقة تعتمد على الدولة وعقودها مما حدّ من نموها المستقل. بل يمكن القول إن النفط تحول لأحد أكبر العوامل التي تحد من نمو هذه الطبقة، وذلك من خلال سيطرة الدول على الإنتاج والثروات مما أحبط المجتمع وحوله إلى موقع استهلاك لا إنتاج وموقع اعتماد لا استقلالية.

من هنا ضعف العرب في كافة مجالات العلم والإنتاج والمؤسسات. ولم تكن عملية بروز مفكرين كبار مثل طه حسين، وعباس محمود العقاد، ومغنين ومغنيات مثل عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وعشرات غيرهم في ذلك الزمن السابق سوى تعبير عن نمو الطبقات الوسطى المستقلة ومطالبها. لكن تلك التجارب لم تصمد أمام سطوة الدولة.

وقد أضاف إلى صعوبة نمو طبقات وسطى عربية.

إن الدولة في البلاد العربية ظلت أسيرة العلاقة المبهمة والصعبة بين الدولة والأسرة المسيطرة.

لا توجد دولة عربية واحدة بما فيها الدول الجمهورية إلا والعلاقة بين الأسرة والدولة في التصاق كما يلتصق طفل بأمه. فالعرب لازالوا في مرحلة الطفولة السياسية بسبب هذا الالتصاق، وهذا يحدّ من نموهم. وبينما يمكن القول بأن هذا الالتصاق كان في السابق أصل نشوء جميع الدول وإنه لا ضرر من وجوده في مرحلة، لكن الدول العربية تأخرت في عملية الفصل.

لقد فصلت الدول الغربية ومعظم دول العالم بين الأسرة والدولة كما فصلت بين الطائفة والدولة، وهذا سمح لتطور الدول ونموها وتنميتها بصفتها حامية البلاد والوعاء الأساسي للتنمية والمستقبل.

في الصين على سبيل المثال الدولة هي الدولة وهي فوق الجميع، وهي ليست ملك لأسرة أو فئة، وإن كانت تحت سيطرة الحزب الشيوعي. لكن في الصين الدولة تزداد انفتاحا نسبة للحزبية الضيقة التي سيطرت على الصين في السابق، مع الوقت تنمو طبقة صينية وسطى تأتي من أصول شعبية تحترم ذاتها ولديها رؤية ومطالب سياسية وتريد حريات أكبر وحقوق وشفافية ومحاسبة تسمح بإدامة التنمية. سيكون هذا أحد أهم عناصر تحول الصين إلى الديمقراطية في المستقبل.

أما في الغرب كما في سنغافورة واليابان وآسيا بل وفي أميركا اللاتينية فالدولة أعلى من الجميع وأعلى من الملوك والأمراء والرؤساء ولديها طبقة حرة وسطى قادرة على المشاركة والشراكة وبناء المستقبل.

إن دعوات الإصلاح في أكثر من دولة عربية قد تنجح في أخذ العالم العربي نحو أفق جديد في مجال نمو الدولة كقوة فوق كل القوى والعائلات والطوائف والقبائل والأعراق.

في ظل غياب الطبقة الوسطى تتلاعب السلطات بالمستقبل، فتارة يصبح الدين والدولة شيء واحد، وتارة تتحول الدولة إلى أسرة من خمسة أفراد، وتارة تتفكك، وتارة يصعد الإرهاب بين الفئات المستثناة وتارة يعم العنف والحروب الأهلية والغضب الأصولي وتارة ترتفع نسب الهجرة إلى بلاد أخرى.

إن المفتاح في المستقبل كان وسيبقى في مدى المقدرة على نمو قوى الطبقة الوسطى المستقلة ذات الحس المستقبلي.

هذا مفتاح إصلاح المرحلة القادمة.

العدد 2767 - السبت 03 أبريل 2010م الموافق 18 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً