العدد 2778 - الخميس 15 أبريل 2010م الموافق 29 ربيع الثاني 1431هـ

الإصلاح الجاد وحماية المستقبل من الفوضى!

شفيق الغبرا - * أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية w 

15 أبريل 2010

سيطر تعبير الديمقراطية على الخطاب العربي في السنوات القليلة الماضية. ولو عدنا قليلا إلى السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين لوجدنا أن التعبير لم يكن مستخدما، بل سيطر التشاؤم على آفاق قيام ديمقراطية في بلاد العرب.

اليوم يعود التعبير إلينا بقوة في ظل تطورات إقليمية وعربية كبيرة. ففي العراق تجربة جديرة بالمتابعة لقيمتها السياسية والإنسانية، وفي الكويت تجربة جديرة بالتقدير وبنكهة عائلية قبلية دينية، وفي لبنان ديمقراطية بنكهة طائفية لكنها جديرة بالتقدير أيضا. وفي مصر إرهاصات كبرى مع عودة البرادعي الذي بدأ تحركات شعبية قد تفرض نفسها على جميع المعادلات، وفي المغرب تحولات، وفي الأردن تساؤلات كما في سوريا ربيع هادئ وآخر يميل للسخونة، وفي السعودية ملك مصلح، ولكن الأهم: المجتمع السعودي يخوض تجربة تساؤل ربما تكون الأجرأ في تاريخه والأجرأ في العالم العربي في هذه المرحلة. إننا في الطريق لشيء جديد سيأخذ وقتا لينمو ويزدهر ويكشف عن وجهه.

العالم العربي من أكثر الأماكن التي تعاني من العبث السياسي. السياسة لدى العرب لم تكن في الماضي وحتى اليوم إلا سياسة قادة سيطروا على الاقتصاد وعلى مقادير المجتمع بعيدا عن المنافسة الصادقة. لقد سيطر في البلاد العربية حكم الاستخبارات قبل حكم المعلومات والعلم، وحكم القوة قبل حكم الحكمة، وحكم العائلات وفروعها والقبائل قبل حكم المؤسسة والدولة بصفتها مساحة الجميع. في النهاية دخل النظام العربي برمته من خلال فئويته بعرض الحائط وهو مازال يقف عند الحائط غير قادر على التحرك خطوة واحدة للأمام.

عصر الإصلاح سوف يبرز من هذه الظروف الصعبة. لكن مراحل التحول الإصلاحي والديمقراطي لن تكون ممكنة بلا مجتمع يحمل رؤى متنوعة. الأساس الذي نحتاجه في هذه المرحلة هو فتح المساحة للجميع: للإسلاميين ولغير الإسلاميين للمتدينين ولغير المتدينين، وفتح المجال للكلمة المضادة ولآراء المعارضة، وفتح الباب لعودة المعارضين من الخارج بعد أن أغلقت الأبواب عليهم في الداخل. يجب التخلص من عقد الخوف من الكلمة الحرة والرأي الصريح والنقد. فمنذ متى يساعد هذا الخوف الأمم على التطور. بل تؤكد التجربة الإنسانية برمتها أن التطور ارتبط بحرية الكلمة أولا.

وقد يسيء البعض الحرية واستخداماتها، وهذه حجة تستخدمها السلطات لمصادرة الحرية. لكن توفر الحرية يطور المجتمع برمّته، فكيف نمنع الهواء وهو أساسي لحياتنا. إن منع شيء لأنه يستخدم بصورة سلبية من قبل أقلية صغيرة يساوي منع السيارات لأن البعض يستخدمها بصورة سيئة ويسبب الحوادث لألوف الناس.

إن الإصلاح القادم يجب أن يأتي بصورة مبادرات من قادة الدول العربية. فهذا أفضل أنواع الإصلاح لأنه يأتي من القمة ويساهم في تغير هادئ وسلمي. وقد حصل هذا النوع من الإصلاح في كل من إسبانيا والبرازيل في السابق. لكن في ظل غياب هذا النوع من الإصلاح سوف يكون هناك مرحلة من التذمر والعنف في الشارع قد تؤدي للبدء في الإصلاح في ظل تحديات تأتي من الشارع كما حصل في كوريا الجنوبية وبولندا، وإن لم يقع هذا سيكون هناك عنف وربما ثورات في بعض الدول العربية كما حصل في تشيكوسلوفاكيا والبرتغال. ولو لم يقع أي من هذا ستنهار الدول وتنفرط كما ينفرط عقد موديا بحقوق الناس ومصالحها واستقرارها، وقد رأينا هذا في يوغوسلافيا وفي الصومال حيث سيطرت الحرب الأهلية لسنوات.

يجب أن نحاول تفادي العنف والثورات في المرحلة المقبلة لأنها مؤلمة ونتائجها سلبية على المجتمع كما حصل في جميع الثورات التي عرفها التاريخ. لكن بنفس الوقت يجب علينا تفادي الجمود لأنه يوصلنا إلى الدول الساقطة والفوضى.

إن الإصلاح الذي تبادر به قيادات في الأنظمة أو تبادر به قيادات معارضة من خلال احتجاج سلمي يتم بناؤه خطوة خطوة قد يمثل الخيار الأفضل في ظل الواقع العربي الراهن. فهناك جيل عربي جديد يتشكل في ظل التكنولوجيا الجديدة وفي ظل الإنترنت واليوتيوب والفيس بوك، وهو نفس الجيل الذي يكتشف أن وطنه قد صودر منه لصالح فئات صغيرة تحتكره، بل يكتشف الجيل الجديد أنه يفتقد للمكان ويفتقد للمستقبل والعمل بسبب هذا الاحتكار. إنه جيل متفاعل لا يمكن صعقه بأنظمة مركزية وطرق قيادة تقليدية وأساليب عمل تحتكر السياسة والسلطة في كل قرار. هذا الجيل هو جيل التغير ووسيلته الإصلاح. وهو ذات الجيل الذي بإمكانه أن يتحول نحو التطرف عندما يحبط ويجد أن الإصلاح ابتعد بينما الاحتكار السياسي ارتفع.

حتى اللحظة العالم العربي يعيش مأزق السياسة وسلبياتها والسلطة واحتكارها ورفض تداولها، والأحزاب ومنعها والرأي والحد منه والمساواة والتميز ضدها. العالم العربي يمعن في الطائفية والقبلية والعائلية والطبقية والحد من مستقبل أجياله الصاعدة للحد الذي يخرجه من العصر والزمن.

صراع العصر صراع التجديد سوف يتعمق بين من يسعون لبناء دولة القانون والمساءلة والتداول للجميع من جهة وبين من يتمسكون حتى الآن بدولة الاحتكار وانتهاك القانون ورفض التساؤل من جهة أخرى.

العدد 2778 - الخميس 15 أبريل 2010م الموافق 29 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً