العدد 2782 - الإثنين 19 أبريل 2010م الموافق 04 جمادى الأولى 1431هـ

الجري وراء الوهم!

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

سمع به من جيرانه، «مستثمر من أبناء القرية يحول الأموال إلى أضعاف بسرعة البرق»، شارك بمبلغ متواضع، ففاق ربحه في الشهر الأول توقعاته، شارك بمبلغ أكبر، فتضاعف الربح، بدأ يدعو الأهل والأقارب، الأصدقاء والأحباب للمشاركة في الكنز الذي وقع عليه، فالربح بالآلاف، يصلك شهريا وأنا جالس في منزلك. حتى سقطت جميع الأقنعة، واكتشف أنه وأهله وأصدقاءه قد تورطوا ورطة كبرى.

على الرغم من اختلاف السيناريوهات، تبقى قصص الضحايا في الشركات الاستثمارية الوهمية متشابهة نوعا ما، فهناك دوما المبادر الأول الذي يضع طرف رجله على حافة الطريق، وما أن يشعر بالأمان حتى يقفز في الطريق فرحا، ثم يدعو كل من معه لمشاركته الرحلة، فإما أن يأخذهم الطريق معا إلى الأعلى، وإما أن يهوي بهم إلى أسفل السافلين.

لا تزال قصص الشركات الوهمية «العابرة للقرى» التي أخذت حيزا كبيرا من النقاش أخيرا تتكشف واحدة تلو الأخرى، لنكتشف من خلالها خللا عميقا قانونيا واقتصاديا واجتماعيا وشرعيا أيضا. هذه الشركات كانت تعمل بالفعل على الأرض دون رقابة أو تفتيش، مع العلم بأن القانون ألزم الشركات المسجلة بإبلاغ المصرف المركزي بكل نشاطاتها، فمن الذي يحاسب المصرف المركزي على تقصيره في التفتيش والرقابة على هذه الشركات سواء كانت مسجلة أم غير مسجلة؟ هذا هو الخلل القانوني.

من جهة أخرى، يعاني المواطن البحريني ضغوطا اقتصادية هائلة، تنامت مع بروز الأزمة الاقتصادية العالمية وكل تأثيراتها في السنوات الأخيرة ، على الرغم من أن المعلومات تؤكد من أن شركات استثمارية شبيهة تم الكشف عنها في البحرين في التسعينات أيضا.

الطبقة المتوسطة في مجتمعنا تعاني من قلة فرص الاستثمار، وتلمس تدني الفوائد ومرابحات البنوك، وتنظر إلى تقلب البورصات، وبالتالي تجد بأن لا فرصة لديها مع كل هذه الضغوطات إلا في السعي وراء الثراء السريع. هذا هو الخلل الاقتصادي.

والثراء السريع هنا يشابه قصة علي بابا في «البحث عن الكنز»، والوصول إلى الكنز الذي سيحل كل المشكلات هو حلم يداعب أفكار الجميع. وليس صحيحا ما وصف به البعض ضحايا الشركات الوهمية «بالبسطاء»، فبحسب المحامين يوجد مدراء وأطباء بل أساتذة جامعيون استثمروا في هذه الشركات، فهل يمكن أن نصنف هؤلاء من البسطاء؟ وإن كانوا بسطاء فمن أين لهم أموال لكي يستثمروها؟ يمكن أن يغري الربح السريع والمجزي أي فرد للمشاركة وخصوصا مع ضيق الحال وقلة الفرص.

من الملاحظ أيضا أن الضحايا يجلب بعضهم بعضا، لذلك سيطرت الشركات على مناطق بعينها أهمها منطقة السنابس. فالمستثمر الأول يغري إخوته وأهله وأقاربه وجيرانه بالمشاركة بعد ربحه، ويعتمد هذا الأمر على الوسيط، فأصحاب هذه الشركات يعينون وسطاء يجلب كل منهم الأفراد بحسب معارفه وأهل منطقته، لتتشكل شبكة من المستفيدين الذين يتحولون إلى ضحايا في النهاية، وجميعهم دون استثناء داعبهم حلم الوصول إلى الكنز، أو وهم الكنز، دون معرفة حقيقية بماهية الاستثمار وأصوله. هذا هو الخلل الاجتماعي.

«كل قرض جرّ نفعا فهو حرام» استند المحامي عبدالله الشملاوي على هذه القاعدة الدينية ليبين عدم شرعية الفكرة التي بنيت عليها شركات الاستثمار هذه. والحال كذلك، هل يمكن أن يكون قد غاب عن المشاركين في هذه الشركات أن يسألوا عن مدى شرعية الأرباح التي سيحصلون عليها وخصوصا مع ارتفاع نسبها؟

واليوم بعد تكشف خيوط الشبكات وقصتها، ما مدى شرعية الأرباح التي حصل عليها الأفراد الذين شاركوا في الاستثمار منذ البداية ونفذوا بجلدهم؟ أخذا بالاعتبار أن هذه الشركات تعتمد على نظرية «المغفل الأخير»، ففعليا يقوم صاحب النشاط بإعطاء الأرباح للمستثمر الأول من إيداعات المستثمر الثاني وللثاني من الثالث وهكذا... حتى إذا اكتشفت اللعبة صار الخاسر هو المستثمر أو المغفل الأخير. بطل الشركة الأولى التي تم اكتشافها تبرع للمأتم في منطقته بمبلغ كبير، أما البطل الثاني فهو رجل مشهود له ولأسرته بالالتزام الديني، فإلى أي مدى كان ذلك دافعا للأفراد للوثوق بكليهما في استثمار أموالهم؟ ومع وعي الأفراد بالأساليب المتعددة للمتاجرة بالدين، كيف انطلت عليهم الحيلة ليبذلوا أموالهم «عديلة الروح»؟ هذا هو الخلل الشرعي.

البعض ينطلق من نظرية المؤامرة في تفسير ما حصل، ويرى بأن هناك أيديا خفية تحرك خيوط اللعبة، وأن أصحاب هذه الشركات ما هم إلا أدوات في يد طرف خفي يتسلى من بعيد بمشاهدة ما يحصل حسب أجندته. والبعض الآخر يرى بأن الحاجة والطمع وأحلام الثراء السريع هي التي غيبت عقول الضحايا وأوقعتهم في مكائد هذه الشركات.

أيا يكن الأمر، فقد جاءت هذه القضايا عبرة ودرسا مجانيا للبعض وقاسيا ومكلفا للبعض الآخر، لا تجري وراء أي ربح مهما كثر الساعون إليه من حولك ومهما كانت تأكيداتهم بصدقيته وشرعية العاملين عليه، فالاستثمار يجب أن يكون منتجا. والأرباح الخيالية وهم لابد أن ينقلب عليك يوما ما، فلا تجري خلف الأوهام.

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 2782 - الإثنين 19 أبريل 2010م الموافق 04 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 9:47 ص

      ....الدجال

      اي بس احنا لما شفنا اعلانات في الجرايد مثل الوسيط و الحكومة ما سوت شىء قلنا التجارة صحيحة خاصة و ان الامن ممكن ينادي اي واحد لامور لتفه من هذي بكثير و لما رحنا نسأل في المحكمة عن المستثمر اذا في عليه قضايا سابقه او في حينها قالو هاذي معلومات شخصية ولا يحق لكم الاطلاع عليها الحل الوحيد هو ان نسأل الناس و صار حضنا اننا سألنا ناس يتعامل وياهم النصاب و منبهرين به و صدقناهم. الحين الشماته ماتحل الموضوع اللي يحلة التعامل الصارم للقضاة مع هؤلاء المحتالين حتى يرتدع غيرهم عن النصب

    • زائر 3 | 6:44 ص

      أصحاب نظرية المؤامرة

      أصحاب نظرية المؤامرة مرضى نفسيانين يحتاجون لشركة وهمية ثالثة لكي يفيقوا من نظرية المؤامرة هذه سذاجة وسعي محموم للربح السريع وبعضهم سعى وراء تحسين المعيشة ولكن بطريق خاطىء وبحظ عاثر فلا هي مؤامرة ولاهم يحزنون خلكم واقعيين وعلى الله العوض ولاتحملون غيركم أخطاءكم هدانا الله وإياكم.

    • زائر 2 | 2:38 ص

      الدنيا بوك فى بوك

      ما ياكل مال البخيل إلا العيار او المحتال . نحن نرى غن البنوك فى الأجنبيه و حت بعض البنوك الأهليه يسرقون مال الناس بطريقه ملتويه فى عز النهار . راجعوا و تابعوا البيانات الشهريه من حساباتكم و خصوصغً الفيزا كارت و ما شلبه و انظروا مجموع المبالغ التى تسرق من الزبون شهرياً و بنفس الطريقه تسرق من الزبون عن طريق اضافه مبالغ خياليه على الفوائد القروض. (تشتكى عند من؟)

    • النعيمي2 | 1:37 ص

      الله خيرا الرازقين

      الله خيرا الرازقين

    • زائر 1 | 11:15 م

      المشكلة أكبر من هذا

      إذا كان الربح 50% في السنة فان الواحد يحصل فلوسه بعد سنتين .. يكون خراب بصرة صار يعني ما اعتقد ان أحد حصل على أرباح من فلوس الثاني

اقرأ ايضاً