العدد 2783 - الإثنين 19 أبريل 2010م الموافق 04 جمادى الأولى 1431هـ

حقوق الإنسان ومنطقة الخليج (1)

نافي بيلاي comments [at] alwasatnews.com

مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان

إن حماية حقوق الإنسان هي أولا وقبل كل شيء مسئولية الدولة، لكنه أيضا جهد مشترك ويتزايد عالميا لمواجهة التحديات الجمّة ومنها النزاعات المستمرة والتمييز والفقر والعنصرية، والإفلات من العقاب، وضعف الديموقراطية والإقصاء.

على كل دولة واجب التغلب على أوضاع حقوق الإنسان التي تؤثر سلبا على مجتمعاتهم، كما وعليها مساعدة الآخرين على تجاوز العقبات التي تواجههم من أجل تمتع جميع الناس بجميع حقوق الإنسان.

بصفتي المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فإن مهمتي هي حماية و توطيد حقوق الإنسان في كل مكان، دعم جهود الدول في هذا الاتجاه، وتعزيز التعاون والعمل المشترك على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

مهمتي هذه تعتمد على استقلالية وخبرة مكتبي والذي هو جزء من سكرتارية الأمم المتحدة.

على مستوى آخر، ألا وهو المستوى الحكومي الدولي، فإن أبرز مؤسسة في الأمم المتحدة في مجال التعاون الدولي في هذا المجال هي مجلس حقوق الإنسان، والذي تم إنشاؤه عام 2005.

والمجلس هذا هو على وشك القيام بمراجعته الأولى من أجل تقييم مرحلة عمله الأولى و تحسين عمله المستقبلي.

على جميع الدول، سواء كانت أعضاء في مجلس حقوق الإنسان أو لم تكن، واجب ومسئولية جعل هذا الجسم الدولي أكثر استجابة وفاعلية ونفوذا.

من أجل الوصول لهذه النتيجة، من الضروري أن تقوم الدول بدعم تداولات المجلس عن طريق تنفيذ قراراته وتوصياته.

تنبع هذه التوصيات من عملية تعرف باسم الاستعراض الدوري الشامل، وهي التقييم الدوري لسجل حقوق الإنسان لجميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة من قبل نظرائهم، أي الدول الأخرى.

المنطق الأساسي خلف إجراء هذا الاستعراض هو حقيقة أنه لا توجد دولة لديها سجل لامع لا غبار عليه في مجال حقوق الإنسان، وبإمكان جميع الدول أن تستفيد من الاقتراحات والتدقيقات التي يقوم بها نظرائهم وآخرون من أصحاب المصلحة.

تأتي زيارتي هذه في وقت حاسم على طريق تقدم حقوق الإنسان، وخصوصا في هذه المنطقة، ويسعدني هنا ملاحظة المشاركة النشيطة والبناءة للدول العربية ومجتمعاتها المدنية في آلية الاستعراض الدولي الشامل.

لقد كانت مملكة البحرين أولى الدول التي خاضت تجربة الاستعراض الدوري الشامل، وبعدها مرت بهذه الآلية دولة قطر، الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أيضا، وسيأتي الدور أيضا الى دولة الكويت في الشهر القادم، وسلطنة عمان في العام 2011.

لقد قرأت باهتمام كبير تقارير وإجراءات هذه الاستعراضات. وحتى الآن أشارت توصيات الاستعراضات الدورية هذه إلى بعض القواسم المشتركة حول قضايا حقوق الإنسان في الكثير من دول المنطقة.

ومع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية خلفية ونهج كل دولة، فقد لاحظت مستوى مشجع من النشاط الحكومي من أجل تحسين وضع حقوق الإنسان، خصوصا فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حقوق الطفل والمعركة ضد الاتجار بالبشر. في الوقت نفسه يمكننا القول إن مجموعة من التوصيات تمحورت حول أربع نقاط، وهي حقوق المرأة، العمالة المهاجرة، الحرمان من الجنسية وحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي.

هذه الأمور ستكون من ضمن الأشياء التي سأستمر بإبرازها خلال زيارتي هذه مع المسئولين الحكوميين والمجتمع المدني.

اليوم أتحدث معكم في جامعة الملك عبدالله في المملكة العربية السعودية، وهي صرح يشهد بالتزام جلالته ليس فقط بدعم التقدم في مجال تعزيز التعليم ولكن أيضا الإاهتمام بتحسين وضع المرأة وتمتعها بحقوقها. لقد أثلج صدري معرفة أن عدد الطالبات الإناث فاق نظرائهن الذكور في المملكة العربية السعودية، وأن التعليم، بما فيه في مرحلة الدراسات العليا، أصبح متاحا لأعداد متزايدة من النساء في المنطقة ككل.

إن الاستثمار في التعليم - بما فيه تعليم النساء - ليس من العدل فحسب، وإنما هو سياسة ذكية أيضا أثبتت مردوداتها الجيدة في رفاهية وازدهار المجتمعات، وبالتالي الدول ككل.

لقد تم تحقيق التقدم أيضا على أصعدة أخرى. بعض الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي قامت بتعديل قوانينها فيما يتعلق بحقوق المرأة، بما فيها أمور الزواج، الطلاق، الميراث والمشاركة في الحياة العامة. وقد بني هذا التوجه تفسيرات حيوية للموروثات الإسلامية من قبل الحكومات والفقهاء والذين ارتأوا، كما علمت، أن هذه التشريعات ليست مبنية على اجتهادات أو ابتداعات بل إنها في حقيقة الأمر متناسبة مع الفقه الإسلامي وحتى مستوحاة منه.

إن الجهود المتواصلة من أجل إنهاء الوصاية الذكورية، ومنح النساء الحق في التصويت والوصول للمناصب العامة هي جهود جديرة بالثناء ويجب أن تستمر والذي يشكل كارثة تؤثر أكثر ما تؤثر على النساء. في هذا السياق أود الإشارة إلى الخطة العربية لمناهضة الاتجار بالبشر والتي تم إطلاقها في الدوحة، قطر في مارس/ آذار الماضي.

ومع ذلك فأنا متأكدة أنكم ستتفقون معي أن النساء في المنطقة مازلن غير قادرات على التمتع بجميع حقوقهن. العقبات التمييزية مازالت تعيق حق النساء في تحديد مستقبلهن واختياراتهن ومشاركتهن الكاملة في الحياة العامة ومساهمتهن في الحوارات العامة التي تؤثر على مسار الأمة. هذه العقبات يجب أن تزال. كما وقد آن الأوان لوضع حد لمفهوم الوصاية الذكورية.

هناك أيضا حاجة لعمل المزيد خاصة فيما يتعلق بجنسيات الأطفال والعنف الأسري. كما وإن التطورات الإيجابية فيما يتعلق بحقوق النساء المدنية والسياسية مازالت متفاوتة وغير كاملة في المنطقة.

إن الخطوة المهمة في هذا السياق ستكون في إعادة النظر في التحفظات التي وضعتها دول المنطقة على «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة».

بعض هذه التحفظات، والتي تم تفسيرها أحيانا بالرجوع للقوانين الإسلامية، تعتبر من قبل لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، وهي الجسم التعاقدي الذي يشرف على تطبيق الاتفاقية، تعتبر غير متوائمة مع موضوع وهدف الاتفاقية، الأمر الذي يشكل عقبة في طريق تنفيذها الكامل.

إن التقدم التي تم إحرازه فيما يتعلق ببعض التحفظات حول هذه الاتفاقية لهو مشجع، وأحث دول المنطقة للعمل معا حول التحفظات المتبقية.

لنتحول الآن لموضوع العمال المهاجرين، دعوني أنوه هنا الى أن المجتمعات في هذه المنطقة، والتي تعد من أكثر المجتمعات ازدهارا وديناميكية في العالم، تعتمد كليا وتعمل بفعالية بفضل العمل الشاق والفعال للعمال الأجانب. هؤلاء العمال يساهمون أيضا بالنمو الاقتصادي من خلال إرسال التحويلات لأوطانهم مما يسهم في تخفيف الضائقة الاقتصادية لعائلاتهم ومجتمعاتهم وبناء علاقات وتبادلات عبر الحدود.

للأسف، غالبا ما يتعرض العكثير من المهاجرين لهذه المنطقة ومناطق أخرى للتمييز، العنف، الاستغلال وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان.

تشير التقارير المتعلقة بهذه المنطقة باستمرار إلى إجراءات احتجاز غير قانونية لجوازات السفر، تأخير الأجور والاستغلال من خلال مؤسسات توظيف وأصحاب عمل لا ضمير لهم.

إن وضع عاملات المنازل المهاجرات مقلق بصفة خاصة بسبب أن عزلهن داخل حرمة المنازل يجعلهن أكثر عرضة للعنف الجسدي والنفسي والجنسي. وقد يتعرضن أيضا لظروف معيشة وعمل غير لائقين وانتهاكات لحقوقهن الصحية، هذا ويتم اعتقال بعضهن لفترات طويلة بعد أن اضطررن الى الهروب من عنف أرباب العمل، وقد لا يتاح لهن الحصول على خدمات قضائية وتعويضات كافية عن المحن التي ألمت بهن.

إنني مقتنعة تماما بأن حماية المهاجرين لهي من أكثر تحديات حقوق الإنسان إلحاحا. ولذلك فإنه من الأهمية بمكان عند وضع وتنفيذ سياسات الهجرة والعمل أن تضع الحكومات منظور حقوق الإنسان في أول وأهم اعتباراتها.

علمت أن الكثير من دول المنطقة قد شرعت بمعالجة بالفعل هذه المشاكل. يتم الآن وضع وتعديل قوانين العمل وكذلك تطوير عمل المفتشين. وتقوم بعض الدول بإعادة النظر بنظام الكفالة الذي يقيد العمال تماما بمخدوميهم، مما يساعد هؤلاء على ارتكاب التجاوزات بينما يمنع العمال من تغيير وظائفهم أو حتى مغادرة البلاد في بعض الأحيان. إنني أدعم بكل قوة هذه الجهود وأدعو الدول الأخرى لتبديل قانون الكفالة بقوانين عمل معدلة تتيح قدرا أكبر من التوازن بين الحقوق والواجبات. كما أحثهم أيضا على تنظيم عمل مكاتب الاستخدام والتشغيل وإدراج عقوبات ضد أصحاب العمل والوكلاء الذين ينتهكون حقوق العاملين. من الضروري هنا أن تتأكد كل الدول من أن قوانينها وسياساتها حول العمالة المهاجرة تتوافق تماما مع أعراف ومعايير حقوق الإنسان الدولية.

إقرأ أيضا لـ "نافي بيلاي"

العدد 2783 - الإثنين 19 أبريل 2010م الموافق 04 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً