العدد 2784 - الثلثاء 20 أبريل 2010م الموافق 05 جمادى الأولى 1431هـ

حقوق الإنسان ومنطقة الخليج (2 - 2)

نافي بيلاي comments [at] alwasatnews.com

مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان

إن الاعتماد على معايير حقوق الإنسان في القوانين الوطنية لهو أمر في غاية الأهمية.

وفي حين أن حقوق المهاجرين محمية من قبل جميع الاتفاقيات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، فإن اتفاقية حماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم تمنح إطارا أكثر شمولية لمثل تلك الحماية.

في هذا السياق، فإنني دائما أدعو السلطات في جميع أنحاء العالم للانضمام إلى والمصادقة على هذه الاتفاقية المهمة.

لازالت هذه الاتفاقية تعاني من تدني مستوى المصادقة عليها حيث أن 42 دولة فقط هي طرف فيها. لم تقم أي دولة من منطقة الخليج حتى الآن بالتوقيع على أو الانضمام إلى هذه الاتفاقية، ولكن لدي آمل في أن يتغير هذا الوضع قريبا.

في 18 ديسمبر/ كانون الأول العام 2010، سنحتفل بمرور العام العشرين على اتفاقية العمال المهاجرين. إنني أدعوكم للانضمام لجهود مكتبي لتحقيق أكبر فائدة من هذه المناسبة وجعلها انطلاقة نحو تحقيق القبول العالمي لهذه الاتفاقية. أما ثالث نقطة في حواري هذا فتتعلق بالأشخاص المحرومين من الجنسية، أو ما يسمى بـ «البدون».

إن الحرمان من الجنسية ليست مشكلة محصورة في هذه المنطقة. في الواقع قامت منظمة الأمم المتحدة للاجئين بتقدير ما يقارب 12 مليون شخص حول العالم لا يتمتعون بشخصية قانونية. وتواجه منطقة الخليج مشكلة طويلة الأمد تتعلق بالحرمان من الجنسية للبدون والذين يعدون بمئات الآلاف حول المنطقة.

كما نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لكل إنسان الحق في التمتع بجنسية وشخصية قانونية، والذين بدونهم يصبح الشخص كأن لا وجود له أمام القانون. إن البدون لا يملكون أيا منها.

وبانعدام الوثائق الثبوتية أو المواطنة، يتم التمييز ضدهم عادة، وإصدار الأحكام المسبقة بحقهم وإقصاؤهم ويصبحون رهينة حلقة مفرغة والصعوبات التي يواجهونها في محاولات التمتع بحياة كريمة تدفعهم أكثر وأكثر نحو هوامش المجتمع. وحينما يحدث ذلك، فإن النساء بصفة خاصة يصبحن هدفا أسهل للعنف والاستغلال.

أقل ما يقال عن تملكهن وإدارتهن لأي عمل هو أنه أمر في غاية الصعوبة: إن فتح حساب بنكي بدون أوراق ثبوتية أمر غير ممكن، كما أنه من غير الممكن لهم التنقل بين الحدود بحرية. من الصعب عليهم أيضا الحصول على مسكن ملائم كما أن حقهم في التملك مقيدا أيضا. إن مستقبل عديمي الجنسية وأطفالهم محدودا للغاية لأن الحصول على التعليم غير متاح، وكذلك الحال بالنسبة للوصول إلى الخدمات الصحية.

لقد حث السكرتير العام للأمم المتحدة الدول على وضع الإجراءات الوقائية من أجل أن لا تمنع المواطنة من أي شخص يرتبط بالروابط اللازمة مع هذه الدول.

إنني أدعو الحكومات المعنية في المنطقة إلى أن تصغي لهذا النداء.

إن معايير حقوق الإنسان الدولية يمكنها المساعدة في تحقيق هذا الهدف. وأشير تحديدا هنا إلى الاتفاقية بشأن خفض حالات انعدام الجنسية وكذلك الاتفاقية بشأن أوضاع الأشخاص عديمي الجنسية. وأتوجه هنا بالنداء إلى كل دول المنطقة لقبول هذه الاتفاقات المهمة.

لقد ذكرت سابقا أن حماية حقوق الإنسان هي أولا وقبل كل شيء مسئولية كل دولة، وتستطيع الحكومات أن تتحمل هذه المسئولية بفعالية في حال وجود صحافة نشطة ومجتمع مدني ملتزم قادرين على العمل بحرية من أجل تنبيه الدولة الى المشاكل والقضايا حال وقوعها.

إن الأجيال الجديدة المتعلمة تحتاج الفرصة والمساحة من الحرية كي تساهم في التقدم، في دولها وفي العالم. لذلك على الدول أن تضمن التمتع بحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي من أجل تحقيق ذلك. هذه الحقوق هي الركيزة الأساسية في عمل ووجود المجتمع المدني والصحافة في كل مكان. وهي تشمل حرية الصحافة وحق المدافعين عن حقوق الإنسان في التوثيق ورفع التقارير وتقديم الحالات القانونية باسم ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والتفاعل الحر مع إجراءات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان والخبراء المستقلين.

ولكن وللأسف أرى أن اتجاها مقلقا يظهر أو يعيد الظهور في العديد من دول المنطقة ومناطق أخرى. أقصد هنا تحديدا القوانين التي تحجم وتحد من نطاق عمل المجتمع المدني. هذه التشريعات تتضمن قيودا مباشرة وأخرى غير مباشرة تقضي على الحق في حرية الرأي والتعبير في الواقع. وفي الغالب يتم استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين عند فرض مثل هذه القيود.

مثل هذه القوانين تتنافى مع معايير حقوق الإنسان والأعراف الدولية، مثال الإعلان المتعلق بحق ومسئولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، والمعروفة بالإعلان الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان.

إن عمل المدافعين عن حقوق الإنسان يوصف عادة بأنه «كلام الحقيقة أمام السلطة»، هذه الحقيقة التي يجب أن يرحب بها أصحاب السلطة إذ إنها تساعدهم على تحديد وتصحيح الأخطاء التي تعيق النمو السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

إن إزالة العقبات التي تعيق أو حتى تحبط التحليل النقدي البناء من قبل الخبراء والأكاديميين هي في غاية الأهمية في سياق تحقيق التطور الثقافي والعلمي للمجتمعات.

الحوار العلني والعام يحتاج الى إعلام مفتوح وحرّ تحكمه فقط أخلاقيات العمل المهني ومبادئ حقوق الإنسان. وهذا المفهوم له أهمية خاصة لهذه المنطقة بالتحديد، حيث أنها محطة للإعلام المرئي والمقروء والذي يصل إلى منطقة الشرق الأوسط وما وراءها ويؤثر عليها بفعالية. يسعدني أن أنوه إلى ما نلاحظه من الاستخدام المتزايد لمصطلحات ولغة حقوق الإنسان في التقارير اليومية للمحطات الفضائية الإقليمية والعالمية وكذلك في الإعلام المطبوع. ومع ذلك فإن الإغلاقات الدورية لمكاتب الصحافة ومصادرة بعض الأعداد من الصحف لا تزال مصدر للقلق.

غالبا ما تتخذ الدول في المنطقة ومناطق أخرى الموقف القائل بأن القيود التي تفرض على الحريات نابعة من ضرورة مواجهة التهديدات السياسية، وخصوصا آفة الإرهاب. ولكن التجربة أثبتت أن تعزيز وحماية حقوق الإنسان، بما فيها حق المشاركة والمساهمة في الحوارات الصريحة والمنفتحة، هي التي تقود في نهاية الأمر إلى منع مثل تلك التوترات المجتمعية والتي تشكل الجذور الأساسية للصراعات العنيفة.

إن تطوير أجندة حقوق الإنسان تتطلب بناء شراكة قوية وواسعة النطاق، ولكن الجهد يجب أن يبدأ من الداخل، عن طريق حماية مؤسساتية لحقوق الإنسان في القانون وبالتطبيق. ومن أجل الوصول لهذه النتيجة، نجد أن هناك أهمية ملحة لإنشاء مؤسسات وطنية لحماية حقوق الإنسان.

من أجل أولئك الذين لم يتعرفوا كفاية بعد على عالم المؤسسات الوطنية لحماية حقوق الإنسان، أود أن أوضح أن هذه هي مؤسسات رسمية ولكنها تعمل باستقلالية عن الحكومة أو السلطة التنفيذية من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان على المستوى الوطني.

نجد المعايير الأساسية لإنشاء وعمل هذه المؤسسات في «مبادئ باريس»، والتي تمت الموافقة عليها من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة في العام 1993، والتي تتضمن الحد الأدنى من المعايير للمؤسسات الوطنية لحماية حقوق الإنسان كي تعمل بكفاءة. هذه المعايير تشمل الاستقلالية والتعددية.

إن المؤسسات الوطنية تسهل الوصول لتفاهمات أفضل واستيعاب أسرع للقانون الدولي ضمن القوانين المحلية. كما أنها تعمل عادة على اكتشاف نقاط الضعف في أنظمة الحماية المحلية وتسهم باستنباط الإجراءات والتعديلات المؤسساتية والقانونية الملائمة.

أود التنويه برضا تام عن التقدم الفاعل للمؤسسات الوطنية لحماية حقوق الإنسان بالمملكة العربية السعودية ودولة قطر واللواتي كانتا السباقتين في منطقة الخليج. أرغب أيضا بتهنئة مملكة البحرين وسلطنة عمان لقيامهما مؤخرا بإنشاء مثل هذه المؤسسات، كما وأحث الدول الأخرى على أن تأخذ زمام مثل هذه المبادرات. وسيظل مكتبي حريصا على التعاون مع المؤسسات المحلية لحقوق الإنسان من أجل تدعيم الحماية المؤسساتية لحقوق الإنسان في جميع الدول.

في حقيقة الأمر فإن التحديات اليوم تتطلب شبكة قوية من الشراكة والتضامن. تبدو هذه التحديات شاقة في بعض الأوقات. وحتى حينما نتعامل مع أوضاع مزمنة يواجهنا دائما ظهور حالات طارئة سريعة، وبضمنها النقص الغذائي الأخير، الركود العالمي، الأوبئة والكوارث الطبيعية. دعوني أستغل هذه الفرصة لأناشد الدول في المنطقة من أجل توفير الموارد الضرورية في حالات الطوارئ، وأود التأكيد عليكم أن هذه المساعدات هي موضع تقدير دائما.

إن دعمكم يعطي معنا عمليا لمصطلح «واجب المساعدة» لمن يحتاجها. وهذه المسئولية هي الأساس الأهم للتعاون الدولي والحافز الأقوى لإنشاء ثقافة الدعم والاحترام. كما أنها إحدى دعائم المجتمعات الإسلامية والتي تجد لها صدى في القوانين الدولية، خاصة المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

من ناحيتي أود أن أطمئنكم أن مكتبي جاهز دوما لتقديم الدعم للحكومات والأشخاص في هذه المنطقة من أجل مواجهة قضايا حقوق الإنسان بكافة أشكالها. إننا نقوم بتقوية مكتب الشرق الأوسط الإقليمي ومقره بيروت، ونمضي قدما في عمل مركز التوثيق والتدريب التابع لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الدوحة، ولا ننسى هنا الموارد والخبرات في مختلف وحداتنا المتخصصة بجنيف. إننا نضع ذلك كله في خدمتكم. إنني أتطلع بشغف من أجل استمرار التعاون معكم بهدف ضمان أن يتمتع كل فرد هنا وفي أي مكان آخر بالعالم بكامل كرامته التي تكفلها له مواثيق حقوق الإنسان الدولية.

إقرأ أيضا لـ "نافي بيلاي"

العدد 2784 - الثلثاء 20 أبريل 2010م الموافق 05 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:18 ص

      الحقيقة التي يجب أن يرحب بها أصحاب السلطة

      إن عمل المدافعين عن حقوق الإنسان يوصف عادة بأنه «كلام الحقيقة أمام السلطة»، هذه الحقيقة التي يجب أن يرحب بها أصحاب السلطة إذ إنها تساعدهم على تحديد وتصحيح الأخطاء التي تعيق النمو السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
      ولكن التجربة أثبتت أن تعزيز وحماية حقوق الإنسان، بما فيها حق المشاركة والمساهمة في الحوارات الصريحة والمنفتحة، هي التي تقود في نهاية الأمر إلى منع مثل تلك التوترات المجتمعية والتي تشكل الجذور الأساسية للصراعات العنيفة.

اقرأ ايضاً