العدد 279 - الأربعاء 11 يونيو 2003م الموافق 10 ربيع الثاني 1424هـ

مجلس التعاون... أي تعاون؟

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

مجلس التعاون الخليجي مضى على تأسيسه أكثر من عشرين سنة ولكنه مازال بعيدا عن طموح المواطن الخليجي، إن كان هناك من يمكن اطلاق عبارة «مواطن خليجي» عليه. لقد كان مولد المجلس في مطلع الثمانينات كردة فعل للاوضاع الاجنبية، ولذلك لم يفلح إلى حد الآن في تحقيق التكامل الاقتصادي او اي نوع من انواع التنمية المستديمة.

وفي مطلع هذا العام بدأ الاتحاد الجمركي المفترض انه الركن الاساسي لاقامة سوق خليجية مشتركة، ولكن التصريحات التي اطلقها مسئولون الاسبوع الماضي عن تأجيل قيام سوق خليجية مشتركة حتى العام 2007 لابد وانها اثارت تساؤل المراقبين عن جدوى الادعاء بوجود مجلس تعاون في الاساس.

فكرة السوق المشتركة في العصر الحديث بدأتها ثلاث دول اوروبية صغيرة في الخمسينات وهي هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ او ما يطلق عليها «بنولوكس»، وهي كلمة تتكون من الاحرف الأولى للبلدان الثلاثة والتي سرعان ما نمت التجارة بينها بعد ان وحدت جماركها. وعلى هذا الاساس تم التقاط الفكرة ودخلت ثلاث دول اخرى هي فرنسا والمانيا وايطاليا مع الدول الاوروبية الاصغر (بنولوكس) وانشأوا بداية اسواقا مشتركة تختص بالحديد والصلب والفحم، ثم في العام 1957م أنشأوا سوقا مشتركة طالت مختلف المنتجات والخدمات وسهلت انتقال الافراد والاموال والسلع من خلال توحيد الجمارك بينها.

وهكذا بدأت السوق الاوروبية المشتركة في النمو وازدادت قوة مع دخول دول أوروبية أخرى في السنوات اللاحقة. وفي العام 1986 تحولت «السوق الاوروبية المشتركة» الى «سوق موحدة» وعليه تغير اسم السوق الاوروبية المشتركة الى «المجموعة الاوروبية»، وبعد توحيد السوق بعدة سنوات تم الاتفاق على توحيد شئون اخرى (ليست اقتصادية)، ولذلك أُعلن «الاتحاد الأوروبي» مطلع التسعينات.

ولكي توحد السوق في العام 1986 وافقت دول السوق المشتركة على قرارين مهمين سرعا بالنمو في مختلف المجالات بين البلدان الاوروبية وادى هذا إلى توحيد اسوقهم. كان القرار الأول توحيد المواصفات للسلع والمنتجات بحيث تلتزم جميع البلدان بمواصفات ومقاييس معينة واذا تم ذلك يحمل المنتج اشارة «CE». اما القرار الثاني فكان اعتماد التصويت بالاكثرية على القرارات الاقتصادية والفنية بدلا من أسلوب الاجماع السابق، فأسلوب الاجماع كان يعني أن أية دولة لديها حق «الفيتو» فيما لو اعترضت على قرار معين. وعلى هذا الاساس فقد تم تخصيص اصوات لكل بلد بحسب حجم السكان (بصورة تقريبية).

توحيد السوق من خلال توحيد المواصفات والمقاييس للسلع ادى إلى تطوير السوق الاوروبية، بحيث يمكن القول إن هذا القرار كان اخطر قرار تواجهه السوق الاميركية. فالسوق الاميركية موحدة فيما بين ولاياتها وسيطرة اميركا على السوق العالمية تعتمد اساسا على اعتماد مواصفات ومقاييس اميركية للمنتجات والخدمات. ولذلك فإن المواصفات الاوروبية تعتبر منذ انشاء السوق الموحدة التحدي الاول الحقيقي للهيمنة الاقتصادية الاميركية. والفكرة هي ان البداية الصغيرة من ثلاث دول اوروبية صغيرة تطورت الى اقامة سوق مشتركة ومن ثم سوق موحدة فاتحاد اوروبي، ويستطيع الآن نصف بليون انسان الانتقال بحرية بين الدول الاوروبية من دون «مصائب بيروقراطية»، بينما نحن نعيش في دولنا وتحاصرنا القرارات البيروقراطية وانعدام الارادة لخلق سوق مشتركة حقيقية.

على أن الحديث عن سوق خليجية مشتركة (في العام 2007) وسوق عربية مشتركة (في العام 2008) وسوق اسلامية مشتركة (غير محددة التاريخ) ربما جميعها من الاحلام لانه قبل ان يتحقق ذلك فإن الدول مطالبة بالتخلي عن عدد من التصورات التي تمنعها من الاستفادة من بعضها بعضا. فمع تأخر هذه الاسواق تتقدم لنا افكار اخرى عن منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة وبعض دول الشرق الأوسط، ولربما لا تجد وسيلة افضل سوى الارتباط بالسوق الاميركية كأتباع فقط، والقرار الاميركي خلفه إرادة قوية ويحمل أهدافا استراتيجية بعيدة المدى.

إن أمامنا فرصا مهمة لو فتحنا اسواق دول المجلس مع سوق ايران والعراق واسواق الدول العربية والاسلامية الاخرى في المستقبل. فالركود الاقتصادي الذي يغطي منطقتنا ليس له مبرر أبدا، والولايات المتحدة تتحدث عن ثروات العراق ونحن أيضا نتحدث عن ثروات العراق. ولكن تلك الثروات لا فائدة منها اذا كانت سجينة للسياسات الخاطئة التي تغلب عوامل الامن الى الدرجة التي تتسابق فيها الدول في إصدار القوانين لقمع شعوبها ولمنع ابناء الشعوب الاخرى من الاقتراب من بلادها. فما فائدة هذه البلدان الجميلة، وما فائدة وجود ثروات فيها اذا كانت التوجهات ليست لها علاقة بتنمية مستوى المعيشة للمواطنين ولاهل تلك البلدان.

إن دول الخليج - وبسبب غياب السوق الاقتصادية المشتركة - تنافس بعضها وتصدر السلع نفسها، وبالتالي فإن نمو واحدة منها يعتمد على انعدام النمو في الاخرى. وهذا هو عكس مفهوم السوق المشتركة القائمة على التكامل الاقتصادي ومساندة الاسواق لبعضها بعضا بصورة مشتركة.

إن دولنا صغيرة وخليجنا صغير مقارنة بالاسواق العالمية، ولا مستقبل تنمويا إلا من خلال اسواق مشتركة تماما كما حدث في جميع مناطق العالم

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 279 - الأربعاء 11 يونيو 2003م الموافق 10 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً