العدد 279 - الأربعاء 11 يونيو 2003م الموافق 10 ربيع الثاني 1424هـ

مأزق الطبقة السياسية العراقية

80 حزبا في بلاد الرافدين

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

تجد الطبقة السياسية العراقية بأطيافها المختلفة نفسها في مأزق يصعب عليها الخروج منه حاليا في ظل التوجهات الاميركية القائمة راهنا، وبدت هذه الطبقة وان كانت ساخطة على الولايات المتحدة، الا انها في الوقت نفسه تسعى الى عدم القطيعة معها. السخط بالنسبة إلى كثير من القوى السياسية التي كانت موجودة في المنافي او تلك المحسوبة او المدعومة من الولايات المتحدة كالحزبين الكرديين الرئيسين او معظم عناصر الهيئة القيادية للمؤتمر الوطني العراقي ينبع من تنامي الشكوك بأجندة واشنطن، اذ ان هذه الاجندة لا تميل حاليا الى تطبيق ما اتفق عليه في مؤتمري لندن وصلاح الدين اللذين ضغطت واشنطن لخروجهما بالصيغ التوافقية التي خرج بها كلاهما. اما الرغبة في عدم القطيعة فمتأتية من كون الولايات المتحدة اضحت القوة الوحيدة الاساسية الفاعلة على الارض، ومن دون رغبتها او موافقتها لن يستقيم شيء على الاطلاق.

المتخصص في العلوم السياسية من جامعة بغداد محمد جواد علي يرى «ان الامور اكثر تعقيدا مما يمكن تصوره، والوضع شائك لدرجة في ان المأزق لا يلف فقط الطبقة السياسية العراقية وانما يجعل الشعب العراقي بأسره في هذا المأزق»، ويقول «فالشعب الذي بمجمله يرفض الاحتلال الاميركي البريطاني لوطنه، يدرك تماما ان الحرب التي تعرض لها وان كانت ادت الى الاطاحة بنظام ديكتاتوري فريد من نوعه، الا ان غاياتها تتعدى ذلك الهدف لتتجه صوب السيطرة على مقدرات العراق وخيراته وفي المقدمة منها النفط، وهذا الشعب الواعي بكل هذه الحقائق ورافضا لها هو ذاته الذي يرفض في معظمه خروج قوات الاحتلال الاميركية البريطانية من وطنه حاليا». ويعرب الاستاذ علي عن تخوفه من ان «حال الصومال يمكن ان تسود العراق في ظل الفراغ الدستوري الحالي وفي ظل غياب سلطة مهيمنة».

غير ان رئيس الحركة الوطنية الموحدة الشيخ احمد الكبيسي يرى ان العراق الذي كان سباقا في تاريخ البشرية في معرفة التنظيم الحكومي قادر ان يبلور حكومته ويؤسس شكل نظامه السياسي من دون تدخل. ويضيف «ان الكثير من الخيرين من ابناء هذا البلد مارسوا دورهم في حماية الممتلكات العامة وبدءوا ينظمون السير في الشوارع وبادروا في حماية احياءهم السكنية، في الوقت الذي شجع المحتلون الفوضى والنهب».

ولكن ليس بالضرورة ان كل ما تحدث عنه الشيخ الكبيسي ينسجم ومعطيات وافرازات المشهد القائم على الاقل في بعده السياسي، فاليوم هناك نحو 80 او 100 حزب سياسي يتحرك في الساحة ، وكل منها يسعى الى السلطة، بل ان معظمها وان كان متأكدا انه لا يستطيع ان يستأثر بالسلطة فهو الاقل يعمل بكل قواه لتكون حصة الاسد له. والتجاذبات قائمة وان لم تعلن بين الاطراف المختلفة والتي بعضها متناقض مع بعضها الآخر الى حدود تتجاوز النسبية القليلة. بل ان وجود ارضية مشتركة بين هذه التشكيلات السياسية المنوعة والمتنوعة ليست دائما عاملا للتفاعل و داعيا للشراكة، ولعل الفرشة الكبيرة للعناوين السياسية التي تنتمي للتيار الاسلامي تبين حالة المنافسة وان كانت هذه المنافسة قائمة من تحت السجادة... وهذا ليس مرده دائما التنوع المذهبي والديني لمكونات الشعب العراقي، وانما هو نزوع الاستحواذ القائم لدى الكثيرين... فالهيئة القيادية المسماة بالسباعية للاحزاب السياسية تعمل بشكل واضح كونها ممثلة للقوى السياسية بمجملها. في حين ان واقع الحال كما يقول عزيز الياسري المنسق العام للتيار العراقي الديمقراطي ان هذه اللجنة لا تمثل كل الاطياف السياسية القائمة الراهنة، وانما تسعى الى الاستحواذ على قمة الهرم للطبقة السياسية وبمعزل عن اية صيغة تراتبية او توفيقية تقر ذلك.

مهدي الحافظ نائب رئيس التجمع للديمقراطيين المستقلين بدوره يقول «ان اللجنة السباعية هي وليدة مؤتمري لندن وصلاح الدين في دعواها لتمثيل القوى السياسية، ولكن تجمعنا لم يكن طرفا في هذين المؤتمرين، وبالتالي هو غير معني بمقرراتهما». ويضيف الحافظ «الان على الارض وجدت فعاليات سياسية جديدة وتنظيمات مهنية ناشئة ولكن مؤثرة ولها رؤاها، كل هذه الاطراف الحاضرة تلغي التشبث بمقررات مؤتمري لندن وصلاح الدين لانها اصبحت من الماضي والواقع افرز تطورات واستحقاقات جديدة».

الياسري بدوره يعرب عن قناعته بأن «توسيع الهيئة القيادية السباعية الى 12 عضوا او 20 عضوا، ليس حلا موفقا لن يصادر حق الاخرين في تمثيل قوتهم السياسية، والحل يكمن في الاحتكام للجماهير العراقية». والياسري يرى من حق سلطة الاحتلال ان لا تعترف بتمثيل السباعية للقوى السياسية الاكثر تأثيرا على الارض.

كل المعطيات القائمة حاليا تبين ان الطبقة السياسية العراقية ليست مستقرة بعد؛ وانما لا تزال تشهد حراكا واسع النطاق والتنافس فيه على اشده، وهو ليس تنافسا منضبطا في جميع الحالات . فالتنافس القائم بين القوى المؤثرة في الوسط الشيعي ببعديه الاجتماعي والسياسي احيانا يصل في تجاذباته حد الاحتقان، والمشهد عبر عن حالات الاحتقان التي لا تزال قائمة وان كانت بدت غير متسعة حاليا لسبب او لآخر لكنها تظل قائمة ويمكن ان تنشط في اية لحظة.

اكثر من ذلك ثمة تناقض صار يعبر عن نفسه في اكثر من صيغة، محور هذا التناقض هو الفارق النوعي بين عناصر الطبقة السياسية من الذين تابعوا العمل السياسي المعارض للنظام السابق من المنافي واولئك الذين شكلوا معارضة صامتة في الداخل وعاشوا اجواء القمع والحصار والحرب. والتعبير عن هذا التناقض يكمن في قيام تشكيلات حزبية وسياسية تعلن تفهمها لضرورة سيادة مبدأ التسامح وفتح صفحة جديدة وعدم النبش في مزيد من القبور والملفات التي تؤجج الفرقة اكثر مما تصون الوطن. فضلا عن ان رؤية الرجل الشارع العراقي تحمل شكوكا ازاء الكثير من التيارات والاحزاب السياسية التي ظلت تعمل في المنفى، والتي ايدت الحرب او شجعت الحالة التي قادت الى الاحتلال القائم ولو بشكل غير مباشر.

عامر حسن فياض استاذ الاجتماع السياسي في جامعة بغداد يتوقع ان يبرز ولو بعد حين تقسيم ليس فقط داخل الطبقة السياسية وانما ايضا بين ابناء المجتمع العراقي، ويوضح «نحن نعلم ان نحو 3 او 4 ملايين عراقي هجروا العراق خلال العقدين الماضيين، الآن غالبية هؤلاء سيعودون طوعا او ضغطا، وطبعا ان اعدادهم ازدادت في المنافي المختلفة وتشكلت قيمهم ووعيهم على نحو مختلف لما هو سائد لدى عراقيي الداخل خلال العقدين الماضيين، ومن هنا ستبرز لدينا انشطارات ليس فقط داخل الطبقة السياسية وانما داخل المجتمع باسره بين عراقيي «الدياسبورا» و«جيل الصابرا من العراقيين».

وفي كل الاحوال، فإن المأزق الحالي الذي تجد الطبقة السياسية العراقية نفسها فيه قابل للاستمرار حتى وان خف ضغط الاحتلال، لانه حتى وان تلاشى الاحتلال، فان النظام السياسي الذي سيقوم سيظل رهينا للسياسات الاميركية، كما ان افرازات الاخطاء المتراكمة للنظام السياسي الذي ظل قائما لثلاثة عقود او اكثر ستترك حفرياتها ومطباتها لعقود قائمة، فضلا عن ان العمل في ظل المنافي غيره العمل في الداخل وما عاناه معظم الشعب العراقي لا يصل بذات الاحساس لاولئك السياسيين الذين ناهضوا الحكم من الخارج، وبالتالي فان الاولويات بالنسبة إلى الجانبين ستفترق في المقبل من الزمن ان لم تكن هي اصلا على خصام

العدد 279 - الأربعاء 11 يونيو 2003م الموافق 10 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً