العدد 2799 - الأربعاء 05 مايو 2010م الموافق 20 جمادى الأولى 1431هـ

«اكسبو» والصعود الرابع للصين

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

تصف الصين نفسها بأنها الدولة المركزية أو الدولة الوسطى، هكذا هو اسمها باللغة الصينية وهكذا هو تاريخها، فقد اعتبرت نفسها حضارياً أنها الدولة المتحضرة ونظرت للشعوب الأخرى بأنها برابرة، وخشيت على حضارتها منهم لذلك أقامت سور الصين العظيم.

ولعل قيام الصين القديمة الموحدة وبناءها سور الصين العظيم يمثل الصعود الأول بعد أن عاشت الصين كحضارة لعدة قرون كدول متحاربة، ولكن نجاحها في تحقيق وحدتها ساعد في نشر ثقافتها عالمياً، ولعلني أشير إلى عدد من المفكرين والاستراتيجيين الصينيين وفي مقدمتهم الاستراتيجي النابغة صون تزو، والمعلم الأشهر كونفوشيوس وماشيوس ولاوتزو.

وعادت الصين للصعود الثاني مع ثورة الجمهورية بقيادة صن بات صن العام 1911م، ثم الثورة الاشتراكية بقيادة ماوتسي تونغ رفاقه الذين وصلوا إلى السلطة العام 1949م، بعد نضال طويل ضد القوى الاستعمارية الآسيوية والأوروبية.

أما الصعود الثالث فهو بقيادة زعيم الإصلاح والانفتاح دنغ سياوبنغ الذي أطلق الثورة الثالثة العام 1978م، ما أدى إلى تطور اقتصادي وتكنولوجي وإنتاجي غير مسبوق في تاريخ البشرية وهو ما أطلق عليه «المعجزة الصينية» والتي عززتها جهود الرئيس الصيني السابق جيانغ نزمين.

أما الصعود الرابع فقد جاء خلال السنوات الخمس الماضية في ظل قيادة الرئيس الصيني هو جنتاو، حيث ثلاثة أحداث هامة، الأول: استضافة الصين الدورة الأولمبية العام 2008م، والثاني: استضافتها اكسبو 2010م، الحدث الأول في بكين والحدث الثاني في شنغهاي. أما الحدث الثالث: فهو الأزمة المالية العالمية التي أدت إلى اتجاه دول العالم المتقدمة إلى الالتجاء للصين للمساعدة في الخروج من الأزمة، وهو ما أدى إلى إبهار العالم بمعدل النمو السنوي الذي زاد على 8,7 في المئة بينما كان معدل النمو في معظم دول العالم تحت الصفر أو فوقه بقليل.

الصعود الصيني الرابع اعتمد على مجموعة من الركائز في مقدمتها العملية التراكمية في الإنتاج منذ حركة الإصلاح والانفتاح، والتطور التكنولوجي، اجتذاب هائل للاستثمار الأجنبي ومنحه العديد من التسهيلات والمزايا، ولكن الأهم من كل ذلك أربع ركائز:

الأولى: وجود نموذج سياسي صيني واضح المعالم في أطره العامة يتسم بمرونة كبيرة في تنفيذ السياسات المرسومة.

الثانية: استخدام قوى الشعب المبدعة في مواقع الإدارة وخاصة جيل الشباب والنساء، فضلاً عن تربية الكوادر الحزبية ومراقبتها بدقة وعناية.

الثالثة: تحديد واضح لاختصاصات ومسئوليات أجهزة السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والقوات المسلحة، وفي الوقت نفسه السيطرة والرقابة الحزبية على كل تلك المؤسسات لضمان عدم خروجها عن الاستراتيجية الوطنية.

الرابعة: التخطيط الدقيق والرؤية الواضحة للأهدافة المستقبلية للدولة والعمل بدأب لتحقيق ذلك، وجعل كل ذلك بمثابة أهداف قومية لا جدال فيها، يتفانى من أجل تحقيقها الجميع، وهناك العشرات من الأمثلة الدالة على ذلك، ولن يسع المقام لسرد كل ذلك، فعلى سبيل المثال في الإعداد لأكسبو 2010م، خططت الصين لبناء 970 كيلومتراً من مسارات الأنفاق في المستقبل، منها 400 كيلومتر على الأقل بحلول العام 2020م، لكن في العام 2010م، قبل انطلاقة اكسبو 2010م، تم بناء 410 كيلومترات قبل موعدها بعشر سنوات.

اكسبو 2010م، استهدف تعزيز صورة الصين العالمية وقد تكلف الإعداد للمعرض 45 مليار دولار منها أكثر من 4 مليارات أنفقتها الحكومة المركزية على ترميم البنية التحتية والطرقات وتنظيم قطاع السير وإنشاء أكبر شبكة لقطارات الأنفاق، كما تحملت الدول المشاركة تكاليف معارضها. وقد شارك أكثر من 40 ملكاً وزعيماً دولياً، ويتوقع أن يزور المعرض أكثر من 70 مليون زائر على مدى 6 شهور من مايو/ أيار حتى أكتوبر/ تشرين الأول، وشعار المعرض (مدينة أفضل حياة أفضل).

وينبغي أن نشير إلى عدد من الملاحظات، حول دور اكسبو في الصعود الرابع للصين وعلاقاتها الدولية:

الأولى: إن المشاركة الدولية الكبيرة، من 40 ملكاً وزعيماً دولياً من مختلف قارات العالم، فضلاً عن أن الدول المشاركة بلغت 189 دولة، يعني تحول الصين إلى مركز جذب عالمي يؤكد حقيقة النهوض الصيني بطريقة عملية.

الثانية: إن المعرض هو معرض ثقافي وتجاري وحضاري وصناعي، ومن ثم فإنه من الناحية الفعلية يمثل عملية تواصل صيني مع العالم، وتواصل عالمي مع الصين، هذا تعبير جديد عن تحول العالم إلى قرية عالمية، وعن مفهوم التساند المتبادل بين دول العالم؛ ما يؤكد مدى تشابك وتداخل العالم المعاصر في مشاكله وفي تطلعاته وفي إنجازاته وفي تحدياته.

الثالثة: إن المعارض الدولية والألعاب الأولمبية وغيرها من الاحتفالات والمهرجانات العالمية أصبحت أداة لتحقيق النمو الاقتصادي وإنعاشه وإخراجه من الركود، وكذلك لتحسين مستوى المعيشة للأفراد بتحسين البنية التحتية في الدول والمدن التي تقام فيها مثل تلك المعارض أو المهرجانات، فضلاً عن خلق آلاف - إن لم نقل ملايين - الوظائف.

الرابعة: إن الدول العربية وبخاصة الدول الخليجية وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية من أكبر المساهمين والمشاركين في معرض شنغهاي، والجناح السعودي في شنغهاي هو الجناح الثاني من حيث الحجم بعد الجناح الصيني، وبلغت تكاليف الجناح السعودي 250 مليون دولار وجلبت من أجل ذلك 150 نخلة غرست على سطح جناح المعرض. بالطبع هناك دول عربية مثل مصر وسورية والإمارات وعمان والأردن وغيرها كذلك دول إفريقية ونامية متنوعة.

الخامسة: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في معرض شنغهاي، فجناح فلسطين يقع على مساحة 320 متراً تعرض للتراث الفلسطيني، كذلك عرض الجناح الإسرائيلي لمدينة القدس والحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى وقبة الصخرة وعرض جدارية تتضمن كل ذلك؛ ما أثار الوفد الفلسطيني الذي شارك برئاسة أبومازن وهدد بالانسحاب من المعرض، وأدى ذلك إلى تدخل الصين وإزالة الجدارية التي تعرض المسجد الأقصى، وإن احتفظ فقط بحائط البراق المسمى لدى اليهود بحائط المبكى. وفي الوقت نفسه، احتج الإسرائيليون على صورة في الجناح الفلسطيني تظهر جنوداً إسرائيليين يطاردون أطفالاً فلسطينيين وأدى ذلك لرفع هذه الصورة.

السادسة: تتعلق بجناح البحرين الذي أقيم تحت شعار «الصغيرة الجميلة» وقد أقيم المعرض على مساحة تزيد على 300 متر مربع، وتضمن عرضاً لحضارة البحرين ومواقعها الأثرية والتاريخية وإنجازاتها، وهذا يُعَدُّ إنجازاً رائعاً لإبراز البحرين في هذا الحفل العالمي، وبرزت الوزيرة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة كرائدة للإنجازات الثقافية ولدور المرأة في مرحلة الانفتاح والإصلاح. وقد خصص للجناح البحريني 1.7 مليون دينار حسبما ذكرت صحيفة «أخبار الخليج» في الصفحة 12 يوم الأحد الموافق 2 مايو/ أيار 2010م.

السابعة: إن معرض اكسبو شنغهاي 2010م، يفوق معرض اكسبو العالمي السابق الذي أقيم في سرقسطة بإسبانيا العام 2008م، بعشرين مرة. وبلغ إنفاق الصين على المعرض 4.2 مليارات دولار بما يصل إلى ضعف إنفاقها على الدورة الأولمبية في بكين العام 2008م. ويتوقع أن يزوره 70 مليون زائر على مدى 6 شهور.

الثامنة: إن الصين، من أجل إقامة المعرض على هذا المستوى المبهر، وكذلك إعادة إنشاء البنية الأساسية، قامت بتهجير 18 ألف أسرة و270 مصنعاً بينها حوض جيانج نان الضخم لصناعة السفن الذي يعمل به عشرة آلاف عامل إلى خارج مدينة شنغهاي.

التاسعة: إن مدينة شنغهاي هي المدينة الأولى في الصين من حيث عدد سكانها نحو 20 مليون نسمة، وتقدمها الاقتصادي والتكنولوجي، ولقد برزت المدينة منذ العام 1842م، عندما أجبرت الصين على فتح موانئها للتجارة الخارجية مع الدول الأخرى بعد اتفاقية نانكين بين بريطاينا والصين التي أنهت حرب الأفيون بين البلدين. وتقع المدينة وسط ساحل الصين الشرقي، وعلى دلتا نهر يانجتسي الشهير الذي هو أطول أنهار الصين وأكثرها أهمية وعلى ضفاف نهر هوانج يو وهو أحد روافد نهر يانجتسي. وشنغهاي هي المدينة الصناعية والتجارية الأولى في الصين وتعتبر عاصمة المال والأعمال وبها 4500 ناطحة سحاب وبها ثالث أعلى برج في العالم.

العاشرة: نتساءل فيها، أين العرب في الأجندة الصينية؟ أو أين الصين في الأجندة العربية؟ بالطبع هناك تمثيل عربي في بكين، وتمثيل صيني في مختلف الدول العربية، ولكن السؤال هو عن الحضور الفاعل سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً، ونحن ندرك أن هناك تقدماً، ولكن هل هذا يكفي أو يتماشى مع إمكانيات كل من الطرفين العربي والصيني أم أنه دون المستوى المأمول؟ والإجابة على هذه النقطة نتركها لرجال الأعمال العرب والصينيين ولأصحاب القرار، ذوي الرؤية الاستراتيجية من الجانبين. فالصين هي قبلة العالم في القرن الحادي والعشرين، ولابد للعرب من إعادة النظر في الكثير من تصوراتهم عن الصين وأساليب التعامل معها. إن بناء العلاقات بين الدول له ركيزة أساسية هي المصلحة والمنفعة المتبادلة.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2799 - الأربعاء 05 مايو 2010م الموافق 20 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً