العدد 2813 - الأربعاء 19 مايو 2010م الموافق 05 جمادى الآخرة 1431هـ

هل «الحُمُّص» إسرائيلي!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

انتهت معركة «المطبخ» بين لبنان والكيان الصهيوني. ثلاثمئة وواحد وخمسون طاهياً لبنانياً أنتجوا طبقاً من «الحُمُّص» بوزن 10452 كيلوغرام (الرقم رمز لمساحة لبنان أيضاً البالغة 10452 كم). وهو ضعف وزن طبق «الحُمُّص» الذي أعدّه طهاةٌ صهاينة قبل فترة، ليكون لبنان قد دخل بذلك موسوعة غينيس للأرقام القياسية للعام 2010.

بالتأكيد فإن القضية أبعد من هذا الإسفاف. ما يهمّ في ذلك هو أن الصراع الذي يخوضه العرب مع الكيان الصهيوني هو صراع مزدوج، ومتعدد. صراع الأرض والهوية. حتى انسحب الأمر على أصناف الطعام. وهو سلوك صهيوني يُرَاد منه إشعار العرب، وإيقاعهم أسرى «للشَّك» في أن يتشرّبوا حسّ الغربة التاريخية وهم في أوطانهم.

عندما استولى الصهاينة على الأراضي الفلسطينية رسمياً في 14 مايو/ أيار من العام 1948 كانت المنطقة (وما عليها) قد انتقلت في ملكيتها بالكامل إلى السّاكِنين الجُدد. لقد جاءوا وهم يعتقدون أن سكّان هذه الأرض (الفلسطينيون) قد استولوا عليها من قبل بذات القلق الذي هم يُجدّدونه اليوم ضد النّاهبيين الأوّليين.

كان احتلال الحركة الصهيونية للأرض الفلسطينية مَعْلَماً واحداً من معالم الاحتلال والصراع. لقد كان المشروع أكبر من الأرض. لقد كان مشروع «تحويل» شامل من تخوم الأرض حتى عنان السّماء. تمّ الاستيلاء على المقدّسات، والتراث الموجود في الردهات الدينية، وحتى أطباع العرب والفلسطينيين وما يشربون وما يأكلون.

وبالحديث عن الأكلات العربية (وهو موضوع اليوم)، يُمهِرُ الشّهود على «تاريخ اعتصاب فلسطين» أن الصهاينة، لم يتعرّفوا على العديد من الأكلات العربية إلاّ بعد النكسة في العام 1967 واحتلالهم للمزيد من الأراضي العربية، حين استولوا على طرائق الأكل العربي وقاموا بنقل تجاربها إلى داخل الخطّ الأخضر، ثم عَمِلُوا على تدوين مقاديرها وأوصافها ونعوتها ضمن التاريخ والثقافة اليهودية. وبالمناسبة، فإن طبق الحمّص الذي أعدّته تل أبيب مؤخراً، كان قد أعدّه طبّاخونَ عربٌ من سكّان الخط الأزرق.

في تونس كانوا يتكلّمون عن طبخة الـ «كاشير» المشترك. ثم سرقوا غموس الحلبة المُبهّرة واللحوح والمُلوّج اليمني. وفي غيرها من الأصقاع كانوا يتحدّثون عبر أشهر طهاتهم كـ آنات آري عن البريك، المروزية والمدفونة. ثم زاد ذلك الاهتمام بتنظيم عدد من الفعاليات الثقافية الصهيونية داخل الأراضي المحتلّة ليس آخرها مهرجان «يوعاف يهودا للأكلات الريفية» الذي يعجّ بالأكلات العربية والإسلامية المسروقة.

العرب ليسوا دعاة انغلاق. وهم ليسوا في سوق احتكاريّة ضد غيرهم لما هم عليه من ثقافة وفن وتقاليد وهويّة. وهم يُدركون أن الثقافات والهويات تُبنى (ولو بالنّحت) عبر التدافع والاختلاط والتصاهر. لكنهم يرفضون أن تُسرَق أشياؤهم، ثم تُعلّب، وتُمهَر بعنوان جديد، لا يصلها بالسّارق سوى غربته الأخلاقية والقانونية تجاه ما سرق، وبدون حياء أو خجل.

لقد أخذ العرب من الفرس طرائق الزراعة وفنّ العمار وما يأكلون، وأخذ الفرس من العرب بلاغتهم ومفرداتهم اللغوية بنسبة 60 بالمائة. وقبلها استعانوا بالعلماء السّريان في ترجمة الإرث الفلسفي القديم. وأخذ اليونانيون من المصريين علوم الرياضيات، وأخذ المصريون من الكلدانيين علوم الفلك، وجزءاً من أكلاتهم. هذه طبيعة الحضارات. تُؤثّر وتتأثّر في السلم والحرب معاً. أما ما يقوم به الصهاينة فهو بعيد عن ذلك التأثير والتأثّر.

اليوم يمارس الكيان الصهيوني بناء هيكله من عظام الآخرين. ويبني لحماً جَمَعَه من أجساد مختلفة. يريد أن يختصر الحضارة والتاريخ والوطن بأيّ شكل كان. في بحر ستين عاماً سَرَق الصهاينة أرضاً هي بحجم وطن. وهم وفي أتون هذا المشوار يودّون لو أن مستلزمات هذا الوطن تأتيهم بدون عناء، حتى في قائمة الطعام.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2813 - الأربعاء 19 مايو 2010م الموافق 05 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 12:43 م

      سرقة

      سرقة من الدرجة الاولى
      سرقة اراضي
      سرقة ثقافة
      سرقة تاريخ
      سرقة ... سرقة ... سرقة

    • زائر 4 | 5:38 ص

      اكبر طبخة

      البلوة كل مرة يطلع لنا بعض الناس ويسوون لنا أكبر طبخة مرة حمص ومرة مجبوس

    • زائر 3 | 12:53 ص

      هل «الحُمُّص» إسرائيلي!

      اليوم يمارس الكيان الصهيوني بناء هيكله من عظام الآخرين. ويبني لحماً جَمَعَه من أجساد مختلفة. يريد أن يختصر الحضارة والتاريخ والوطن بأيّ شكل كان. في بحر ستين عاماً سَرَق الصهاينة أرضاً هي بحجم وطن. وهم وفي أتون هذا المشوار يودّون لو أن مستلزمات هذا الوطن تأتيهم بدون عناء، حتى في قائمة الطعام.

    • زائر 2 | 12:13 ص

      الأكل

      الصراع لا يشمل الاكل في مناطق الشام فقط وانما يشمل حتى اكلات الخليج

    • زائر 1 | 11:12 م

      عنوان مثير

      عجبني العنوان

اقرأ ايضاً