العدد 2814 - الخميس 20 مايو 2010م الموافق 06 جمادى الآخرة 1431هـ

نهضة أوروبا بين دنيا الدين ودين الدولة (5)

محمد خاتمي comments [at] alwasatnews.com

ماكيافللي أهدى رسالة «الأمير» إلى هذه الاسرة - على ما هو المشهور - لكنه لم يفلح في استعطاف لورنزو مديتشي والحصول على منصب سياسي ذي شأن.

بعد ذلك، عاد إلى اتمام كتاب «المقالات» والاحالات التي يحيلها ماكيافللي في «الامير» على «المقالات» دليل على تقدم تاريخ تأليف الكتاب الثاني على الأول. وفي «المقالات» غير إشارة إلى ذلك، منها قوله في مستهل الفصل الثاني منه: «ولن أذكر هنا شيئا مما يرتبط بالجمهورية التي بحثت عنها بالتفصيل سابقا»، إشارة إلى كتاب «المقالات».

بيت القصيد في الكتابين هو بيان خصوصيات الحكومات القديرة، وطرق الحفاظ على شوكتها وعظمتها. يعتبر ماكيافللي في «المقالات» أن هدفه يتلخص في تقصي العوامل التي أوصلت جمهورية روما إلى المكانة الرفيعة التي حازتها، ثم يتصدى لاستعراض العوامل التي أدت ببعض المدن إلى بلوغ المرتبة الرفيعة، ومكن الرومان من اعتلاء قمة العظمة، وتحصيل ما حصلوه من مجد رفيع.

ويرى ان التوفيق والنجاح لم يحالفا المدن في توسيع حدودها وزيادة ثروتها إلا عندما عاشت في حرية.

وقد يبدو للوهلة الأولى أن تأكيد ماكيافللي على حرية الشعب لا ينسجم مع ما جاء في «الأمير»، لكن هذا التضاد الظاهري يزول بالتأمل في مراده من الحرية.

ففي عرف ماكيافللي أننا حين نقول ان المدينة الفلانية تتمتع بالحرية فكأنما نقول انها تحافظ على استقلالها عن كل قوة سوى قوة المجتمع. فالحرية ترادف الإدارة الذاتية عنده، وهذا يعني ان اهتمام ماكيافللي في «المقالات» منصب على مجتمع دنيوي قوي ودولة مستقلة وعظيمة.

وهو يعتقد ان العظمة ثمرة الحفظ والفضيلة - كما أكد في «الأمير» ايضا. وهو في «المقالات» يتبع في تحليل مفهوم الفضيلة، الأسلوب نفسه الذي نجده في «الأمير».

يشرح ماكيافللي في «المقالات» أسباب وعلل توسع جمهورية روما وتنامي قدرتها، ويعتبر الجمهورية النظام المطلوب، في حين أنه يبحث في «الأمير» بنظرة واقعية، عن سبيل حل مشاكل عصره السياسية، ولا يرى ان البلاد مهيأة بعد لاستقبال النظام الجمهوري. ومن ثم يخلص إلى أن الملكية هي السبيل لتوحيد المجتمع وقيادته نحو القدرة والغلبة.

وباعتباره يبحث عن سبيل انقاذ ايطاليا، وايصالها إلى مستوى الدول المستقلة، واكتسابها أدوات التفوق السياسي في أوروبا، يخلص أيضا إلى أن قيام قوة دنيوية مؤثرة أمر لازم وضروري لتحقيق هذا الغرض، ويعتقد ان شرط نجاح قوة معينة، في ذلك الظرف، هو اطلاقها. ثم يحاول، من خلال التبريرات الفلسفية والعلمية، تدعيم رأيه واسناده.

كان ماكيافللي يعاني من تشتيت ايطاليا، وضعف شعبها وهوانه، ويطمح إلى اخراج مجتمعه من هذا الوضع المزري، فقام كرجل يعي مسئوليات زمانه، ويمثل بحق الاتجاه المتنامي ذي النظرة الدنيوية برسم طريق الحل. ومن الجلي أن ما يصفه ماكيافللي كطريق حل لا يتعارض مع معايير العصور الوسطى فحسب، بل هو على الضد منها، لاسيما أن ماكيافللي لا يتورع عن الجهر بقنوطه من الكنيسة ومما يمكن أن تؤديه من دور.

ويبين ماكيافللي في «المقالات» رأيه في الدين والنظام الرسمي الذي يتبناه، وآماله في المستقبل فيقول: «... نحن الايطاليين مدينون بلاتديننا لروما والقساوسة... فقد أبقت الكنيسة بلدنا مجزأ لحد الآن. إن أية دولة لا يمكنها أن تبلغ مرحلة الوحدة، وأن تسعد، ما لم تطع الحكومة كل الطاعة، سواء كانت تلك الحكومة جمهورية أو ملكية، كما هي الحال في فرنسا وإسبانيا. والسبب الوحيد الذي حال ويحول بين إيطاليا وبين الوحدة والسعادة، وبينها وبين اتباع حكومة جمهورية أو ملكية، هو الكنيسة... الكنيسة التي ليست من القوة بحيث تتولى زمام السلطتين الدينية والدنيوية، وليست من التواضع بحيث تسمح لقوة أخرى القيام بأعباء السلطة الدنيوية» و»لقد حال موقف الكنيسة هذا دون توحد ايطاليا في ظل قيادة حازمة، فبقيت أسيرة عدد من الأمراء والاعيان مما ادى إلى انحطاطها، وهوانها، وجعلها عرضة لكل ذي طمع فيها».

من هنا يعلق ماكيافللي أمله على منقذ قوي يخلص ايطاليا من التشتت، ويبلغ بها مقام فرنسا وإسبانيا على الاقل. وعندما عاد آل مديتشي إلى السلطة، وخضعت فلورنسا لحكمهم، علق ماكيافللي أمله في انقاذ البلاد عليهم، فقد تضمنت خاتمة «الأمير» مدحا للحاكم القوى، وتحريضا له على القيام بإنقاذ ايطاليا، وتخليصها من الضعف والمسكنة.

في العموم يمكن القول إن آراء ماكيافللي في السياسة تنسجم مع أهداف الطبقة البورجوازية التي كانت آخذة في التشكل والظهور ورغبتها.

الدنيا، برأي ماكيافللي، أصل، والإمارة أصل أيضا، وإذ يتخذ فكره السياسي الفضيلة محوراً، متابعاً بذلك تقليداً راسخا في اعتبار الفضيلة من أركان السياسة، فإن لها عنده معنى ومفهوما خاصين.

إقرأ أيضا لـ "محمد خاتمي "

العدد 2814 - الخميس 20 مايو 2010م الموافق 06 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:47 م

      الى الزائر رقم 2

      نعم , انت على حق , و أرجوا ان لا تبالى بردود السفهاء فعقليتهم محدوده لا تقدر على استيعاب الحقيقه و موقفهم معروف مسبقا , بالنسبه لهم الجحيم هنا و الفردوس هناك.

    • زائر 3 | 5:27 ص

      زائر 2

      اشفيك على الاعدامات؟؟كانه ايران بس اللي تعدم.اكثر اللي عدمتهم يا اما قضايا اغتصاب او تجاره مخدرات او عملاء لامريكا .اما من ناحيه القنون في فنون وفي موسيقى وفي محلات موسيقى وفي كل شي ولانك مثل الببغاء تسمع اللي يقولونه وتتكلمه روح دور على معلومات صحيحه وبعدين تكلم.
      ايران ماعدمت كثر ماصدام عدم السني والشيعي والكردي والمسيحي واليهودي وغيرهم.

    • زائر 2 | 3:34 ص

      ايران في ظل الجمهوريه

      نتمنى ان نرى ايران مثل ايطاليا وفرنسا من ناحية العلم والثقافه والفنون والتراث لان الشعب والشباب الايرانى تواق ومتعطش وذكى لحب العلم والفنون ويكفي الاعدامات لصغار السن ....

    • زائر 1 | 3:23 ص

      ايهما احكم!؟

      ايهما احكم الاحكام السماويه او فطرة الانسان في تعاطي مع مجريات الامور ولماذا الغرب لما وضعت لها قوانين بعيده عن الكنيسه اي فطريه عاشت بهناء ولكن المسلمين لا ترضى وتراها قاسيه ولا تصلح لقرن 21

اقرأ ايضاً